عودة “بترول عيتا الأخضر”… من بين الركام

عاد أبناء بلدة عيتا الشعب الحدودية إلى صناعة زيت الغار بعد انقطاع دام عامين بسبب الحرب. هذه البلدة التي تشتهر بشجر الغار الذي يمتد على مساحة 4 كلم مربّع من ضمن محمية عيتا الشعب الحرجية، كان يُقدّر إنتاجها من زيت الغار قبل الحرب بحوالى 150 ألف دولار، في حين يصل إنتاجها من صابون الغار إلى حدود 150 ألف دولار أيضًا. هذا الإنتاج تراجع بشكل كبير ووصل إلى حدود 80 في المئة، وبعد أن كانت البلدة كلها تصنع زيت وصابون الغار، انخفض العدد ليصل إلى 40 شخصًا فقط، وهو ما عده أبناء البلدة نكسة اقتصادية كبرى بحق “بترول البلدة الأخضر”.

تسبقك رائحة الغار نحو منزل زينب طحيني، وهي واحدة من بين 40 شخصًا عادوا لصناعة زيت الغار، الذي تعدّه طحيني “قوة اقتصادية لعائلتها”. كان يُقدّر إنتاج زينب قبل الحرب بحوالى 10 تنكات زيت، تُباع الواحدة بـ 400 دولار، وهذه الكمية انخفضت بشكل كبير: “ما قادرين نوصل لشجر الغار بسبب الحرب، فالمحمية تقع ضمن المناطق الممنوع الوصول إليها، وهذا أدى لتراجع إنتاج حبوب الغار، ما انعكس على الزيت والصابون”.

أمام منزلها شبه المدمّر توقد زينب خليقة الغار، تضع داخلها حبوب الغار المنقوعة منذ يومين. أكثر من أربعة أيام يستغرقها إنتاج زيت الغار: “عمله صعب ومتعب ولكن كل التعب يزول حين يبدأ الزيت بالظهور”.

تقول زينب إنه “دواء لكل داء، سواء للعظم أو الشعر أو للبشرة والمفاصل وغيرها. لا يخلو بيت من زيت وصابون الغار. فنحن لا ندخل الشامبو ولا حتى المساحيق إلى المنازل، نعتمد على صابون الغار والزيت في كل شيء، فهو أساسي كالأكل والشرب”.

ساعات طويلة تمضيها زينب في إنتاج الزيت، أربعة أيام من “التعب الحلو” كما تقول، تعمل فيها على استخراج الزيت الذي يمرّ، بحسبها، بعدة مراحل: من النقع إلى الطهي في المياه لمدة يومين إلى استخراج الزيت وتصفيته عدة مرات.

ووفق طحيني “الزيتون عمله أسهل بكثير، تأخذ الحبوب إلى المعصرة ويخرج الزيت، عكس الغار الذي يتطلب تعبًا مضاعفًا، لذا سعره مرتفع ويباع بالكيلو”.

لا تفارق الابتسامة وجه زينب، خاصة حين يرشح زيت الغار، فتشعر بأن التعب حلّ. بعدها تبدأ رحلة صناعة صابون الغار الذي لا يقلّ أهمية عن الزيت، فهو دواء لكل البقع ويوفر الكثير من المساحيق.

شهران تبقى زينب كما كل أبناء عيتا الشعب يصنعون زيت الغار الذي دخل السوق من بابه العريض، لفوائده المتعددة سواء التجميلية أو الصحية أو غيرها، ومتوقع أن يستعيد حضوره بعد فتح باب التصدير للخارج.

تتباهى زينب بإنتاجها “بترول عيتا الأخضر”: “هيدا ذهب عيتا الذي يكلفنا الكثير من التعب”. تعمل العائلة كلها في صناعة زيت الغار، وتتعاون البلدة – بحسب زينب – في بيعه للسوق المحلي، غير أنه وفق قولها “الإنتاج قليل جدًا، ولكن الأهم أننا عدنا لإنتاجه رغم كل مآسي الحرب”.

يتكئ اقتصاد عيتا الشعب في قسمه الأكبر على الزراعة، وكانت واحدة من أهم الأسواق الشعبية المحلية قبل أن تتحول إلى بلدة منكوبة تعود للحياة بين الركام، وما عودة زيت الغار للبروز إلا تأكيد على إصرار أهالي عيتا على مواجهة الدمار بالصناعة المحلية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.