شركات الاستثمار بلا رؤية لتنمية سوق رأس المال
بعد أن قادت المشهد لسنوات طويلة، تراجع دور شركات الاستثمار بشكل حاد، وتخلى الكثير منها عن دوره الأساسي الذي يتناسق مع مسمى القطاع، وباتت بلا رؤية لتنمية سوق رأس المال، حيث لم يعد مستغرباً أن تشهد شركة استثمار تملك شركات غذائية «تبيع بهارات»، دون أن يكون لديها أي منتج مالي واحد، أو مبادرة من شأنها تطوير السوق المالي. هذا المشهد يلخّص حال البورصة، ويختزل التراجعات المستمرة منذ فترة لحالة السيولة وتذبذبها، وبات يفتقد المبادرين والمبادرات الاستثمارية، التي تمثل عامل الجذب الأول للسيولة والمستثمرين. وغابت الكثير من المشاهد الحية التي كانت سائدة لسنوات مثل: 1- الاستحواذات، وذلك لأسباب كثيرة منها خمول القطاع نفسه، وبعضها ما يتعلق بشروطها وتعقيداتها التي تحتاج إلى مرونة وليونة أكثر ومراجعات، وبعضها يتعلق بغياب المنتج الجيد، وأخرى تتعلق بملاك شركات نفسها بعضها يتفق ثم ينكص باتفاقه، خشية اكتشاف بعض الملفات والأوراق نتيجة الممارسات غير السوية، وفي السوق شواهد، حيث فضل ملاك تصفية شركات على بيعها لمستثمرين آخرين، وتم خفض رؤوس أموال بأكثر من 90 في المئة لشركات أخرى، وهي عمليات أشبه بالتصفية. 2- تغيب عن السوق الاكتتابات التي كانت تمثل شريانا رئيسيا لتدفق السيولة وتدوير رأس المال الراكد في ودائع بلا فائدة واحدة تذكر للاقتصاد. 3- غابت الإدراجات النوعية التي كانت رافداً أساسياً للسوق بأدوات جديدة ومستثمرين جدد، وقيمة رأسمالية قوية بسبب ضعف شركات الاستثمار في بناء استثمارات تابعة وزميلة، وتأهيلها للإدراج أو السعي لجذب شركات عائلية محلية وإقليمية. 4- غاب عن السوق «بزنس» الهيكلة والتأهيل وصناعة الفرص الجيدة، وتهذيب الأصول، وإنجاح المتعثر منها، وإحياء الفرص الخاملة. 5- تراجع حاد للمبادرات التي كان يقودها قطاع الاستثمار في مجالات شتى وأدوات متعددة، حيث كانت تتنافس شركات الاستثمار في السابق على طرح المنتجات الإبداعية. 6- غابت الأفكار الخلاقة للصناديق الاستثمارية، وبدأ المؤشر التراجع العكسي في تصفية صناديق، وتخلي أخرى عن نشاطها الأساسي، رغم وجود أموال عامة فيها مثل صندوق «فرصة» الذي أنشئ للأوبشن، وصندوق «وعد» الذي أنشئ للأجل، فلم يعد في البورصة أجل أو بيوع أو «أوبشن» رغم تقدم العالم الآن. 7- تراجعت بشكل حاد الخدمات الاستشارية، لاسيما في القطاع المالي، وترتيب الفرص والتمويل، وتقديم حلول للمشاكل التي تعانيها الشركات الأخرى. 8- انخفضت مبادرات طرح الصكوك والسندات والأدوات المالية ذات العوائد المضمونة والثابتة. 9- فشل أداة صانع السوق أمام أعين الجميع دون سعي لإعادة النظر في تطوير التجربة قبل أن تموت «إكلينيكيا» بسبب تقليد الآخرين، وكثرة التعقيدات، وبحث كل الأطراف عن ربح وفقدان الأثر والهوية الكويتية الخاصة. 10- شُح إدارة زيادات رأس المال للفرص الجيدة، ما يعكس حالة الإفلاس على مستويات عديدة، وكذلك صناعة الفرص وتسويقها على العملاء. الوساطة والاستثمار مصادر مالية مراقبة تتساءل: لماذا شركات الاستثمار وشركاتها التابعة الممثلة في قطاع الوساطة لا تبادر بتقديم منتجات بالتعاون بينهما وتطرح للسوق المالي في جو تنافسي؟ ولماذا الركود وغياب المبادرات بين الشركات؟ وفي سياق متصل، يقول مصدر رداً على سؤال لـ «الجريدة» إن الشركات بحاجة إلى حماية من الجهات الرقابية من التعدي على حقوقها في العمولات التي تطلبها جهات أخرى بشكل مبالغ فيه، على أن يكون حق تحديد العمولات للأطراف المساندة من حق شركة الاستثمار وشركة الوساطة التي تطرح المنتج أو المبادرة لا بالوضع المقلوب شركات تبادر وتستثمر في أنظمة تقنية وتكنولوجية، وجهات أخرى «تلتهم» النصيب الأكبر من الإيرادات والعملات بلا مخاطر. هيئة الاستثمار في واقع آخر يدل على تقييم الجهات الحكومية الرسمية للقطاع المالي، يمكن الإشارة إلى أن قاعدة اعتراف الهيئة العامة للاستثمار بشركات القطاع الاستثماري لا تتعدى 6 شركات في أفضل الأحوال، في حين باقي القطاع خارج المشهد، فلا تعاون ولا مساهمات معهم، ولا نصيب لهم من المحفظة الوطنية أو صناديق، وهو ما يعكس واقع القطاع المتراجع، الذي باتت تهرب منه شركات بالتخلي عن أنشطتها الرئيسية التي تمثل عصب القطاع المالي. تبقى الإشارة إلى أن هذا المشهد يحمل مخاطر على صعيد السيولة الأجنبية، لذلك يحتاج إلى تدارك الأمر قبل أن تهرب هي الأخرى وتهجر السوق.
جريدة الجريدة الكويت:محمد الاتربي