هل جذور أزمتنا الاقتصادية دينية؟

 

اقتصاد الأديان ظهر مع Iannaccone (1989)، “فالأديان تتحكم بموارد المجتمعات ولها سلطة على الأفراد وعقولهم، ولهذا الامر عواقب اقتصادية”. لذلك، يأمل بعض الاقتصاديين في فهم الرابط بين الاديان والاقتصاد وتحويله الى سياسات اجتماعية تساهم في تحفيز النمو في الاسواق. LYER (2016) يتحدث عن تأثر الاقتصاد الأميركي بالبروتستانتية في القرن التاسع عشر. يتحدث عن “رأسمال روحي يطبع السلوك البشري من بوابة الثقافة”. فتطوّر الأسواق يُفهم من خلال تطوّر القيم والثقافة والنظم المؤسسية للمجتمعات ايضا. البيئة الثقافية تطبع الاسواق وتطوّرها بشكل مواز يعدل القيم والأديان. الأديان تؤثر على الطلب في السوق، تطبع أذواق المستهلكين وكميات الاستهلاك. آدم سميث كان اول من عالج الموضوع. وHume درس كيفية رعاية الدولة لدين واحد وعلاقة هذا الدين بالسياسة والاضطرابات المدنية. يسعى الاقتصاديون الى فهم “كيفية استهلاك المجتمعات للمنتج الديني وطبيعته” وقدرات المنظمات الدينية على إدارة مرافقها.

العلاقة بين البروتستانتية والرأسمالية عالجها ويبير(1904). “فالتنمية الاقتصادية ترتبط بالتحرر الديني والأخلاق البروتستانتية التي تعتبر الانتخابات والنجاح في الأعمال التجارية وسائل للخلاص”. مبادئ شكّلت “روح الرأسمالية”، على ألّا يتفلت التفاعل بين الإيمان والعمل من الاخلاق. البروتستانت يؤمنون بانّ الخلاص بالعمل وليس بالنسك. هذا أدى الى صعود الرأسمالية، لكن تطوّر الأسواق قوّض البروتستانتية.

Stark et al.(1996) سلّطا الضوء على العلمانية والتعددية والنمو الاقتصادي واعتبرا انّ الكثير من الأسئلة تنتظر الاجابات. Seabright (2016) درس مدى تناقض الدين مع النمو ونجاح الأنشطة الاقتصادية. التنوع في لبنان صنع هويته، والمؤسسات التربوية التي اوجدها البروتستانت والكاثوليك بدايةً أعطت البلد ميزاته التفاضلية. بنى الموارنة دولة ليبرالية سقطت. الخوف اليوم من انغماس الطوائف في سياسات تنتج فسادا وفشل أسواق وتسطير عقيدة دينية للخيارات الاستراتيجية.

يتوجب التركيز على التعارض بين الدين والطمع وسوء توزيع الثروات، وتزاوجه من التنمية. فبحسب ويبير(1904) يعزز الدين الثقة الاجتماعية ويساعد على مواجهة الاضطرابات الاقتصادية. هو لبنة بناء المجتمعات وتحفيز السلوكيات الأكثر جدارة بالثقة، مما يضمن التبادل على أساس وعود بمكافآت مستقبلية غير منظورة. الأديان تراقب السلوك وتعاقب على انتهاك الأعراف بواسطة الأرواح غير المرئية. تعاقب على الغش فتحفّز التصرفات الجديرة بالثقة. الايمان بالله يؤدي الى ضبط السلوك، لكن حذارِ من ان تُغرق الاسواق زعماء الطوائف فيمسون من اسباب فشلها. حذارِ من تعزيز الفساد جراء حماية القبيلة!

ثمة ضرورة لفهمٍ أكثر لتأثيرات الطوائف على نظمنا واقتصاداتنا. هل الطوائف مسؤولة عن تعثر اقتصادنا ام انها ضحية الاستغلال؟ كيف تتفاعل مع النظام فتعدله وكيف يعدلها، وهل يشكل نظام التسوية ما بين هويات وانماط لا تلتقي البيئة المؤسسية الداعمة للنمو والمؤسسات الفعّالة؟ اي نسخة للأديان نسعى اليها، وما الحدود بين الاديان والسياسة والاقتصاد؟

إضعاف الاديان سيؤدي الى تعطل الثقة وتفلت الاسواق من الضوابط وفشلها، وعدم رسم الحدود يؤدي الى تعطل السياسة والسوق والاديان التي تنتقل من واحات خلاص الى ساحات عذاب. ليست الازمة في الاديان بل في سوء فهم العلاقة بين “استهلاك المنتج الديني” والسلم من جهة، والنمو من جهة اخرى. اسرائيل تخسر رصيدها المعنوي نتيجة تحوّلها الى دولة يتحكم التطرف باقتصادها ومؤسساتها. لبنان يفقد معناه جراء التطرف. الحملة التي تطاول رئيس الحكومة رسالة غربية بمعانٍ. ثمة ضرورة لإعادة تسطير القواعد، فتتحرر السوق ويتحرر الحكم، ويحفظ الدين كضابط ورادع بما يضمن جودة الحياة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.