القطاع العام: 320 الف موظف و20 الف موقع شاغر

 

فيما يحاصر عدد جيش الموظفين في القطاع العام، ومعهم العسكريون والمتقاعدون، المالية العامة، ويستنزف غالبية موارد موازناتها، واحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، تعلو مطالبات مستغربة بالتوظيف وإدخال موارد بشرية إضافية إلى القطاع العام، بحجة تنامي الشغور ونقص الموظفين، علماً بأن الوزارات والإدارات تعجّ بعشرات ألوف الموظفين والمتعاقدين الذين “حشتهم” القوى والفاعليات السياسية، في مختلف مؤسسات الدولة، قبل عام 2019، بالرغم من وجود المادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب رقم 46 الصادر في 21 آب 2017.

وقدرت دراسة للجنة المال أن نحو 33 ألف موظف، يعملون في دوائر الدولة، تحت مسميات مستنبطة مختلفة. والمعروف أن هذه الوظائف ابتدعها “الفساد” السياسي لإرضاء المحاسيب والأزلام، وقوى الأمر الانتخابي، ومعظم هؤلاء لا يستوفون الشروط القانونية، وبعضهم ربما يداوم عند “الزعيم” لا في مكان عمله. وتقدَّر رواتب هؤلاء ومخصصاتهم، وكلفة تشغيلهم، بنحو 17% من مجموع فاتورة الرواتب والأجور، يضاف إليها ما يقرب من “صفر” مردود وإنتاج، بفعل الحمايات السياسية التي يحوزونها.

توازياً، يسود الاستغراب حيال بقاء الخدمات الإدارية للدولة خارج العصر، وتخلفها عن استخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة مؤسساتها من جهة، وإبقاء مواطنيها رهينة البيروقراطية المكتبية، فيما تتحول معظم الدول وخدماتها، إلى دول سيبرانية، لا يحتاج فيها المواطن إلا بنسَب قليلة جداً، للحضور إلى الدوائر الرسمية، لإنجاز معاملاته القانونية، أو تسديد ضرائبه.

فحلول الآلة مكان غالبية الموظفين، لتأمين جودة الخدمات وسرعتها للمواطنين، ليس بالضرورة إقصاءً للموظفين الحاليين، وإضافة عاطلين جدد من العمل، بل السعي إلى تحقيق ذلك في أسرع ما يمكن، هو ضرورة اقتصادية واجتماعية وإدارية ومالية، للاقتصاد الوطني، وخطوة طموحة في مسيرة بناء دولة حديثة، تواكب تقدم وتطور مواطنيها، والقطاعات المالية والاقتصادية الخاصة.

كنعان: لتكليف شركة دولية

يبلغ عدد موظفي القطاع العام (بمن فيهم العسكريون وموظفو الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمتقاعدون) أكثر من 320 ألف موظف يتقاضون شهرياً نحو 145 مليون دولار “فريش”. ويتوزع هؤلاء كالآتي: 120 ألفاً في الأسلاك العسكرية والأمنية، 11 ألف موظف في الوزارات والإدارات العامة (باستثناء وزارة التربية)، 65 ألفاً في وزارة التربية ومنهم أكثر من 40 ألف متعاقد، 20 ألف موظف في المؤسسات العامة والبلديات مثل الكهرباء والمياه والنقل والمشروع الأخضر والليطاني والتبغ وغيرها، 125 ألف متقاعد غالبيتهم من العسكريين.

رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان أكد لـ”النهار” أنه “لا يمكن تحديد عدد الوظائف الشاغرة ونوعها قبل إعادة هيكلة القطاع العام المطلوب تنفيذه منذ 2017 عندما أقر قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي اشترط وقف التوظيف إلى حين إعادة هيكلة القطاع من خلال تكليف شركة دولية خلال فترة 6 أشهر خصوصاً في ظل اضمحلال وظائف وبروز وظائف أخرى بحكم المكننة والتطور، إذ تنص المادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب القانون رقم 46 تاريخ 21 آب (2017) على الآتي: تُمنع جميع حالات التوظيف والتعاقد بما فيها القطاع التعليمي والعسكري بمختلف مستوياته واختصاصاته وفي المشاريع المشتركة مع المنظمات الدولية المختلفة إلا بقرار من مجلس الوزراء بناءً على تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه. على الحكومة إنجاز مسح شامل يبيّن ملاكات الوظائف الملحوظة والوظائف التي تحتاج إليها الإدارة للقيام بالمهام الموكلة إليها، وتحديد أعداد الموظفين والمتعاقدين والعاملين فيها بأيّ صفة كانت، وتحديد الحاجات والفائض والكلفة الحالية والمستقبلية للموارد البشرية بما في ذلك كلفة إنهاء الخدمة بما يتيح تقدير النفقات المتوسطة الأجل واقتراح الإجراءات الملائمة لتقليص وضبط وإرشاد كتلة الإنفاق على الرواتب والأجور وملحقاتها. على الجهات المكلفة من مجلس الوزراء من القطاعين العام والخاص إنجاز المهمة في مهلة لا تتجاوز ستة أشهر وإنجاز التوصيف الوظيفي في إطار هيكلة الإدارة وتطويرها وتقديم تقرير إلى مجلس الوزراء لإقراره مع نسخة توجه إلى مجلس النواب”.

وفيما لم يُصَر إلى تكليف أي شركة وبقي الوضع على حاله، أعادت لجنة المال إدراج المادة التي تلزم الحكومة إعادة هيكلة القطاع العام في موازنة عام 2016. وأشار إلى أن لبنان حصل في عام 2017 على قرض طويل الأمد ومدعوم بـ100 مليون دولار من البنك الدولي لإجراء مكننة للإدارة العامة، ولكنه وُضع في الأدراج، لأنه لا مصلحة لأي من الطوائف والزعماء السياسيين بإجراء المكننة في مرافق الدولة خصوصاً أنها تسهم بخفض بنسبة 50% من الوظائف الوهمية، بما سيحد من نفوذهم السياسي والسلطوي.

وذكّر كنعان بالأرقام الصادرة عن لجنة المال والموازنة، بناءً على التقرير الموحد للتفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، الذي أشار الى أن عدد الذين وُظفوا بعد 21 آب 2017، تاريخ صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب 5473، بينهم 460 فقط وُظّفوا وفقاً للأصول بتسميات وظيفية تنطبق على التوصيف الوظيفي، ما يعني أن 5013 منهم وُظّفوا بتسميات مختلفة غير قانونية: شراء خدمات، مياوم، متعاقد على مهمة، عامل بالفاتورة، مستعان بِه.

وأشار في السياق الى أن لجنة المال حوّلت في عام 2010 إلى ديوان المحاسبة ملفاً يتعلق بإنفاق نحو 27 مليار دولار غير معروف وجهة صرفها، وحتى الآن لا يزال الملفّ من دون بت.

ويأمل كنعان “تحقيق إصلاحات بنيوية فعلية جاهزة ضمن ملفات لجنة المال والموازنة في العهد الجديد خاصة إن كان فرصة استثنائية في ظلّ غطاء عربي ودولي لإعادة تكوين وإدارة الدولة ومؤسساتها على أسس قانونية سليمة وشفافية على الصعيدين المالي والاقتصادي”.

Leave A Reply

Your email address will not be published.