مرفأ جونيه الى الواجهة … 16 عاما والقيود الوزارية قائمة بين التمويل وروتين الادارات
دائما، في الازمات تعاد الى الواجهة قضايا المرافق العامة الحيوية، من مطار القليعات الذي تشتد المطالبة باحيائه اليوم، الى مرفأ جونية التي تعلو الاصوات داعية الى “تحريره”، والى اعتباره مرفأ سياحيا – تجاريا.
لكن، في المقابل، برزت اصوات رافضة تمثلت بـ”تعاونية صيادي الاسماك في جونية” التي رفعت كتابا الى وزير الاشغال علي حميه تناشده ” وقف العمل بتحويل المرفأ مرفقا تجاريا”.
الى هنا، يبدو الموضوع واحدا. ولكن، وبعد التأكد من حيثيات الملف، تمكنت “النهار” من التوقف عند نقاط ثلاث اساسية.
النقطة الاولى، ان الكتاب الذي وزع او اعيد اليوم الى الاعلام، ليس جديدا بل يعود الى مطلع العام الحالي، وتحديدا مؤرخ في 29 كانون الثاني 2024، لكن الصوت يعود مجددا اعلاميا، انطلاقا من “الخوف من التهديد الذي يطال لقمة عيش الصيادين”.
النقطة الثانية، وهي الاهم ان المرفأ الزراعي مختلف عن المرفأ السياحي – التجاري. الاول انشىء على عهد الرئيس فؤاد شهاب، والثاني تعود قصته الى عام 2008.
النقطة الثالثة، تبدو الحاجة ملحة الى مرفأ تجاري – سياحي هناك، وخصوصا في ظل مرحلة التأزم وشبح الحرب، وبالتالي من دون التعارض مع الشق البيئي والزراعي، او الجانب المعيشي للصيادين.
فكيف ستعالج هذه القضية من باب التوازن بين حقوق العمال وحاجة البلاد الى المرفق الحيوي، لاسيما في زمن الحروب والازمات؟ والاهم هل ثمة انقسام سياسي حول الموضوع؟
على صعيد عدد من نواب المنطقة، لطالما شكل مطلب انعاش مرفأ جونيه السياحي مطلبا رئيسيا، فما هي الاليات عندهم لمواجهة هذه المسألة؟
بين ” التحرير” والمرفأين
قبل ايام، جدد عضو كتلة الكتائب النائب سليم الصايغ مطالبته “بتحرير مرفأ جونيه”، لاسيما في هذه المرحلة التي تلت انفجار مرفأ بيروت والاضرار الجسيمة والتوقف القسري الذي طال مرفأ العاصمة.
يعلق الصايغ لـ”النهار”: ” استغرب بروز كتاب الصيادين اليوم في الاعلام، علما انه قديم في تاريخه. انما صلب الموضوع اننا نتكلم عن مرفأين منفصلين، وبالتالي لا تضارب بينهما”.
ولكن، ماذا قصدت “بتحرير مرفأ جونيه”، يجيب: ” تحريره من المعاملات الوزارية والقيود، كي تبصر النور، وبالطبع، ليس تحريره من الصيادين. في الاساس، الموضوعان مختلفان”.
ويغمز من قناة احدى الجهات النيابية في المنطقة التي تعيد تحريك الموضوع، بين الحين والاخر، مؤكدا ان ” لا مساس بالشق البيئي او الزراعي، وكيف اصلا يمكن ذلك اذا كان المرفأن مختلفين”.
على خط التعاونية، فان الصيادين يضعون الكرة في ملعب وزير الاشغال، وهم ينطلقون من الهم المعيشي.
وجاء في الكتاب: ” ان المرفأ الذي انشىء في عهد الرئيس فؤاد شهاب هو مخصص اصلا للصيادين الذين يعملون من اجل تحصيل لقمة عيشهم. وبما ان السماح بادخال بواخر سياحية سيكون له اثرا سلبيا على حركة مراكب الصيادين دخولا وخروجا، وسيعطل بشكل من الاشكال نشاطهم، نطلب التريث وعدم الموافقة على ادخال بواخر سياحية على مرفأ جونيه الزراعي”.
هم يرفضون ادخال همهم وتهديد لقمة عيشهم في زواريب السياسة، ويضعون المسألة عند وزارة الاشغال.
في كتابهم يشرحون ان ” التعاونية حريصة اولا على حماية حقوق الصيادين والحفاظ على عيشهم الكريم خوفا من الضرر الذي سيلحق بهم”.
ويؤكدون ان “الظروف التي نعيشها اكثر من صعبة، بعدما انهار الاقتصاد اللبناني وبات تحصيل لقمة عيشهم صعبة ومؤلمة لهم ولعوائلهم”.
واللافت ان الجهتين يبررون ان لا دواع سياسية وراء مطلبهم، فلا النواب يريدون “تحرير” المرفأ انطلاقا من تحقيق مكسب سياسي لاحد، “بل لحاجة انمائية تزداد اهميتها مع الوقت”، ولا الصيادين يرفعون الصوت ارضاء لاي طرف سياسي، “بل حفاظا على مصدر عيشهم”.
انما تبدو قراءة الطرفين غير متناقضة، لان المرفأين منفصلان. اذ للتدقيق اكثر، فان المرفأ الزراعي انشىء على عهد شهاب. وهذا ما يطالب الصيادون بالحفاظ عليه، وهذا ما ورد حرفيا في كتابهم. فيما قصة انشاء مرفأ السياحي في جونية تعود فعليا الى عام 2008، وهذا ما يطالب عدد من النواب باحيائه و”تحريره من القيود الوزارية”. انطلقت فكرة انشاء هذا المرفأ من مبدأ الإنماء المتوازن بين المحافظات. وبعد الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت، والاضرار الجسيمة، المادية والمعنوية، التي تسبّب بها، عاد الى الواجهة مطلب تفعيل مرفأ جونية، لاسيما ان مرفأ بيروت، كغيره من المرافئ، لم يتطور كفاية، ليقضي الانفجار على ما تبقّى منه!
وتحديدا، قبل 16 عاما، صدر القرار حمل الرقم 179 وهو تعلق بإنشاء المرفأ السياحي عن مجلس الوزراء، بناءً على كتاب رفعه وزير الأشغال العامّة والنقل آنذاك محمد الصفدي، واستنادًا إلى مراجعة قدّمها نائبا القضاء في حينه نعمة الله أبي نصر وفريد الخازن.
آنذاك، رُصد له مبلغ 35 مليون دولار أميركي ككلفة إنجازه، ثم رُفع المبلغ إلى 47 مليون دولار، ووُضع الملف بيد مديريّة النقل البري والبحري في وزارة الأشغال.
ومذذاك، تجمّد المشروع في الأدراج بسبب العائق المالي. والمفارقة ان هذا العائق تضاعف نتيجة الازمة المالية الأخيرة… فطار المشروع في مهب الريح! فهل “يتحرر” هذا المرفأ بالفعل. والاهم بعيدا عن “التعمية الاعلامية”…