«النمو الأخضر» يتوج مسيرة اقتصاد الإمارات
أدركت الإمارات مبكراً أهمية اعتماد سياسات تنويع اقتصادي، تضمن استدامة النمو وثباته وتحصين الاقتصاد الوطني في مواجهة تقلبات دورات الاقتصاد العالمي، مع الحفاظ على الموارد اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والرؤى التنموية الطموحة التي تضعها الدولة للأجيال القادمة.
وفيما شهدت سنوات الاتحاد صعوداً قوياً لقطاعات اقتصادية غير نفطية، أبرزها العقارات والسياحة والطيران والخدمات المالية والنقل والصناعة، تواصل الدولة وفقاً لرؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة، مسيرتها التنموية وفق تصورات مستقبلية رائدة واستراتيجيات متكاملة ودائمة التطور والتحديث، من أبرزها إضافة إلى مقررات الأجندة الوطنية 2021، رؤية «نحن الإمارات 2031» و«مئوية الإمارات 2071»، ومشاريع الخمسين، فضلاً عن المبادرة الاستراتيجية الطموحة لدولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، والتي تأتي تتويجاً للجهود الإماراتية الهادفة إلى الإسهام بإيجابية في قضية التغير المناخي، والعمل على تحويل التحديات في هذا القطاع إلى فرص تضمن للأجيال القادمة مستقبلاً مشرقاً.
وتوفر المبادرة التي تهدف إلى المساهمة في تعزيز تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام مع تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغير المناخ، فرصاً جديدة للتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي، كما تسهم في ترسيخ مكانة الدولة وجهةً مثالية للعيش والعمل وإنشاء المجتمعات المزدهرة، وبناء اقتصاد المعرفة، والاستفادة من التكنولوجيا النظيفة لتحقيق التنمية المستدامة، وخلق مزيج متنوع من مصادر الطاقة.
مركز للتجارة والاستثمار
وشكلت تجربة الإمارات في المجال الاقتصادي منذ تأسيسها في عام 1971 وحتى اليوم نموذجاً قل نظيره على مستوى العالم، فقد استطاعت القيادة الرشيدة للدولة، وخلال فترة قياسية، أن تجعل من دولة الإمارات مركزاً إقليمياً للمال والأعمال ومحوراً عالمياً للتجارة والاستثمار والسياحة، وأن ترسخ من مكانتها في خريطة الاقتصاد العالمي، ونموذجاً في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
التجارة الخارجية
تمثل التجارة الخارجية غير النفطية إحدى الأولويات الاستراتيجية للحكومة، لتعزيز مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً، وذلك من خلال بناء اقتصاد متنوع تنافسي وقادر على تلبية الطلب المحلي، وكذلك تنمية الصادرات.
وترتكز تلك الاستراتيجية على أسس الانفتاح الاقتصادي، وتحرير التجارة، ما يعزز من أهمية دولة الإمارات كمركز متقدم على الخريطة التجارية العالمية.
مستويات تاريخية للتجارة
وفي مؤشر يؤكد نجاح خطط تنويع الاقتصاد الوطني وترسيخ النمو المستدام، تخطت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات، لأول مرة في تاريخها حاجز تريليوني درهم مسجلةً 2 تريليون و233 مليار درهم في عام 2022 بنمو نسبته 17% مقارنةً مع 2021. وحققت الصادرات الوطنية غير النفطية رقماً قياسياً في 2022 مسجلةً 366 مليار درهم لأول مرة في تاريخها، وبنمو بنسبة 6% مقارنة مع 2021، وبزيادة بنسبة 38% مقارنة مع 2020، و52% مقارنة مع 2019. كما سجلت الصادرات غير النفطية للدولة مع أكبر 10 شركاء تجاريين نمواً بنسبة 7%.
وبلغت نسبة مساهمة الصادرات الوطنية غير النفطية في إجمالي التجارة الخارجية للدولة 16.4%، وذلك على الرغم من النمو الكبير في كل من الواردات وعمليات إعادة التصدير.
وواصلت التجارة الخارجية غير النفطية للدولة تسجيل الأرقام القياسية، بعد أن بلغت رقماً جديداً غير مسبوق في النصف الأول من 2023، بتجاوزها تريليون و239 مليار درهم بنمو 14.4% مقارنة مع الفترة المثيلة من 2022، وبزيادة 3% مقارنة مع النصف الثاني من العام الماضي.
وتزامن النمو القياسي للتجارة الخارجية غير النفطية للدولة، مع زيادة مستمرة في قيمة الصادرات غير النفطية خلال النصف الأول من 2023، إذ تجاوزت 205 مليارات درهم بنمو 11.9% مقارنة مع النصف الأول من 2022، وبنمو 5.4% مقارنة مع النصف الثاني من 2022.
وتجاوزت الصادرات الإماراتية غير النفطية خلال النصف الأول من 2023 القيمة الإجمالية للصادرات المحققة في عام 2017 بأكمله، واقتربت من الرقم المسجل في عام 2018 البالغ 212 مليار درهم، أي بنسبة 97% من إجمالي الصادرات غير النفطية خلال هذا العام. كما واصلت مساهمة الصادرات غير النفطية في التجارة الخارجية للدولة مسارها الصاعد أيضاً مسجلةً 16.6% مقارنةً بحصتها المقدرة بنسبة 14.2% خلال الفترة ذاتها من 2019.
الاستثمار الأجنبي المباشر
وعلى صعيد استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، تمكنت الإمارات خلال مسيرة الاتحاد في أن تصبح الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية في المنطقة، وإحدى الوجهات الأكثر تفضيلية للمستثمرين في العالم، في وقت ترتكز فيه التوجهات المقبلة حول الارتقاء بمستوى جاهزية الدولة في الاستثمار الأجنبي المباشر، من خلال الاعتماد على 4 ركائز رئيسة تتمثل في الانفتاح الاقتصادي والثقافي، الرؤية الواضحة نحو الريادة والتنافسية، الموارد البشرية، إلى جانب الخبرة والنجاحات الإقليمية.
واستقطبت دولة الإمارات خلال العام الماضي مستوى قياساً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغ 23 مليار دولار، لتصعد إلى المركز السادس عشر كأكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم، والوجهة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وفقاً لتقرير «أونكتاد» الذي صنف دولة الإمارات العربية المتحدة رابع أكبر متلق لاستثمارات المشاريع الجديدة في العالم بإجمالي 997 مشروعاً، لتأتي بذلك بعد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والهند، مسجلة ارتفاعاً بمعدل 80% في المشاريع الجديدة مقارنة بالعام 2021، فيما عززت الدولة موقعها في صدارة الوجهات الجاذبة للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي بعد أن استقطبت 61% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر بالمنطقة في عام 2022.
الاقتصاد الجديد
ووفقاً لهذه الرؤية، فإن الاقتصاد الجديد بات يشكل ركيزة أساسية في التنويع وتحقيق معدل النمو المستهدف سنوياً بحدود 7% لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وذلك لقدرة قطاعات الاقتصاد الجديد على التوسع السريع في خلق الوظائف وفرص العمل والنمو، وهذا ما برز عملياً خلال جائحة كوفيد-19، عندما لعب الاقتصاد الرقمي الذي يشكل أحد قطاعات الاقتصاد الجديد، دوراً رئيساً في قيادة النمو، وكذلك التوجه بشكل أسرع نحو الاقتصاد الدائري الذي تمتلك به دولة الإمارات مقومات كبيرة، تؤهلها لأن تصبح مركزاً عالمياً لهذا الاقتصاد.
رؤية نحن الإمارات 2031
واليوم يسير اقتصاد دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفات «رؤية نحن الإمارات 2031» التي وضعت وفقاً لتوجيهات القيادة الرشيدة، الاقتصاد في قلب محاورها الأربعة الرئيسة، بأن تصبح دولة الإمارات المركز العالمي للاقتصاد الجديد، وذلك من خلال تحقيق عدد من المؤشرات الوطنية بحلول عام 2031، من بينها مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 تريليونات درهم، وزيادة صادرات الدولة غير النفطية إلى 800 مليار درهم، ورفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم، ورفع قيمة التجارة الخارجية الإماراتية إلى 4 تريليونات درهم، بالإضافة إلى حصول الدولة على المركز الأول عالمياً في تطوير التشريعات الاستباقية للقطاعات الاقتصادية الجديدة.
مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري
أولت الدولة اهتماماً كبيراً بتطوير منظومة متكاملة للاقتصاد الدائري، من خلال إطلاق السياسات والمبادرات والاستراتيجيات الوطنية الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة في الدولة، حيث جاءت توجيهات القيادة الرشيدة بإنشاء مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري، والذي انبثقت منه سياسات الاقتصاد الدائري، كأول مجلس يجمع القطاع الخاص والشركات الكبرى المرتبطة، والتي تم اعتمادها من مجلس الوزراء، لتشكل محطة مهمة ورئيسة لتسريع وتيرة الدولة نحو نموذج اقتصادي دائري.
ووضع المجلس 22 سياسة للاقتصاد الدائري ضمن أربعة قطاعات رئيسة تشمل التصنيع والغذاء والبنية التحتية والنقل، بما يعزز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للاقتصاد الدائري، تم الانتهاء من تطبيق اثنين منها وجارٍ العمل على بقية السياسات مع دراسة إضافة سياسات أخرى.
ازدهار السياحة والسفر
يلعب قطاع السياحة والسفر منذ أكثر من ثلاثة عقود دوراً رئيساً كأحد الروافد المهمة للاقتصاد الوطني، حيث استطاعت دولة الإمارات، بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة، قطع أشواط واسعة في تطوير وتنمية هذا القطاع، باعتباره مساهماً رئيساً في التنويع الاقتصادي المستدام للاقتصاد الوطني للخمسين عاماً المقبلة، فالسياحة اليوم تشكل ما بين 13 إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل قطاع الطيران كذلك ما بين 14 و15%، الأمر الذي يعني مساهمة إجمالية تقدر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي من السياحة والسفر، ما يعكس أهمية هذا القطاع الذي يوفر أيضاً نحو 700.000 وظيفة في دولة الإمارات.
الدولة سبَّاقة عالمياً في الاقتصاد الرقمي
تسير حكومة دولة الإمارات بخطى ثابتة نحو تأسيس اقتصاد رقمي قوي، والاستفادة من المزايا الكبيرة التي تنتج عن عملية التحول الرقمي في الدولة، إذ تعتبر حكومة دولة الإمارات سبَّاقة عالمياً في مجال الاقتصاد الرقمي الذي تتمثل أهميته ودوره المحوري بقدرته على توفير وظائف وفرص عمل جديدة، وزيادة الفرص الاقتصادية والاستثمارية، ومساهمته الكبيرة في تعزيز التنوع الاقتصادي ورفد مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة، بما يسهم في الارتقاء بمكانة دولة الإمارات الرائدة في مؤشرات التنافسية العالمية كافة.
تهدف الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي إلى مضاعفة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 9.7% (2022) إلى 19.4% خلال العشر سنوات القادمة، وأن تصبح الدولة مركز الاقتصاد الرقمي الأكثر ازدهاراً في المنطقة وعلى مستوى العالم.
وتضم الاستراتيجية أكثر من 30 مبادرة ومشروعاً وبرنامجاً تؤثر على 6 قطاعات أساسية، و5 مجالات نمو جديدة. وسيتم من خلالها توحيد تعريف الاقتصاد الرقمي على مستوى الدولة، ووضع آلية موحدة لقياسه، وتحديد وقياس المؤشرات بشكل دوري. كما سيتم تحديد الأولويات الاستراتيجية للاقتصاد الرقمي في الدولة بهدف أن تعمل جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى على تعزيز ودعم أولويات الاقتصاد الرقمي.
تطوير أنظمة الاقتصاد الأخضر
رسّخت الإمارات مكانتها العالمية، علامةً بارزةً في تطوير الأنظمة والاستراتيجيات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، فيما باتت محوراً دولياً في دعم الجهود المبذولة للتصدي للتغيرات المناخية، وتطوير نماذج واقعية للحد من آثارها الاقتصادية.
وتشكل «الأجندة الوطنية الخضراء – 2030» خطة طويلة الأجل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لتحقيق أبرز المنافع المتوقعة عند التحول إلى الاقتصاد الأخضر، حيث تتكون «الأجندة» من خمسة أهداف استراتيجية، هي: الاقتصاد المعرفي التنافسي والتطوير الاجتماعي ونوعية الحياة والبيئة المستدامة وقيمة الموارد الطبيعية والطاقة النظيفة والتكيف مع التغير المناخي والحياة الخضراء والاستخدام المستدام للموارد.
وتعمل «الأجندة الوطنية الخضراء» بحلول 2030 على تنفيذ ومتابعة المبادرات والمشاريع لتحقيق أبرز المنافع المتوقعة عند التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وهي: رفع الناتج الإجمالي المحلي بنسبة بين 4% إلى 5%، وخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة إلى أقل من 100 كيلوواط/ساعة.
السياحة المستدامة
في حين تعد الإمارات اليوم وجهة مهمة على خريطة العالم السياحية، وأحد أبرز محاور السفر الرئيسة في العالم، وأيضاً وجهة لأبرز الأحداث والمؤتمرات العالمية الضخمة، والتي كان آخرها «إكسبو 2020 دبي» الذي جذب أنظار العالم، واستضافتها حالياً مؤتمر «كوب 28»، والمؤتمر الوزاري الـ 13 لمنظمة التجارة العالمية فبراير 2024، واستقبالها لأكثر من 25 مليون سائح في العام الماضي.
النمو الأخضر الأداة الرئيسة للتنمية
يعتبر النمو الأخضر الأداة الرئيسة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها قمة الأمم المتحدة في سبتمبر2015 عندما تم إطلاق أجندة 2030 للتنمية المستدامة، إذ نص كل من الهدف السابع والثامن من الأهداف ال17 التي تم إعلانها على التوالي «ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوق بها والمستدامة»، وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، إلى جانب المستهدفات الفرعية لهذه الأهداف كتحسن الكفاءة في مجال الاستهلاك والإنتاج، والسعي إلى فصل النمو الاقتصادي عن التدهور البيئي. وبصفة عامة، فإن النمو الأخضر هو مصطلح لوصف مسار النمو الاقتصادي الذي يستخدم الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة، يتم استخدامه على الصعيد العالمي لتوفير مفهوم بديل للنمو الاقتصادي الصناعي النموذجي.
جريدة الاتحاد الامارات: مصطفى عبد العظيم