تحديات تواجه الطاقة المتجددة في لبنان

بقلم العميد المتقاعد الدكتور غازي محمود
تُشكل الطاقة على اختلاف مصادرها العمود الفقري للاقتصادات الحديثة، لما توفره من إمكانية إقامة الاستثماراتٍ الجديدة والتوسع بالأعمال القائمة وإطلاق الابتكارات الخلاقة. وتُساهم الطاقة على اختلاف استخداماتها في خلق المزيد من فرص العمل الامر الذي يساعد في زيادة النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. ما يجعل من توافر الطاقة شرطاً لتطور الحياة البشرية وتقدمها، ويتطلب استدامتها وتوافرها من مصادر نظيفة ومتجددة حمايةً للبيئة والحد من مخاطر التغير المناخي.
وقد أثبت استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة في إنتاج الكهرباء نجاحه في العديد من الدول، حيث ازدادت حصة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة وتوسعت من الطاقة المائية لتشمل حركة الرياح، واشعة الشمس، والطاقة الحيوية، وغيرها. وقد ساهم في هذا التوسع ما تحقق من تقدم تكنولوجي في صناعة الخلايا الكهروضوئية (Photovoltaic)، وكذلك هو حال تكنولوجيا طاقة الرياح أو تلك المستخدمة في معالجة الكتلة الحيوية. وقد عرفت هذه التقنيات تقدماً ملحوظاً وخاصةً في العقدين الأخيرين ما اعطى انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة زخماً كبيراً.
وأظهر تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة يتميز بفعالية عالية من حيث التكلفة ومن حيث مُساهمته في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة وزيادة الوظائف. وينبغي بحسب التقرير، أن يتم إنتاج %90 من كهرباء العالم من الطاقة المتجددة بحلول العام 2050، سيما وأن مصادر هذه الطاقة متوافرة في جميع البلدان. وقد أشارت دراسة أميركية إلى أنه بحلول العام 2029 ستكون الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الاميركية هي الأرخص في العالم.
في المقابل، تواجه الطاقة المتجددة العديد من التحديات التي تعترض الاستفادة منها وتجعل الاستثمار فيها عملية طويلة ومعقدة، سيما وأن لكل مصدر منها مميزاته وشروط تطويره واستخدامه. حيث يتعذر إنشاء المعامل الكهرومائية إلا على مجاري الأنهر وعند مساقط المياه الشاهقة الارتفاع، وكذلك بالنسبة لمزارع طاقة الرياح التي يجب إنشائها في مناطق تكون سرعة الرياح فيها مرتفعة. والطاقة الشمسية ليست اقل تطلباً لحاجتها الى مساحات كبيرة وبعيدة عن الظلال واسبابها.
وتجدر الإشارة الى أن اللجوء الى الطاقة المتجددة لم يكن سببه الوحيد مخاطر نضوب المصادر التقليدية، بل على العكس شكل الهاجس البيئي ومخاطر التغير المناخي بما يُسببه الوقود الاحفوري (من فحم ونفط وغاز) من انبعاثات ملوثة حافزاً إضافياً لهذا اللجوء. وقد أُضيفت الطاقة المتجددة الى مزيج الطاقة المستخدمة، أي أنها لم تُشكل مصدراً مستقلاً عن باقي المصادر التقليدية. وكان الهدف من التحول الى المصادر المتجددة رفع درجة أمن الطاقة الذي يوفره تنوع مصادرها، والحد من الاعتماد على الوقود الاحفوري ومواجهة التقلبات غير المتوقعة في أسعاره.
أما لجوء اللبنانيين الى الطاقة المتجددة فجاء نتيجة انخفاض إنتاج الكهرباء من معامل مؤسسة كهرباء لبنان بصورة دراماتيكية، وصولاً الى توقفه التام في نيسان من العام 2022 قبل معاودة الإنتاج. ولم يكن ما تحقق من استثمار في الطاقة الشمسية تنفيذاً لتعهد القيمين على قطاع الطاقة بأن تبلغ حصة الطاقة النظيفة والمتجددة %12 من مجموع الطاقة المنتجة في العام 2020، وعلى أن تبلغ %30 في العام 2030، لا بل إن أي من هذه التعهدات لم يتم الإيفاء بها من قبل الحكومة.
وعلى الرغم من أن حجم انتاج الكهرباء في لبنان من المصادر المتجددة ولا سيما الطاقة الشمسية، بلغ مجموعه حتى اليوم ما يُقارب الـ 1500 ميغاواط، إلا أن معظمه تم بمبادرات فردية وفي غياب أي دور فعلي للدولة اللبنانية ومؤسساتها. ويتوزع هذا الإنتاج على وحدات صغيرة ومتفرقة لا تتعدى قدرة الواحدة منها الـ 10000 واط، ونسبة ضئيلة منه فقط يتم إنتاجها من خلال محطات لصالح إما مؤسسات صناعية، أو خدماتية، او لصالح مشاريع إنمائية في البلدات والقرى اللبنانية مثل مضخات مياه الشفة وموزعات الهاتف الأرضي وغيرها.
وتحول المستهلكين من أفراد ومؤسسات نحو إقامة وحدات لإنتاج حاجتهم من الكهرباء، تم بمواصفات ومعايير متفاوتة لا تتطابق في معظمها مع المواصفات والمعايير المحددة من مؤسسة كهرباء لبنان. وعدم التطابق هذا يجعل نسبة ضئيلة من هذه الوحدات الفردية قابلة للربط بالشبكة العامة للكهرباء، مع العلم أن لا جدوى من الربط ما لم تحقق هذه المحطات فائض في انتاج الكهرباء. وحتى يصح اعتبار ما يتم إنتاجه من كهرباء بواسطة وحدات الطاقة الشمسية الخاصة قدرات وطنية مُضافة، لا بد من خطة وطنية لدمج هذه الوحدات في الاطار الوطني لإنتاج الكهرباء.
وفي لبنان، يواجه الاستثمار في الطاقة المتجددة ولا سيما الشمسية منها، تحديات متعددة لا بد من مواجهتها لتفعيل إنتاج الكهرباء من هذه المصادر ورفع إنتاجيتها وتعميم الاستفادة منها. وتتوزع التحديات بين ما هو مرتبط بخصوصية الطاقة المتجددة بحد ذاتها، وتلك التي تحكم علاقة الطاقة المتجددة بالطاقة التقليدية. ويمكن ايجاز أبرز التحديات التي تتعلق بالطاقة التقليدية بما يلي:
– ضمان استقرار الشبكة العامة ومنع انهيارها يتطلب أن تتوافر على هذه الشبكة قدرة لا تقل عن 800 ميغاواط (في ظل التقنين وتوقف المركز الوطني للتحكم (NCC) بعد انفجار المرفأ).
– يتطلب ربط وحدات الطاقة المنتجة للكهرباء بالشبكة العامة، توفر الكهرباء على هذه الشبكة على مدار الساعة (24/24).
– يُرتب هذا الربط تكاليف مالية عالية نظراً لما يحتاجه من تجهيزات تقنية لضمان شروط الامان والسلامة العامة.
– ويتطلب الربط أيضاً الإسراع في إعادة تأهيل المركز الوطني للتحكم بالشبكة الكهربائية لتحقيق النتائج المرجوة منه.
– لا بد من أن تتزامن أي زيادة محتملة لتحميل شبكة الكهرباء العامة، مع تطوير شبكة النقل والتوزيع لا سيما منها خطوط التوتر المتوسط والمنخفض.
– ضرورة تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الطاقة التي يعود لها حصراً مسؤوليات محددة في القانون 462/2002 والقانون 318/2023، كمؤشر لامتثال المسؤولين عن القطاع للقوانين المرعية.
أما التحديات المرتبطة بخصوصية الطاقة المتجددة على اختلاف مصادرها فتشمل ما يلي:
– مصادر الطاقة المتجددة متقطعة وغير مستقرة، وشديدة التأثر بالعوامل الطبيعة وتقلب الفصول.
– يتطلب انتاج الكهرباء من حركة الرياح، إقامة مزارع الرياح في اماكن لا تقل سرعة الرياح فيها عن 65 متر في الثانية.
– تحتاج وحدات الطاقة الشمسية المنتجة للكهرباء لمساحات شاسعة في مناطق يشتد سطوع اشعة الشمس فيها.
– ضرورة تخزين الفائض من مصادر الطاقة المتجددة المختلفة لاستخدامه عند تباطؤ المصادر المتجددة مما يتسبب برفع كلفة الاستثمار الاولي فيها.
– اعتماد التكامل بين مشاريع الطاقة المتجددة على اختلاف مصادرها، لتخزين الفائض منها وخاصة في الطاقة المائية وإن كانت عملية معقدة ومكلفة.
– غياب التمويل المحلي يهدد مشاريع الطاقة المتجددة باحتكارها من قبل الشركات الأجنبية (CMA CGM, TotalEnergies, Qatar For Energy)، خاصةً التراخيص الـ 11 الـتي اقرتها حكومة تصريف الاعمال في أيار/ مايو 2022.
ولعل التحدي الأهم الذي يواجهه الاستثمار في الطاقة المتجددة، هو تعطل الدولة وتلاشي دورها وسلطتها في ظل الفراغ في سُدة رئاسة الجمهورية وحكومة يقتصر دورها على تصريف الاعمال. ذلك أن حل الازمة التي يتخبط فيها لبنان يحتاج الى أن تعود الدولة بإداراتها ومؤسساتها الى القيام بمسؤولياتها في تشخيص المشاكل واقتراح الحلول والاشراف على تنفيذها من ضمن رؤية وطنية شاملة.
إن حل أزمة الكهرباء على المستوى الوطني، يتطلب تكامل جهود الدولة ومؤسساتها مع المبادرات الفردية بحيث تُصبح الكهرباء متاحة امام جميع اللبنانيين لا المقتدرين منهم وحسب. ومن غير الجائز الانتظار حتى يستتب الوضع لإعداد الدراسات واعتماد الخطط لمعالجة الازمات وخاصة ازمة الكهرباء. إن التأخر في اللحاق بركب التطور المتسارع من حولنا سيزيد من كلفة معالجة الازمات ويجعلها أكثر صعوبة.
١٩/٦/٢٠٢٤

Leave A Reply

Your email address will not be published.