لا حل لأزمة الكهرباء من دون الطاقة المتجددة
بقلم العميد المتقاعد الدكتور غازي محمود
يُراوح قطاع الطاقة الكهربائية ومسألة تأمين التغذية بشكلٍ مستدام في مربع الازمات، بعدما اصطدمت الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء التي أقرتها حكومة تصريف الاعمال في آذار من العام 2022، بتضارب أولويات اطراف السلطة ومصالحهم. لا بل غدت أزمة الكهرباء احد تجليات أزمة لبنان المالية والاقتصادية بعد أن كانت سبباً من الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة، في وقت كان يأمل اللبنانيون أن يكون وضع أزمة الكهرباء على طريق الحل فاتحة لحل باقي الأزمات التي يتخبط فيها البلد.
وتجدر الإشارة الى أن تطوير قطاع الطاقة الكهربائية سبق وواجه العديد من العثرات ومحاولات التعطيل منذ اطلاق مشاريع إعادة تأهيله بعد ان حطت الحرب اللبنانية رحالها في مطلع التسعينيات. وتحول قطاع الطاقة الكهربائية من مرفق استراتيجي بما يُوفره من فائض مالي للدولة وطاقة تشغيلية لكافة القطاعات الاقتصادية، الى ساحةٍ لتصفية الحسابات السياسية والسجالات العقيمة بين أطراف السلطة. وكأنه لا يكفي هذا القطاع ما لحقه من اضرار وخسائر بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، والتي طاولته بشكلٍ مباشر بالتزامن مع اعمال إعادة التأهيل وبعدها.
وكان من المستهجن أن يعود التهديد بتوقف التغذية مجدداً، بعد أقل من ثلاث سنوات على البدء بتنفيذ خطة النهوض وللسبب عينه الذي أدى الى توقفها في أيلول من العام 2021. الامر الذي يدعو الى التساؤل عن الأسباب التي تحول دون احتفاظ مؤسسة كهرباء لبنان بمخزونٍ احتياطي والعمل على استدراك حاجة معامل الإنتاج قبل نفاذه من ناحية، وضرورة ترشيد إدارة المخزون من خلال التحكم بعدد ساعات التغذية لإطالة مدة الإنتاج والحؤول دون توقفه من ناحية ثانية.
وبينما تُرجع مؤسسة كهرباء لبنان أسباب تَجدُّد أزمة الكهرباء الى امتناع مصرف لبنان عن تحويل الأموال المتوفرة في حسابها من الليرة إلى الدولار، لتسديد مستحقات الحكومة العراقية. يُعيد مصرف لبنان الأسباب الى كون رصيد المؤسسة في المصرف لا يكفي لتغطية المبلغ الذي تطلبه، وأنه ما من نص قانوني يسمح لوزارة الطاقة بالاستدانة من مصرف لبنان لإجراء التحويلات المالية المطلوبة. إلا أن ما يعني المستهلك هو حصوله على الكهرباء، أما الإجراءات والتدابير فهي من مسؤولية الحكومة.
وتأتي الازمة الأخيرة لتؤكد على وجوب اعتماد مقاربات جديدة في معالجة أزمة الكهرباء، لا تقتصر على توفير التمويل الكافي لشراء حاجة معامل الإنتاج من الفيول. خاصةً وأن وزارة الطاقة والمياه كانت لا تزال مهجوسة بإقامة معامل حرارية حتى شباط من العام الماضي، حين طرح الوزير إقامة ثلاثة معامل جديدة منها في الوقت الذي يعجز عن تأمين الفيول لتشغيل المعامل القائمة. والمقاربة المطلوبة اليوم لا بد أن تعتمد على الطاقة البديلة لإخراج ملف الكهرباء من مربع الأزمة، وتحقيق تغذية منتظمة حتى لا نقول مستدامة.
وما تشهده أسعار الالواح الشمسية ومستلزماتها من انخفاض كبير، لا بد من أن يُشكل حافزاً للقيمين على ملف الكهرباء على التوجه الى الاستفادة من الطاقة الشمسية في أي خطة مستقبلية. مع العلم أن الكثير من اللبنانيين لم ينتظروا انخفاض الأسعار لإقامة وحدات إنتاج خاصة بهم، حتى قارب حجم الكهرباء التي يتم انتاجها حالياً من محطات الطاقة الشمسية الـ 1500 ميغاواط.
كما أن كلفة إنتاج الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية هي في انخفاض ملحوظ منذ العقد الماضي، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) في العام 2020، حيث سجلت تراجعاً بلغت نسبته85 % في الفترة ما بين 2010 و2020. أما أسعار البطاريات، الضرورية لتحقيق التوازن في التيار المنتج من الطاقة الشمسية، فقد عرفت بدورها انخفاضاً مماثلاً بين عامي 2008 و2020.
وثمة توقعات تُشير الى استمرار انخفاض كلفة إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 60% في الفترة من 2024 إلى 2050. ما يجعل من الطاقة الشمسية ووحدات تخزينها الخيار الأنسب لإنتاج الكهرباء بحلول العام 2030، ويجعل كلفة الاستثمار فيها أقل بنسبة 50% بالمقارنة مع كلفة بناء معمل من نفس الحجم يعمل على الفحم الحجري. وكانت الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، قد أكدت في تقرير لها في العام 2022، أن الطاقة المتجددة ستحل محل الفحم الحجري كأكبر مصدر لإنتاج الكهرباء بحلول العام 2025.
وتتميز محطات الطاقة الشمسية بقصر الفترة اللازمة لبنائها، بحيث لا تتجاوز السنة الواحدة مقابل ثلاث سنوات لبناء محطات الطاقة من الرياح على سبيل المثال. الامر الذي يسمح للمستثمرين في محطات الطاقة الشمسية المباشرة باستعادة بعضٍ من تكاليفهم، في الوقت الذي تكون المحطات الأخرى من الطاقة البديلة لا تزال قيد الانشاء. ولعل هذا ما يُفسر استعجال الشركات اللبنانية الاحدى عشر على الحصول على تراخيص لإقامة محطات طاقة شمسية بقدرة لا تتجاوز الـ 10 ميغاواط لكلٍ منها.
والقول بالاعتماد على الطاقة الشمسية في المقاربة الجديدة لا يُسقط ضرورة أن تشمل المقاربة الجديدة كل مصادر الطاقة المتجددة الأخرى التي يتمتع بها لبنان لا سيما منها طاقة الرياح والنفايات العضوية بما تختزنه من طاقة. سيما وأن النفايات لا تزال تُشكل بدورها ازمة مستعصية على الحل، ما يجعل من إنتاج الكهرباء من معالجة النفايات حلاً لأزمتي النفايات والكهرباء المزمنتان في الوقت عينه.
في المقابل، وعلى الرغم من أهمية تشجيع وزارة الطاقة والمياه الاستثمارات في الطاقة البديلة عامةً والطاقة الشمسية خاصةً، إلا أن عليها أن تمنع في الوقت عينه محاولات احتكار محطات الطاقة الشمسية من قبل الشركات المحلية منها والأجنبية. ذلك أن المخاوف من احتكار الشركات الأجنبية يتزايد بعد الاهتمام الذي ابدته كل من شركة CMA CGM وتحالف شركتي TotalEnergies وQatar Energy، وما يُحكى عن استحواذهم على أكثر من رخصة من الرخص الإحدى عشر.
ويجب ألا يقتصر دور القيمين على ملف الطاقة في لبنان على منج التراخيص والتشجيع على اعتماد الطاقة الشمسية والاستثمار فيها، بل لا بد من أن تعمل على إقامة محطات للطاقة الشمسية الى جانب المعامل الحرارية والكهرومائية. وإذا كان من حلول مستدامة لأزمة الكهرباء فلن تكون متاحة أو ممكنة من دون الاستعانة بالطاقة البديلة لا سيما منها الطاقة الشمسية، لا بل يجب أن تكون الدولة شريك أساسي في هذه الحلول.
١٧/٧/٢٠٢٤