أيّ دور لمصارف لبنان في سوريا؟

ماذا سيحدث للمصارف اللبنانية الموجودة في سوريا؟ لم يُطرح السؤال بشكل جدي بعد، إلا أنه مهم بالنسبة إلى مستقبل المصارف داخل لبنان أيضاً. فالتغيير الكبير الذي حدث في سوريا، سينعكس مباشرة على شكل الاقتصاد مهما كان سلباً أو إيجاباً. وتغيّرٌ كهذا في هيكلية الاقتصاد السوري، سيرتّب نمطاً جديداً من عمل المصارف في سوريا ومن بينها المصارف السبعة الموجودة هناك، فإذا استفادت من التغييرات قد تنقل انتعاشها إلى القطاع المصرفي في لبنان. من المبكر الحديث عن شكل الاقتصاد السوري ودور القطاع المصرفي فيه، إلا أن بعض ملامح النموذج الجديد ظهرت في تصريحات المسؤولين الجدد في سوريا وفي حديث النخب الاقتصادية السورية بما يفيد بأن الاقتصاد السوري ذاهب إلى النموذج الليبرالي، والانفتاح الكامل على حرية حركة رأس المال التي تُعدّ أساساً في توسّع عمل القطاع المصرفي في الأسواق الرأسمالية.

وضع المصارف اللبنانية في سوريا

في عام 2001 صدر قانون إحداث المصارف الخاصة في سوريا، والذي سمح بتأسيس مصارف خاصة وأجنبية في البلاد. قبل ذلك، كان القطاع المصرفي السوري محصوراً بالمصارف العامة التابعة للدولة. ومنذ عام 2004 بدأت المصارف اللبنانية تؤسّس مصارف في سوريا، أي إنها حصلت على تراخيص فتح المصارف بما يعني أنها ليست فروعاً للمصارف اللبنانية هناك، بل هي مصارف جديدة سورية تخضع لقرارات الهيئات الناظمة السورية، بينما تتبع لقواعدها الأم في لبنان عند مقاربة سياساتها التجارية.
كان هناك 14 مصرفاً خاصاً في سوريا، 7 منها كانت مصارف تملك فيها المصارف اللبنانية حصّة، أي إن نصف القطاع المصرفي الخاص في سوريا كان لبنانياً. وهذا أساس يمكن التحدّث عنه في المستقبل عن دور القطاع المصرفي اللبناني في القطاع المصرفي السوري الذي سيحتاج إلى تغييرات كثيرة. لكن منذ بضع سنوات، خرج مصرفان لبنانيان من القطاع المصرفي السوري (يتردّد أن هذا الخروج كان شكلياً بهدف التخلّص من تبعات العلاقة المباشرة مع النظام السوري السابق)، وتبقّى في القطاع المصرفي السوري خمسة مصارف لبنانية. تملك هذه المصارف رأسمال بقيمة 337 مليون دولار، بحسب أرقام شهر حزيران 2024، بمجموع أصول يفوق المليار دولار. وفي هذه المصارف ودائع بقيمة 576 مليون دولار. وقد عانت المصارف ذات الحصص اللبنانية في سوريا من الأزمة السورية، وخصوصاً بعد عام 2011، وانهيار الليرة السورية وغيرها. يقول كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، إن المصارف اللبنانية أسهمت في توسيع الثقافة المصرفية في سوريا، وخصوصاً لجهة مؤشّر «الاختراق المصرفي»، الذي كان قبل عام 2005 «شبه معدوم». وبعد عام 2010، وخصوصاً بعد إدراج سوريا على اللائحة الرمادية، ثم عقوبات قيصر التي فُرضت على البلد في عام 2019، أصبحت أوضاع القطاع المصرفي في سوريا سيئة، لذا لم يكن هناك اهتمام كبير من المصارف اللبنانية بمصارفها في سوريا.

أيّ مستقبل؟

قد لا يكون المستقبل الاقتصادي في سوريا واضحاً بعد، وخصوصاً مع التحوّل المفاجئ الذي سيشهده النموذج الاقتصادي السوري، من اقتصاد مركزي موجّه إلى «اقتصاد حرّ» بالكامل. وحتى إذا كان لذلك نتائج سلبية على الاقتصاد السوري، أو الوضع الاجتماعي فيه، لا يعني هذا الأمر أن القطاع المصرفي سيكون وضعه سيّئ، بل على العكس قد يكون له دور محوري يسهم في تحسّن وضعه بشكل كبير.

يقول غبريل إن «لا تصوّر تفصيلي واضحاً لما سيحدث»، إلا أنه في كل الأحوال «على المصرف المركزي (السوري) أن يعمل على تطبيق المعايير لتحسين ظروف القطاع المصرفي». عملياً، النظام السابق، الذي كان يشهد حركة انفتاح بطيئة، سوف يُلغى، وبحسب غبريل «سيبنون دولة جديدة مع قوانين مصرفية وقوانين استثمار». ويكمل: «إن قوانين الاستثمار كانت موجودة أصلاً لكنها لم تكن تطبّق، وخصوصاً في السنوات الأخيرة عندما أصبح العمل الاقتصادي عبارة عن ابتزاز». فأي قطاع مصرفي سليم، بحسب غبريل، يحتاج إلى ثلاثة عوامل: «الاستقرار (النقدي والأمني والاجتماعي والاقتصادي)، إضافة إلى الثقة، وأخيراً الشفافية (وهي عبارة عن قوانين وإجراءات تضمن هذا الأمر)» وهذا ما يحتاجه القطاع المصرفي في سوريا اليوم.

وقد يطرح البعض أن إعادة الإعمار، إذا ما شهدت سوريا استقراراً ستكون من الأمور المحفّزة لعمل القطاع المصرفي. في هذا الإطار، يقول غبريل إن «الواقعية واجبة، سيحتاج الحكّام الجدد إلى استقطاب الأموال، ويجب أن يكون هناك رؤية واضحة، وهذا الأمر يحتاج إلى مليارات الدولارات من الدول (مثل تركيا أو قطر)، إضافة إلى البنك الدولي وصندوق النقد».
في الخلاصة، يعبّر غبريل عن «تفاؤل» لكن ليس هناك بعد «أي دلائل ملموسة تعزّز هذا التفاؤل». فالواقعية تفترض أن هناك إمكانات كبيرة في سوريا، فهي قاعدة صناعية، وفيها ثروة زراعية كبيرة، وفيها موارد طبيعية مثل النفط والغاز «لكن الآن هناك أولويات، والأمور تحتاج إلى وضوح أكبر».

32 مليون دولار
هو حجم ربح المصارف اللبنانية في سوريا في النصف الأول من عام 2024 أي بانخفاض كبير مقارنة مع أرباحها في النصف الأول من عام 2023 بقيمة 136 مليون دولار، علماً أن هذه الأرباح ناتجة من عمليات محاسبية بشكل أساسي وليس من عمليات تجارية

Leave A Reply

Your email address will not be published.