هل هناك حاجة إلى قانون لاسترداد الودائع أم يكفي قرار حكومي؟

 

قد يكون الكلام عن استرداد الودائع ضرباً من الخيال في ظل المماطلة التي تعيق استصدار قرارات واضحة، وخاصة للمودعين. فالحاجة إلى طمأنة المودعين من أهم الأولويات، سيّما في ظل التخبّط الحكومي والنيابي، ليقتنع من خسروا جنى أعمارهم أنها قيد المعالجة، أو على الأقل وضع خطة توصلهم إلى برّ الأمان ولو بعد سنين. فطفرة القوانين التي تتناول مسألة الودائع تبدو للوهلة الأولى وكأنها لمصلحة المودعين، في حين أنها تهدف إلى تعزيز حظوظ المصارف عند التداعي أمام القضاء. ولكن، ماذا عمّا ورد في قانون النقد والتسليف لجهة إعادة انتظام مالية مصرف لبنان لجهة تكوين الاحتياطي، وهل يكون هذا الاحتياطي الخاص بمصرف لبنان هو المدخل إلى إعادة الودائع وإنصاف أصحابها عملاً بنص المادة 113 من قانون النقد والتسليف؟يعلم القاصي والداني أنّ حركة ميزان المدفوعات تؤثر في حركة العملات الأجنبية في لبنان، سيّما أن لبنان يعاني من عجز تجاري. لكن اللافت أن ميزان المدفوعات سجل تغيّر صافي الموجودات الخارجية للقطاع المالي بحيث شكّل فائضاً بمقدار 2,2 مليار دولار في عام 2023، مقارنةً بعجز مقداره 3,2 مليارات دولار في عام 2022، في حين أن الفائض في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024 بلغ 786 مليون دولار.

قد يبرر بعض الاقتصاديين هذا الفائض عن المدة الممتدة بين شباط 2023 ونهاية السنة بأنه ناتج عن اعتماد سعر الصرف البالغ 15 ألف ليرة بدل 1507.5 ليرة، ما يؤدي إلى تقليص التزامات المصارف تجاه المودعين غير المقيمين بالليرة اللبنانية. ولكن إن كان صحيحاً ما يورده مصرف لبنان على صعيد انعكاس هذا الأمر إيجابيّاً على موجودات المصرف المركزي واحتياطاته، فقد تكون سكة الحلول قد بدأت تتبلور معالمها انطلاقاً من التحسّن الذي تشهده مالية المصرف المركزي وحصة الدولة فيه، ولا سيّما حين يتناول الأمر الربح الصافي لمصرف لبنان.

ولكن، ما هو الربح الصافي لمصرف لبنان؟

يتألف الربح الصافي من فائض الواردات على النفقات العامة والأعباء والاستهلاكات وسائر المؤونات. وعند احتساب هذا الربح يقيّد نصفه (50%) في حساب في المصرف المركزي يدعى «الاحتياط العام»، ويدفع 50% منه إلى الخزينة. وعندما يبلغ الاحتياط العام نصف رأسمال المصرف، يوزع الربح الصافي بنسبة 20% للاحتياط العام و80% للخزينة. أما إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، فتغطى الخسارة من الاحتياط العام. وعند عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته، تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة. وإذا أصبح رصيد حساب «الاحتياط العام» من جراء اقتطاع مبلغ بموجب الفقرة السابقة أقل من نصف رأس المال، يجري توزيع الربح الصافي مجدداً بنسبة 50% لهذا الحساب و50% للخزينة، إلى أن يبلغ الحساب مجدداً نصف رأس المال، وذلك وفقاً لما تنص عليه المادة 113 من قانون النقد والتسليف.

فالفروق بين ما يوازي موجودات المصرف من ذهب وعملات أجنبية بالسعر القانوني وبين السعر الفعلي لشراء أو بيع هذه الموجودات تقيّد في حساب خاص باسم الخزينة وليس باسم المصرف المركزي. كما أن الارباح أو الخسائر في موجودات المصرف من ذهب وعملات أجنبية، والناتجة من تعديل سعر الليرة اللبنانية القانوني أو سعر إحدى العملات الأجنبية، تقيّد أيضاً في الحساب نفسه وفقاً للمادة 115 من قانون النقد والتسليف.

فهل يمكن للمصرف المركزي والدولة معاً ضمان ردّ أموال المودعين من هذه الفوائض حال تكوينها، أم أن سنوات تطول ستحول دون ذلك؟ وماذا عن أرباح المصرف المركزي من أصوله العقارية والمالية؟ وهل يحقق المصرف المركزي أرباحاً من هذه الأصول؟

تحصيل مصرف لبنان

على صعيد إدارة أصوله العقارية والمالية، شهد مصرف لبنان العمليات الآتية في عام 2023 في إطار العقارات تحقيق إيرادات مجموعها ما يوازي / 11,014,137,077 / ليرة من عقارات مصرف لبنان المؤجرة. أما في إطار المساهمات والمشاركات فقد قام مصرف لبنان بالعمليات الآتية:

– تحصیل 17,974,929 دولاراً من توزيع أنصبة أرباح من شركة ميدكلير ش.م.ل.

– تحصيل 54,575,949 دولاراً من توزيع أنصبة أرباح من شركة طيران الشرق الأوسط ش.م.ل.

– تحصيل 357,500 دولار من توزيع أنصبة أرباح من الشركة العربية للاستثمار.

وفي إطار التسليفات الممنوحة للقطاع المصرفي بموجب قانونَي تسهيل اندماج المصارف وإصلاح الوضع المصرفي، قام مصرف لبنان بما يأتي:

– تحصيل 4,352,783 دولاراً من بنك بيبلوس ش.م.ل. نتيجة تحصيلات من ديون بنك فرعون وشيحا المغطاة بقروض ميسرة.

– تحصيل ما يوازي 202,500 دولار و1,580,629,000 ليرة من فرنسبنك ش.م.ل. نتيجة تحصيلات من ديون بنك المتّحد للسعودية ولبنان المغطاة بقروض ميسرة.

– ترصيد قرض بنك بيبلوس ش.م. ل. البالغ 106 مليارات ليرة عند استحقاقه.

– ترصيد قرض بنك الموارد ش.م.ل. البالغ 300 مليار ليرة.

16.518 مليار دولار تسليفات للقطاع العام

تتضمن التسليفات للقطاع العام تسهيلات لوزارة المالية استناداً إلى المادتين 85 و97 من قانون النقد والتسليف. ووفقاً لتقرير مصرف لبنان الرسمي، قام مصرف لبنان منذ نهاية عام 2007 بتسديد مدفوعات عن الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية من احتياطاته وذلك ريثما تقوم الدولة بسداد هذه المبالغ بالعملة الأجنبية لاحقاً. لقاء هذه المدفوعات، تم تخصيص قيمة موازية بالليرة اللبنانية بمنزلة ضمانة نقدية وفقاً لمعدل صرف مقداره 1507.5 ليرة للدولار.

قانون النقد والتسليف يشكل إطاراً تضمن فيه الدولة ردّ المصارف أموال المودعين من دون أن تكون هي المسؤولة عن عملية الاسترداد

وبعد اعتماد معدل صرف 15 ألف ليرة بدلاً من 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد بتاريخ 1/2/2023، أصبح الرصيد التراكمي الصافي للمبالغ المسدّدة عن الدولة بالعملات الأجنبية يفوق قيمة الضمانة النقدية، فنتج من ذلك «صافي مدين» لمصلحة مصرف لبنان، ما استوجب إظهار ما يوازي بالليرة اللبنانية رصيد المدفوعات الصافي التراكمي والبالغ 16.518 مليار دولار ضمن بند تسليفات للقطاع العام، وتعدّ من الموجودات وفقاً للمصرف المركزي.

السؤال الأساسي والمركزي الذي يقتضي الإجابة عنه قبل البحث في هوية الجهة التي ستعيد أموال المودعين هو حول مدى جدية الحاجة إلى قوانين تشريعية، أو أن قانون النقد والتسليف يشكل إطاراً تقوم فيه الدولة بضمان رد المصارف أموال المودعين من دون أن تكون هي المسؤولة عن عملية الاسترداد وإنما الضامنة لهذه العملية، وأن يكون مصرف لبنان وسيطاً نزيهاً بين كل من المودعين والمصارف، اعتماداً على صلاحياته المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف واعتماداً على إمكاناته المادية وحصة الدولة من الأرباح أو من الاحتياطي المشار إليه في هذا المقال، ولا سيما لجهة ما ورد حول المادة 113 من قانون النقد والتسليف.

Leave A Reply

Your email address will not be published.