أزمة الاقتصاد اللبناني وتأثيرها على الأندية واللاعبين: رياضة في مواجهة الانهيار
منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان عام 2019، تغيّر وجه الرياضة اللبنانية على نحوٍ جذري فبين انهيار العملة المحلية، وارتفاع أسعار المعيشة، وتراجع الدعم الرسمي والخاص، وجدت الأندية واللاعبون أنفسهم أمام واقعٍ جديد لا يشبه ما عرفوه من قبل.
لم تعد المنافسة تدور على أرض الملاعب فحسب، بل باتت معركة بقاء في وجه الانهيار المالي والاجتماعي الذي يضرب البلاد.
تراجعت ميزانيات الأندية اللبنانية بنسبة تتراوح بين 60 و80 في المئة منذ عام 2019، بحسب تقارير الاتحاد اللبناني لكرة القدم. الأندية التي كانت تعتمد على رعاة محليين وشركات خاصة فقدت مصادر تمويلها، بعد أن انسحب معظم المعلنين نتيجة تدهور سعر الليرة وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
وباتت رواتب اللاعبين تُدفع بالليرة اللبنانية أو وفق سعر صرف أدنى من السوق، ما دفع عددًا منهم إلى الرحيل نحو الخارج أو البحث عن وظائف أخرى إلى جانب الرياضة.
بين الهجرة والتهميش
اللاعب اللبناني الذي كان يطمح إلى الاحتراف في دوريات عربية أو آسيوية أصبح يرى في الهجرة وسيلة للبقاء.
خلال عامَي 2021 و2022، غادر أكثر من 40 لاعبًا من الدوري الممتاز إلى أندية في العراق، عمان، الأردن، وإندونيسيا، وفق إحصاءات صحافية.
المدربون أيضًا تأثروا، إذ بات كثيرون يعملون برواتب رمزية أو يتولون تدريب فئات عمرية عدة في الوقت نفسه لتأمين دخل مقبول.
المنشآت الرياضية في لبنان، التي كانت أصلاً محدودة، تدهورت بشكلٍ إضافي بسبب غياب التمويل والصيانة.
ملاعب كرة القدم في طرابلس وصيدا وبيروت تعاني من أرضيات متهالكة، إنارة ضعيفة، ومدرجات مهجورة، في ظل عجز البلديات والاتحاد عن تحمل التكاليف بالدولار.
حتى المنتخبات الوطنية أصبحت تعتمد على معسكرات خارجية مموّلة من الاتحاد الآسيوي أو الفيفا، بعدما فقدت الاتحادات المحلية القدرة على تغطية نفقات السفر والإقامة.
ما تشهده الرياضة ليس سوى انعكاسٍ للأزمة الأوسع التي تضرب لبنان. فمع تراجع الناتج المحلي بنسبة تفوق 40% منذ 2018، وانخفاض قيمة الليرة إلى أكثر من 90 ألفًا مقابل الدولار، أصبحت المؤسسات الرياضية عاجزة عن العمل في بيئة مالية مضطربة.
رالف شربل
يقول المحامي الرياضي الدولي رالف شربل للديار: “من منظار قانوني، انّ الازمة الاقتصادية ليست سببا مشروعا للأندية لعدم الالتزام بعقودها مع لاعبيها ومدربيها”.
ويضيف: “المشكلة التي نعاني منها على المستوى المحلي هي انّ معظم الاندية لا تقوم بمشاريع طويلة الأمد بل قصيرة الامد وتعتمد على ممول رئيسي واحد وهذا ما يضعها في كثير من الاحيان في ازمات اقتصادية ومشاكل قانونية وقضائية. انّ الحل هو من خلال القيام بمشاريع طويلة الامد ووضع خطط واضحة والاعتماد على مجموعة من الممولين وليس على ممول واحد، لضمان استمرارية الأندية واستقرارها المالي والاداري”.
ان الرياضة اللبنانية فقدت دورها كمحرّك اجتماعي. الأندية لم تعد أماكن إنتاج، بل عبء إضافي على المجتمع. لا يمكن فصل الأزمة الرياضية عن الانهيار الاقتصادي العام.
رغم قتامة المشهد، برزت بعض المبادرات الإيجابية. فقد لجأت بعض الأندية إلى التمويل الجماعي عبر الإنترنت أو إلى الرعاة من المغتربين في الخليج وأوروبا. كما أن بعض اللاعبين اللبنانيين المحترفين في الخارج بدأوا بدعم أنديتهم الأصلية عبر التبرعات أو إرسال المعدات.
وفي عام 2024، أعلن الاتحاد اللبناني لكرة القدم خطة لإعادة هيكلة البطولات، تتضمن تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص وتخفيف الأعباء التشغيلية على الأندية.
لكن الطريق ما زال طويلًا. فالرياضة في لبنان، مثلها مثل كل القطاعات الأخرى، تحتاج إلى إصلاح جذري في البنية الإدارية والتمويلية كي تستعيد قدرتها على المنافسة والإنتاج.
إن أزمة الاقتصاد اللبناني لم تضرب جيوب اللاعبين فقط، بل مست الروح الرياضية نفسها. بين انهيار البنى التحتية، وتراجع الحوافز، وتفكك الدعم المؤسسي، تبدو الرياضة اللبنانية في سباق صعب للبقاء على قيد الحياة.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في عودة الروح من خلال الإصلاح والشفافية، واستثمار طاقات الشباب الذين ما زالوا يؤمنون بأن الرياضة يمكن أن تكون، يوماً ما، جزءًا من الحلّ لا من الأزمة.