الحرب تُغيّر “أجندة” الاستيراد و “جغرافيا” الاستهلاك
غيّرت الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان أجندة الاستيراد حيث ارتفع استيراد المواد الغذائيّة بنسبة 20%، في حين تراجع استيراد الكماليّات بشكل دراماتيكي، وبالتالي فإنّ المواد الغذائيّة والمحروقات على حدّ سواء متوفّرة في الأسواق اللبنانيّة ولا خوف على هذا الأمر أبداً. وشَهِدت حركة استهلاك المواد الغذائيّة نوعاً من التوازن في العرض والطلب، إذْ لم يتراجع الطلب، بل تغيّرت جغرافيا الاستهلاك، وباتت تتركّز في المناطق المُحيّدة حتى الآن عن الويْلات المُباشرة للحرب.
يُطمئِن مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر إلى توفّر المواد الغذائيّة، مروراً بالدواء، وصولاً إلى المشتقّات النفطيّة”، إذ “طالما المعابر البحريّة، والبريّة والجويّة مفتوحة، ليست هناك مخاوف حول انقطاع أيّ سلعة في لبنان”.
ازدياد استيراد السّلع الأساسيّة
يكشف أبو حيدر لـ “نداء الوطن”، أنّ “مخزون المواد الغذائيّة يكفي ما بين ثلاثة وأربعة أشهر، وبالتالي المخزون ما زال على حاله. حتّى أنّ نسبة استيراد بعض السلع الأساسيّة ارتفعت بنسبة 20% كالمعلّبات والزيوت والحبوب. في المقابل، انخفضت نسبة استيراد بعض الكماليّات”. أمّا على مستوى الطحين، فيؤكّد أنّ “المخزون يكفي لحوالى ثلاثة أشهر”.
صعوبة تخزين المُشتقّات النفطيّة
بالنسبة إلى المشتقّات النفطيّة، يكشف أن “المخزون يكفي لما يُقارب الشهر من البنزين والمازوت، وما بيْن الشهر والنصف والشهرين من الغاز المنزلي”.
أمّا في ما يتعلّق بزيادة الدولة كميّة المشتقّات النفطيّة المستوردة تحسبّاً لما هو أسوأ، فيُشير إلى أنّ “المطلوب تخزينها وهذا أمر قد يُواجه بعض العقد. لكن، طالما المعابر مفتوحة ويتمّ التسليم يوميّاً ما من داعٍ لزيادة المخزون في مناطق غير آمنة وفيها خطر. وهذا الموضوع يُفترض أن يكون في ملعب لجنة الطوارئ، على أمل عدم الوصول إلى أيّ مشكلة”.
وفي حال اشتداد الأزمة والاتّجاه نحو حصار، يشرح أبو حيدر أنّ “لجنة الطوارئ برئاسة وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين وضعت خطّة للتعامل مع أيّ أزمة من هذا النوع”.
3 إجراءات لـ “الاقتصاد”
على مستوى وزارة الاقتصاد، يُعدّد أبو حيدر سلسلة من الإجراءات الأساسية التي يُنفّذها فريق العمل، أوّلها “العمل على تخليص وإدخال كل البضائع الموجودة في المرفأ، ومن بينها المواد الأوّليّة للصناعات المحليّة لتفادي انقطاع المصانع من أيّ سلعة، ولكي تكون مُجهّزة للتصنيع بوتيرة أسرع. ثانياً، تمكّنت الوزارة من توزيع المواد الغذائيّة الموجودة في المستودعات على العديد من الأقضية في مسعى لتغطية حاجات كل نقاط البيع التي يوجد فيها نازحون، وبالتالي، في حال حصول أيّ مشاكل في المواصلات أثّرت في سلسلة الإمداد، فإنّنا لن نشهد نقصاً في المواد الغذائية. ثالثاً، من خلال مكننة عمل مديريّة حماية المستهلك تمكّنّا من السماح بتقديم الطلبات المتعلّقة بالخدمات الأساسيّة أونلاين والحصول على الموافقات السريعة”.
ويلفت إلى أنّه “لم يتمّ فقدان أيّ سلعة من السوق حتى اليوم، ولم تشهد الأفران ولا محطات المحروقات أي ازدحام لأننا ننهي كل الموافقات بسرعة، بغضّ النظر عن المكان الذي يوجد فيه موظف الوزارة”.
ويُوضح أبو حيدر أنّ “وزارة الاقتصاد حضّرت خطّة شبه كاملة، إضافةً إلى أنّ لجنة الطوارئ أعطت أولويّات للمستشفيات، والدفاع المدني، والأفران، ونقاط البيْع في توزيع المشتقّات النفطية وكلّها أمور تدرس مع الوزارات المعنيّة في اللجنة”.
“واقع متّزن”
من جهته، يتحدّث رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة هاني بحصلي عن وضع العرض والطلب على المواد الغذائية، كاشفاً لـ “نداء الوطن”، أنّ “الطلب أصبح شبه معدوم في المناطق التي تتعرَّض للقصف، لكن في المُقابل ارتفع في تلك البعيدة من دائرة الخطر. هذا الواقع حقّق اتزّاناً، فبقي العرض على حاله. كذلك، لم يزدد الطلب كثيراً إلى درجة لم يَعد فيها العرض كافياً، وهنا أيضاً تنطبق النظريّة نفسها بحيث هناك فئة من المُقيمين ارتفع الطلب لديها مقابل أخرى انخفض، ما يجعل المجموع على صعيد لبنان في حالة استقرار كون العرض والطلب لم يتأثّرا بشكلٍ ملحوظ يدعو للخوف”.
لا مشكلة في توافر المواد
ويُطمئِن بحصلي أيضاً، إلى أنّه “حتى اللحظة لا يزال العرض يفوق الطلب، وحاليّاً ما من مشكلة في التموين ولا في توافر المواد الغذائيّة التي من المُستبعد أن تنقطع طالما أنّ العمل في مرفأ بيروت مُستمرّ، وطالما أن البلد لا يُواجه حصاراً بحريّاً”.
وفي ظلّ لجوء بعض اللبنانيين إلى التموين وتخزين البضائع في منازلهم خوْفاً من انقطاعها، يُعلّق بحصلي لافتاً إلى أنّ “الاستهلاك اليومي من المواد الغذائية لا يقتصر على تلك التي يُمكن تخزينها مثل المعلّبات والحبوب وغيرها. أمّا المنتجات التي تستهلك يوميّاً مثل الخبز، والألبان والأجبان، والخضار والفاكهة فلا يُمكن تموينها”، داعياً المواطنين إلى “عدم الخوف والتموين أكثر من الحاجة، خصوصاً أنّ بعض المُنتجات ستُتلف ما لم تُستهلك ضمن فترة زمنيّة مُعيّنة مثل الأرز والمعكرونة. كذلك، التموين فوق الحاجة يتسبّب في حرمان فئات كثيرة من المواطنين من الحصول على حاجاتهم الغذائيّة، خصوصاً أنّ تطمينات التجّار عن وجود كميّات كافية من البضائع مبنيّة على إحصاءات الاستهلاك الطبيعي وليس المُفرط من قبل البعض”.
لا موجب لرفع الأسعار
أمّا بالنسبة إلى رفع أسعار المواد الغذائيّة، فلا يرى بحصلي “مُوجباً لرفعها أكثر من الغلاء الطبيعي الناتج عن ارتفاع تكاليف الشحن والتخليص واللوجستيّات والتي هي ضمن إطار محدود جدّاً. في طبيعة الحال العرض لا يزال يفوق الطلب وما من موجب لتغيير الأسعار التي عادةً ما ترتفع عندما يتراجع العرض إذا اتخذنا أساسيّات الاقتصاد كمرجع، لا سيّما في زمن الحرب”، ويختم حديثه، “حتى الساعة يُسلّم المستوردون البضائع بالأسعار نفسها من دون رفعها، ومن المُمكن أن يكون بعض التّجار رفعوا أسعارهم في مناطق ما، لكن لا أرى عاملاً مُسبّباً لذلك”.