مطار القليعات بوابة إنماء الشمال
في خضم التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان، تبرز الحاجة الملحّة إلى إطلاق مشاريع حيوية قادرة على تحريك عجلة الإنتاج وخلق فرص العمل. ويأتي تشغيل مطار الرئيس رينيه معوّض في القليعات – عكار في طليعة هذه المشاريع التي بات من الضروري الإسراع في تنفيذها، نظراً لما يشكّله هذا المرفق من ركيزة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد الوطني عموماً، واقتصاد طرابلس والشمال خصوصاً.
فهذا المطار، الذي يملك كل المواصفات الفنية ليكون مطارًا رديفًا لمطار بيروت، لم يعد مجرّد مشروع إنمائي مؤجَّل، بل تحوّل إلى مطلب شعبي ووطني، بعدما تبين حجم الدور الذي يمكن أن يؤديه في فكّ العزلة الجغرافية عن الشمال اللبناني، وجذب الاستثمارات، وتنشيط القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات.
طرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان، تعاني منذ عقود من التهميش المتراكم، رغم ما تختزنه من قدرات بشرية ومقومات اقتصادية وموقع جغرافي فريد. وتشغيل مطار القليعات من شأنه أن يعزز موقع المدينة كمركز لوجستي وتجاري أساسي على الحوض الشرقي للمتوسط، إلى جانب المرفأ والمنطقة الاقتصادية الخاصة، ما يفتح المجال أمام مشاريع استثمارية كبرى ويخلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
إلى جانب الأثر الإنمائي، فإن للمطار أهمية أمنية واستراتيجية أيضاً، كونه يوفّر منفذًا جوياً إضافياً في ظل الضغط على مطار بيروت، ويؤمّن خدمات الطيران للطوارئ والكوارث الطبيعية، فضلاً عن إمكانية استخدامه في نقل البضائع والمسافرين بين الشمال اللبناني والدول المجاورة.
لقد تفاءل أهل طرابلس والشمال بوضع ملف تشغيل مطار القليعات على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، ولكنهم سرعان ما تلاشت موجة التفاؤل، بعدما تقرر متابعة درس هذا الملف الحيوي في جلسات لاحقة، التي قد تمتد لأشهر أخرى، هذا إذا لم تعد غبار الإهمال أو الخلافات تغطي ملف هذا المشروع الحيوي.
الواقع إن كل تأخير في تشغيل هذا المطار يُعدّ إضاعة لفرصة إنقاذية للشمال ولبنان بأسره. المطلوب اليوم إرادة سياسية واضحة، وإجراءات إدارية سريعة، وتعاون بين القطاعين العام والخاص، لتحويل مطار القليعات من أمنية مزمنة حبراً على ورق، إلى مشروع منتج وفاعل، يضع حجر الأساس لنمو متوازن وعدالة إنمائية طال انتظارها.