خطة مزدوجة تنقذ لبنان من الظلام

في وطنٍ يلتهمه العجز ويخنقه الفشل، تبرز أزمة الطاقة كخنجر مسموم في خاصرة لبنان المنهك. لقد بات لبنان، الذي كان يوماً رمز النور والعلم، غارقاً في ظلامٍ يمتد من بيوت المواطنين حتى دهاليز قراراته السياسية المشلولة. وتحوّل البلد بين انقطاعٍ يومي للكهرباء ومولدات ملوّثة تستهلك ما تبقى من أرواح الناس وجيوبهم، وأسعار طاقة تتسابق مع جنون الأزمات، إلى رهينة بيد منظومة طاقوية فاشلة تُدار بقرارات عمياء تدفعه نحو هاوية الفوضى.

وبينما يسير العالم بخطى واثقة نحو مستقبل مستدام، يتخبط لبنان في مكانه، مكبلًا بسوء الإدارة والانهيار المالي الذي يخنق أي أمل في النهوض. فهل يمكن للبنان أن يضيء ظلامه عبر الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة؟ أم أن عتمة السياسة ستبقيه حبيس دائرة الانهيار؟

رؤية الإنقاذ: الغاز والطاقة المتجددة

في هذا الواقع الكارثي، تأتي الخبيرة في مجال النفط والغاز، لوري هايتايان، برؤية استراتيجية جريئة قد تشكل طوق النجاة للبنان. ولا تقدم هايتايان وعوداً فارغة ولا أحلاماً وردية، بل خطة مزدوجة تقوم على الانتقال إلى الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي للطاقة، بالتوازي مع إدماج مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس والرياح، في المنظومة الوطنية.

وتشدد هايتايان لـ “نداء الوطن” على أن لبنان، بحكم حجمه الصغير وموارده المحدودة، ليس مؤهلاً ليصبح لاعباً عالمياً في مجال الطاقة البديلة. لكنها تؤكد أن هذا لا يعني الاستسلام للواقع المظلم. وتقول: “لا يمكن أن يصبح لبنان مركزاً عالمياً للطاقة البديلة، فحجم احتياجات العالم كبير جداً. لكن لبنان يجب أن يكون جزءاً من الحل العالمي، خصوصاً في إنتاج الكهرباء. إن الغاز الذي نستخدمه اليوم ملوّث وخطير. والحل الأفضل، هو إنشاء محطات كهرباء تعمل بالغاز، قادرة على استيعاب الطاقة النظيفة المنتجة من الشمس والرياح. هذه هي الرؤية التي يجب أن يحملها أي وزير طاقة في لبنان. إن الانتقال إلى الغاز والطاقة المتجددة هو طريقنا الوحيد”.

مشاريع توقفت عند العتبة

على أرض الواقع، يمتلك لبنان الإمكانات لتنفيذ مشاريع حيوية. لكن العوائق السياسية والاقتصادية تقف سداً منيعاً أمام كل خطوة. وكان يمكن لمشروع استجرار الغاز من مصر عبر محطات “دير عمار” أن يغيّر المعادلة، لكنه اصطدم بجدار الأزمات السياسية. وتوضح هايتايان: “في الفترة الماضية، كان الحديث عن استجرار الغاز من مصر إلى لبنان، تحديداً إلى محطات دير عمار. كانت الخطة جيدة وقابلة للتنفيذ، لكن السياسة في لبنان أفشلتها”.

وفي مجال الطاقة المتجددة، كان مشروع طاقة الرياح في عكار على وشك الانطلاق عام 2019. وتمّ منح 11 رخصة لشركات خاصة. لكن العوائق الاقتصادية والسياسية دفنت المشروع في مهده. وتضيف هايتايان: “هذا المشروع كان يمكن أن يكون بارقة أمل، لكنه تحطّم على صخرة الانهيار المصرفي وغياب أي خطة إصلاح حقيقية من دون استقرار سياسي وجذب استثمارات، لن ترى هذه المشاريع النور”.

تحديات الاستثمارات: حلم في مهب الريح

اليوم، تواجه الحكومة اللبنانية معضلة جذب الاستثمارات وسط انهيار الثقة في النظام المصرفي، وتآكل الاقتصاد. ورغم اهتمام شركات كبرى مثل “توتال” بالطاقة المتجددة في لبنان، فإن غياب الإصلاحات واستمرار الفوضى السياسية يجعلان جذب هذه الاستثمارات شبه مستحيل. وتخلص هايتايان إلى القول: “ليست المشاريع الطاقوية مجرد طموحات تقنية، وإنما هي مرتبطة بالاستقرار. وإذا لم يتمكن لبنان من تقديم خطة إصلاح شاملة وشفافة، فإن هذه المشاريع ستبقى أحلاماً معلّقة في الهواء” .

هل من خلاص؟

يقف لبنان على حافة الهاوية. وليس الوقت في صالحه. وتتراكم الأزمات بوتيرة مرعبة. وبات الحل الوحيد لإنقاذ لبنان من ظلامه الطاقوي والاقتصادي هو إطلاق خطة متكاملة تعتمد على الغاز والطاقة المتجددة. لكن هذه الخطة لن تكون قابلة للتنفيذ من دون إصلاحات جذرية تعيد بناء الثقة بلبنان محلياً ودولياً.

أصبحت المسؤولية الآن بيد الطبقة الحاكمة. إما أن يتحركوا بشكل حاسم لكسر قيود الفساد والخلافات السياسية، وإما أن يتركوا البلاد تغرق أكثر في ظلامها. إن القرار مصيري، والتاريخ لن يرحم. لبنان يترنّح، وشعبه ينتظر من يملك الشجاعة لتحمل المسؤولية ووضع البلاد على طريق النهوض.

Leave A Reply

Your email address will not be published.