“تسوية كبرى” توقع سلامة وحده وتحفظ صورة لبنان في الخارج؟

تتسارع التطورات القضائية في ملف توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة من دون ان تعطي أي إشارات واضحة او عملية حيال ما سيؤول اليه هذا الملف والتوقيف وصولاً إلى تحديد مصير الرجل، سجناً او حرية مشروطة بكفالة.
ففي حين كان يفترض ان تكون الايام الاربعة للتوقيف الاحترازي مهلة لتحديد مسار الملف، جاء قرار مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بوقف تحقيقاته وإحالة سلامة إلى المدعي العام المالي القاضي علي ابرهيم، ليسرع اجراءات التحقيق، فيما بدأت تبرز تحركات قضائية لقضاة تعرضوا للضرر بسبب الحماية السياسية التي توافرت لسلامة. فجاء قرار رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة إسكندر باتخاذ صفة الادعاء على سلامة وكل من يظهره التحقيق، وذلك تبعاً لادعاء النيابة العامة المالية، كما تحركت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، علماً انه ورغم كف يدها، لم تتوقف عن متابعة الملف.

اللافت في التطورات الأخيرة انها جاءت ضمن إيقاع واحد، يعكس مستوى التنسيق والتعاون القائم بين #النيابة العامة التمييزية والمالية وحاكمية المصرف المركزي، حيث كان للحاكم بالانابة وسيم منصوري دور اساسي وتجاوب تام مع السلطات القضائية. علماً ان كل المعلومات الموجودة في حوزة الحجار تملكها القاضية عون، ولكنها لا تحسن استعمالها على نحو يؤدي النتيجة المرجوة منها لجهة الوصول إلى ادانة سلامة، وذلك بسبب الخلفيات السياسية التي تتحكم بسلوكياتها وتؤثر على موضوعيتها امام الرأي العام.

في المعلومات المتوافرة حول سير الملف، ان ثمة تركيزاً على حصر الاتهام ضد سلامة بملف السمسرات البالغة قيمته ٤٠ مليون دولار. ولهذا التركيز اسبابه. ذلك ان فتح الملف على مصراعيه من شأنه ان يدفع بالمحاكمة لسنوات وربما عقود ولا ينتهي، نظراً إلى تشعباته، فضلاً عن العراقيل التي ستوضع في طريقه والضغوط التي ستمارس على القضاء بسبب التدخلات السياسية نظراً إلى المخاوف القائمة لدى المتورطين من السياسيين من النتائج التي ستخلص اليها التحقيقات. من هنا، ترجح مصادر قانونية مطلعة بأن التحقيق سيقتصر على سلامة من ضمن تسوية اكبر تشكل ملفات اخرى لا يستبعد ان تتناول الرئاسة والجنوب.

وفي رأي هذه المصادر ان عاملين أساسيين كانا وراء تحريك الملف اليوم وتوقيف سلامة، يتصل الاول بما يرتبه التدقيق الجنائي لشركة “الفاريز و مارسال ” والذي لم يعد في الامكان التغاضي عنه او طمسه، كما حصل بداية عندما امتنع وزير المال عن نشره إلا بعد ضغط اعلامي واسع، او حتى السير بالخلاصات التي وردت في تقرير مدعي عام التمييز السابق القاضي غسان عويدات ، ووزع الملف على ٣ جهات، النيابة العامة المالية وهيئة التحقيق الخاصة إلى جانب النيابة العامة التمييزية.

ومع تسلم القاضي الحجار الملف، وفي ظل التنسيق مع منصوري بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة، جرى التركيز على الشق المتعلق بمسألة السمسرات كونها تدين سلامة من دون اي لبس، على نحو يطوي صفحة المليارات الثمانية المسجلة في دفاتر المركزي ومسؤولية المصرف في هكذا عملية احتيالية هدفت إلى تغطية خسائر المصرف. اما السبب في طمس هذا الموضوع، فليس دفاعاً عن سلامة او عن المتورطين معه، وانما بسبب ارتداداته السلبية والخطيرة على لبنان وأمنه المالي والاقتصادي ومصالحه العليا، التي يبدو من اداء الحجار وممارسته، انه ضنين بها وبحمايتها. والسبب ان المركزي بتغطيته خسائره بهذه المليارات، مارس عملية غش واحتيال على المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف وحاملي السندات اللبنانية على نحو شوْش وأثر سلباً على توقعاتها وتقاريرها وتعاملها مع لبنان، وهذا من شأنه ان يسيء إلى البلد وسمعته وصدقيته ويعرضه للمساءلة.

اما السبب الثاني والذي لا يقل اهمية، فيتمثل بالتقرير المرتقب لمجموعة العمل المالي “فاتف” المتوقع نهاية الشهر الحالي، والذي يهدد بوضع لبنان على اللائحة الرمادية بسبب عدم التزامه مجموعة من المعايير المطلوبة. اذ من اصل ٤٢ توصية، يلتزم لبنان ٣٤ منها، في حين يتخلف عن كل المعايير المتصلة بعمل القضاء لملاحقة الفساد وعمليات تبييض الاموال، كما تتخلف الدولة عن اقرار القوانين الاصلاحية. ولا بد من الإشارة إلى ان لبنان على اللائحة الرمادية لن يكون كغيره من الدول المدرجة على هذه اللائحة وتتمتع بهامش من الليونة، بل سيكون هناك تشدد كبير في التعاطي الدولي معه، خصوصا ان هذا الوضع سيزيد تحفيز الاقتصاد النقدي ويؤدي إلى خنق لبنان اكثر. من هنا، تعتقد المصادر ان توقيف التوقيف استند إلى هذين المعطيين، لا سيما وان الحاكم بالانابة يتحرك خارجياً لتلافي اللائحة الرمادية، وهو يحظى على ما يبدو بارتياح خارجي للإجراءات والسياسات التي يتخذها في المصرف المركزي، كما يتمتع إلى جانب الحجار بغطاء مجلس القضاء الأعلى.
ماذا عن ارتباط ملف سلامة المحلي بملفه في الخارج؟

تجيب المصادر ان التحقيق الداخلي لا يعطل التحقيقات في الخارج بل يعززها، كونه الملف الاساس الذي يستند عليه القضاء الأوروبي. وهذا ما اكده امس المدعي العام التمييزي الأسبق القاضي حاتم ماضي عندما استبعد ان يكون حصل ضغط قضائي أوروبي على القضاء اللبناني، موضحاً ان التوقيف الاحترازي لسلامة لا يسحب الملف من القضاء الاوروبي، كما ان القانون اللبناني واضح لجهة الصلاحية الشخصية التي بموجبها، إذا ارتكب لبناني جرماً في الخارج، يمكن ملاحقته في لبنان اضافة إلى ملاحقته من قبل الدولة التي ارتكب فيها الجرم.

وتكشف المصادر في هذا الاطار ان القضاء الفرنسي قطع أشواطاً كبيرة في تحقيقاته، لافتة إلى ان اي خيط يمكن ان يربط بين مبلغ ال ٤٠ مليون دولار التي يتهم سلامة بقبضها مقابل سمسرات واي انفاق منها في الخارج، سيكرّس تهمة تبييض الاموال وغيرها من البنود الواردة في القانون ٤٤ الخاص بتبييض الاموال.
وتخلص المصادر في قراءتها للمعطيات إلى القول ان سلامة وقع في حفرة سيكون من الصعب جدا عليه الخروج منها، خصوصاً إذا صحت التوقعات بأن التوقيف لم يكن قراراً منفرداً وخارج سياق التسويات الكبرى الجاري العمل عليها حالياً.

Leave A Reply

Your email address will not be published.