السيارات الكهربائية: صيحة عالمية واعدة

 

في عالم يتسارع فيه السباق نحو مستقبل أكثر استدامة وأقل اعتماداً على الوقود الأحفوري، تقف السيارات الكهربائية كرمز لتحول جذري في صناعة النقل العالمية. هي ليست مجرد وسيلة للتنقل، بل باتت تمثل رؤية بيئية واقتصادية وسياسية شاملة، تنبع من قلق متزايد حيال تغير المناخ والتلوث الهوائي، والأزمات النفطية المتكررة. وكأن العالم يتأمل مركبات الماضي الملوّثة ويرى فيها بقايا عصر بات على وشك الأفول، ليُفسح المجال لعصر جديد تنطلق فيه الاليات بصمت يشبه الهدوء البيئي الذي تنشده البشرية.

في المقابل، لطالما كانت وسائل النقل الكهربائية امنية المستقبل، لكن هذا الحلم بدأ يتحقق بفضل التطورات العلمية والتقنية. وباتت دول مثل النرويج والسويد والصين تقود هذا التحول، حيث أصبحت النرويج، تعتمد بشكل شبه كامل على السيارات الكهربائية، لتشكل أكثر من 80% من مبيعات السيارات الجديدة، وهي نسبة تكاد تكون مثالية. أما الصين، العملاق الصناعي، فقد تبنّت هذه الثورة بدعم حكومي ضخم، مما جعلها أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.

طموح «محلي» وسط المحن!

في ضوء هذه الفورة الصناعية، وجد لبنان رغم مآزقه الاقتصادية والبيئية، في هذه الصيحة العالمية نافذة أمل. مشاريع محلية مثل «سيارة ليرة» تأتي كإشارة إلى إمكانيات الابتكار حتى في أحلك الظروف. لكن السؤال المطروح هو: هل يمكن للبنان، الذي يعاني من أزمات في البنية التحتية، أن يواكب هذا التحوّل؟

لا شك ان السيارة الكهربائية لا تُعنى فقط بتوفير الطاقة وتقليل التكاليف، بل تمتد فوائدها إلى تخفيض معدلات التلطّخ في المدن المكتظة. إنها تُمثل أماناً بيئياً واقتصادياً، وتفتح الباب أمام نقلة نوعية في مفهوم النقل المستدام. لكن هذا الانتقال ليس مجرد استجابة لضرورات بيئية، بل هو أيضاً انعكاس لصراع عالمي على الهيمنة الاقتصادية، حيث تتنافس الدول على ريادة هذه الصناعة التي تُعتبر «نفط المستقبل». إن التعويل على السيارات الكهربائية اليوم أشبه برهان على إعادة تشكيل وجه العالم، ليس فقط كوسيلة نقل، بل كرمز للتقدم الذي يعيد توازن العلاقة بين الإنسان والطبيعة.

من الصناعة الوطنية إلى العالمية!

في يوليو 2023، تم الكشف عن أول مركبة كهربائية لبنانية تُعرف باسم «ليرة»، من تصميم المهندس الميكانيكي هشام الحسامي. تمتاز بعملها بالطاقة الشمسية، حيث تشحن نفسها أثناء التنقل في الأجواء المشمسة، مع إمكانية شحن بطارياتها عبر أي مصدر كهربائي. وتتميز بتصميم خارجي مدمج ومساحة داخلية رحبة. تشمل ميزاتها التقنية كاميرات لتسجيل مسار الرحلة، وشاشة تعمل باللمس، ونظام ملاحة GPS. وتهدف إلى توفير بديل اقتصادي يقلل من عبء تكاليف النقل، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الوقود في لبنان.

إبداع غير مسبوق!

في سياق متصل، يقول مصدر في وزارة الصناعة لـ «اللواء»: «تعتبر صناعة سيارة «ليرة» الكهربائية خطوة غير مسبوقة في الشرق الأوسط عموماً ولبنان بشكل خاص، حيث تُعد هذه المبادرة بمثابة إثبات عملي على قدرة الدول العربية على دخول قطاع التصنيع التكنولوجي المتقدم، الذي ظل لفترة طويلة حكرًا على الدول الصناعية الكبرى. هذا المشروع لا يمثل مجرد تصنيع سيارة كهربائية، بل يعكس طموحاً حقيقياً لتحقيق الابتكار والاستقلالية الصناعية في المنطقة.

ويشير «تكمن أهمية هذا المخطط في كونه الأول من نوعه في لبنان، مما يضع البلاد على خارطة الابتكار العالمي في صناعة السيارات الكهربائية. علاوةً على ذلك، يُظهر مشروع «ليرة» إمكانيات لبنان في تقديم حلول نقل مستدامة وفعّالة من حيث التكلفة، تتناسب مع تحديات العالم العربي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والطاقة التي تواجهها المنطقة. كما أن تصنيع سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية والشمسية يضع لبنان في مقدمة الدول العربية التي تسعى إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، مما يعزز جهودها في مكافحة التغير المناخي».

ويختتم «على صعيد العالم العربي، يُعتبر هذا المشروع خطوة رائدة لتحفيز الدول الأخرى على الاستثمار في هذا القطاع، وخلق بيئة تنافسية قادرة على تعزيز الابتكار الصناعي والتكنولوجي. لا يعكس الإنجاز رؤية مستقبلية لقطاع النقل فقط، ولكنه أيضا يساهم في خلق فرص عمل، ودعم الاقتصاد المحلي، وتعزيز مكانة العالم العربي في مجال الصناعات المتقدمة. سيارة «ليرة» ليست مجرد مشروع محلي، بل هي رمز للقدرة العربية على تقديم حلول عصرية ومبتكرة في قطاع حساس واستراتيجي كصناعة السيارات».

نحو مستقبل مستدام

من جهته، يكشف المهندس الميكانيكي هشام الحسامي، مبتكر مشروع «تاكسي ليرة» الكهربائي، لـ«اللواء» أن هذا الابتكار يمثل نقلة نوعية في مجال النقل الحضري داخل بيروت. كما يعد نموذجاً حضارياً يعكس تطلعات المدينة لمواكبة التطور المستدام، مشيرا إلى أن «ليرة» تعتمد على الطاقة الشمسية، ما يجعلها الخيار المثالي للنقل البيئي والصديق للطبيعة».

ويوضح «أن سيارات «ليرة» تم تجهيزها بأحدث التقنيات لضمان راحة وأمان الركاب، حيث تشمل كل سيارة عدادات دقيقة وكاميرات مراقبة داخلية، فضلًا عن رمز QR الذي يتيح للركاب معرفة بيانات السائق بسهولة، مثل اسمه ومعلومات الاتصال به، ما يعزز الشفافية والثقة في الخدمة. ويطمح المشروع إلى تقديم تجربة نقل متطورة وآمنة، تجعل بيروت نموذجاً يحتذى به في التوسع الحضري المتوازن».

مميّزات

ويشير الحسامي إلى أن سيارة «ليرة» تتميز بعدة مواصفات فريدة تجعلها تتفوق على باقي السيارات الكهربائية:

1. معايير السلامة المتكاملة:

تم تصميم «ليرة» بأعلى مستويات الأمان لضمان حماية السائق والركاب، حيث تشمل:

نظام فرامل مانعة للانزلاق (ABS) لضمان توقف آمن في الحالات الطارئة.

نظام الثبات الإلكتروني (ESP) لتعزيز التحكم والثبات أثناء القيادة في مختلف الظروف.

هيكل قوي قادر على تحمّل أقسى الظروف، مما يعزز سلامة المركبة.

2. تقنيات رؤية وركن متطورة:

تسعى «ليرة» إلى تقديم تجربة قيادة سلسة وآمنة بفضل تقنيات متقدمة تشمل:

كاميرات أمامية وخلفية توفر رؤية شاملة وواضحة أثناء القيادة أو ركن السيارة.

نظام رؤية بانورامية بزاوية 360 درجة لتسهيل الركن في الأماكن الضيقة.

حساسات ذكية للكشف عن العوائق وتنبيه السائق لتجنب الاصطدامات.

3. شاشة تحكّم ذكية متعددة الوظائف:

تتضمن السيارة شاشة تعمل باللمس توفر للسائق تجربة تحكّم متكاملة تشمل:

نظام ملاحة (GPS) متقدم يضمن توجيهاً دقيقاً وسهلًا.

إدارة استهلاك الطاقة ومراقبة أداء البطارية لضمان كفاءة التشغيل.

خيارات التحكم بالموسيقى والاتصال عبر تقنيات Bluetooth وWi-Fi.

4. تقنيات القيادة الذاتية (قيد التطوير):

يوضح الحسامي أن العمل جارٍ على تطوير نظام قيادة ذاتية متقدم يتيح:

التحكم في السيارة أثناء التنقل على الطرق السريعة بأمان.

تقليل الضغط والإجهاد على السائق خلال الرحلات الطويلة.

5. تطبيق التحكّم عن بُعد عبر الهاتف الذكي:

توفر سيارة «ليرة» تطبيقاً مبتكراً يسمح للسائق بإدارة المركبة بسهولة، بما في ذلك:

قفل وفتح الأبواب عن بُعد لتعزيز الراحة.

تتبع موقع السيارة في أي وقت لضمان الأمان.

مراقبة مستوى شحن البطارية وحالة السيارة باستمرار.

6. تكلفة اقتصادية تنافسية:

ويكشف ان «سيارة «ليرة» صُممت لتكون في متناول شريحة واسعة من المستخدمين، حيث تجمع بين تقنيات متقدمة وأسعار مناسبة للسوق المحلي والعالمي، مما يجعلها بديلا اقتصاديا بامتياز».

7. رؤية مستقبلية مستدامة:

ويشدّد على أن «ليرة» ليست مجرد سيارة كهربائية، بل تمثل رؤية شاملة نحو مستقبل أكثر استدامة، حيث تساهم في تقليل التلوث ودعم الابتكار الصناعي، مما يعزز مكانة لبنان كمركز للابتكار التكنولوجي والصديق للبيئة».

ما الذي يميز «ليرة» عن باقي السيارات الكهربائية؟ يجيب «تتفرد بعدة جوانب فريدة تجعلها مختلفة عن السيارات الكهربائية الأخرى، أبرزها:

• اعتمادها على تقنيات متطورة تم تطويرها محليّاً بما يتناسب مع السوق اللبنانية والعربية.

• تصميمها ليجمع بين الأداء العالي والكفاءة مع مراعاة المتطلبات المحلية.

• تقديمها تجربة فريدة تجمع بين الأمان، التكنولوجيا المتقدمة، والتكلفة الاقتصادية، مما يجعلها خياراً مميزاً للمستهلكين.

وفي ختام حديثه، يشدّد الحسامي على أن سيارة «ليرة» ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي بوابة نحو مستقبل أكثر إشراقًا، حيث تلتقي التكنولوجيا بالبيئة لخدمة الإنسان والطبيعة معا.

عالم «كهربائي»!

في السنوات الأخيرة، ظهرت محاولات نوعية في الشرق الأوسط لتطوير صناعة السيارات الكهربائية، وكان لبنان من بين الدول السباقة في هذا المجال. ففي عام 2021، تم إطلاق سيارة «قدس رايز» من قبل شركة EV Electra، حيث اعتُبرت أول سيارة كهربائية تُصنع بالكامل في لبنان، ما يمثل خطوة هامة نحو إثبات القدرات المحلية في هذا القطاع.

على الصعيد العالمي، يزداد توجه المستهلكين نحو السيارات الكهربائية لأسباب عديدة، منها التوجه للحد من الانبعاثات الكربونية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. إلا أن تحديات مثل التكلفة العالية للسيارات الكهربائية ونقص البنية التحتية لمحطات الشحن تقف عائقاً أمام انتشارها. بحسب دراسة أجرتها شركة McKinsey، فإن هذه التحديات تمثل أبرز العقبات التي تواجه المستهلكين، خاصة في الدول التي لا تدعم سياساتها التحول إلى الطاقة النظيفة بشكل كافٍ.

على النقيض، تبرز الصين كدولة نموذجية في تبنّي السيارات الكهربائية، حيث اعتمدت استراتيجيات مدعومة حكومياً، مع استثمارات كبيرة في البنية التحتية وسلسلة التوريد. أما في أوروبا، ورغم زيادة الإقبال على وسائل النقل المستدامة مثل الدراجات، فإن الشباب ما زالوا يبدون اهتماما بالسيارات، مع توجه ملحوظ نحو السيارات الكهربائية كخيار للمستقبل، وإن كانت النفقات المرتفعة وغياب محطات شحن كافية يمثلان حاجزاً رئيسياً.

في الختام، أصبح من الواضح أن السيارات الكهربائية تمثل توجّها عالميا بغية تقليل التدهور البيئي وتعزيز الاستدامة. ومع ذلك، فإن النجاح الكامل لهذا التوجه يعتمد على التغلب على العقبات المرتبطة بالتكلفة والتقنيات الداعمة، مما يجعل التعاون بين القطاعين العام والخاص أمرا حتمياً لدفع عجلة التطور في هذا المجال.

Leave A Reply

Your email address will not be published.