تمويلات القطاع النفطي أمام تحديات التشغيل والمشاريع
أعلنت مؤسسة البترول الكويتية، أخيراً، توقيعها اتفاقية قرض مشترك بقيمة 1.5 مليار دينار، موضحة، في بيان، أن هذه الاتفاقية تُمثّل أكبر قرض مشترك بالدينار على الإطلاق. وذكرت أن القرض مُقسّم إلى شريحتين رئيسيتين؛ شريحة تقليدية بقيمة 825 مليونا، وأخرى إسلامية بـ 675 مليونا. وتعمل المؤسسة على استراتيجية تهدف إلى زيادة إنتاجها النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2035، وقد بلغ إنتاج الكويت 2.55 مليون برميل يومياً في أكتوبر الماضي، وفقاً لتقرير «أوبك» عن سوق النفط لشهر نوفمبر. وفي تحقيق أجرته «الجريدة» عن ماهية تلك القروض وأثرها على القطاع النفطي مستقبلاً، أكد بعض الخبراء النفطيين أنه من الأفضل عدم لجوء مؤسسة البترول للاقتراض، لأن ذلك سيترتب عليه أعباء مالية ثقيلة، وفي حالة التأخر بالسداد تزداد هذه الأعباء، والمؤسسة قد لا تكون في حاجة إلى الاقتراض، فالدولة تستطيع تمويلها من دون أن تتحمل المؤسسة أعباء مالية تتمثل في تكاليف الاقتراض، وحتى لو كان التمويل من الدولة يترتب عليه تكاليف تمويل، فهذه التكاليف ستكون أقل بكثير من تكاليف الاقتراض من القطاع الخاص. وقال الخبراء إن القروض تشكّل، بلا شك، تحدياً أمام المؤسسة في المستقبل، من حيث إنها ستشكّل ضغطا على السيولة في المؤسسة. وأضافوا أن اتفاقيات التمويل يمكن أن تتضمن بنوداً تمنح الممولين مساحة للتدخل استناداً إلى دراسات الجدوى والضمانات، إلّا أن هذا الاحتمال يتراجع كثيراً ضمن نماذج الديون الحالية وأساليب إدارة الحقول الجديدة، لافتين الى أنه من المفترض أن شركات مؤسسة البترول تمتلك مراكز مالية قوية، وتكاليف إنتاج منخفضة، واستراتيجيات طويلة الأجل قادرة على امتصاص تقلّبات الأسعار. وأوضحوا أنه يُفترض أن تتجه المرحلة المقبلة نحو مشاريع ذات عوائد مرتفعة، وتقليص الإنفاق على المشاريع الأقل جدوى، خصوصاً تلك المرتبطة بالطاقة المتجددة، المكلفة، ذات الطابع الاستعراضي. وأكدوا أن القروض الحالية تشكّل تحدياً حقيقياً عند حلول آجال السداد، ففي 2025/2024 تراجعت الأرباح 1.4 مليار دينار (بانخفاض 6 بالمئة)، وهو مؤشر أداء تشغيلي لا يرقى للحد الأدنى من الطموح، مشيرين الى أنه مع تقلّب أسعار النفط، يبرز الضغط على المؤسسة لتقليص الصرف الرأسمالي وخفض الكلفة التشغيلية… وفيما يلي التفاصيل. بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، إن قرارات مؤسسة البترول الكويتية في مجال الاقتراض تعكس إطاراً تمويلياً واسعاً يرتبط بثلاث مجموعات رئيسية من المشروعات: أولاً: مشاريع التكرير الضخمة مثل مصفاة الزور ومشروع الوقود البيئي. ثانياً: برامج تطوير الحقول النفطية والغازية التقليدية وغير التقليدية. ثالثاً: مشروعات البنية التحتية، إضافة إلى الالتزامات التشغيلية القصيرة الأجل. وأضاف بهبهاني: تُقدَّر المتطلبات التمويلية لهذه الحزم مجتمعة بنحو 22 – 25 مليار دينار خلال العام الحالي، وهي تمثّل إجمالي المطلوبات داخل الكويت، مع الإشارة إلى أن جزءاً منها لا يُعدّ ديناً مباشراً، وإنما التزاماً مالياً أو تشغيلياً.
وتابع: «أما المشاريع الخارجية للمؤسسة، ورغم عدم إدراجها ضمن الديون المحلية الرسمية، فإنها تظل مؤثرة على هيكل الالتزامات الكلي، نظراً لاعتمادها على قروض وشراكات دولية»، لافتاً إلى أن تلك المشاريع تشمل استثمارات مصفاة نغي سون في فيتنام، ومصفاة الدقم في سلطنة عمان، إضافة إلى أصول تكرير وبتروكيماويات في أوروبا وآسيا. وأوضح أنه ترتب على بعض هذه المشاريع -خصوصاً مصفاة فيتنام – ارتفاع في تكاليف الفائدة وتسجيل خسائر تشغيلية قاربت مليار دولار، مما زاد العبء التمويلي على المؤسسة، مضيفا أن التقرير المالي لعام 2025 يشير إلى أن إجمالي المطلوبات يبلغ نحو 25 مليار دينار، منها 10 مليارات–13 ملياراً التزامات طويلة الأجل، بينما قد تصل المطلوبات القصيرة الأجل إلى حوالي 12 ملياراً، ويجب التمييز هنا بين الديون المباشرة والالتزامات الأخرى، مثل المخصصات والضرائب والنفقات التشغيلية. وأفاد بأن المؤسسة اعتمدت في خططها التمويلية على مزيج من السندات الدولية والقروض البنكية والتمويلات المشتركة، إضافة إلى التزامات غير مباشرة ذات تكلفة مرتفعة، مثل صفقة خطوط الأنابيب البالغة 7 مليارات دولار، والتي تعد في جوهرها ديناً مرتفع الكلفة لغياب المخاطرة عن المستثمر، مشيراً إلى أن التوسع في نماذج إدارة الإنتاج المتكاملة (IPM) يعد تحولاً نحو عقود شراكة، بدلاً من الأسلوب التقليدي القائم على المقاولات. تحول متعثر وأضاف بهبهاني أنه إلى جانب ذلك برزت أعباء مالية إضافية مرتبطة بمشاريع التحول الطاقي المتعثرة، رغم ارتباطها بالرؤية الوطنية للحياد الكربوني بحلول 2060. ولفت إلى أن القروض الحالية تشكل تحدياً حقيقياً عند حلول آجال السداد، ففي 2025- 2024 تراجعت الأرباح 1.4 مليار دينار (بانخفاض 6%)، وهو مؤشر أداء تشغيلي لا يرقى للحد الأدنى من الطموح، مضيفاً أنه مع تقلب أسعار النفط، يبرز الضغط على المؤسسة لتقليص الصرف الرأسمالي وخفض الكلفة التشغيلية. وقال إنه رغم الإعلان في 2024-2025 عن أول إنجاز تشغيلي منذ سبع سنوات ببلوغ إنتاج 2.59 مليون برميل يومياً و95 ألف برميل من النفط الثقيل، فإن ذلك يخفي تضخم الإنفاق الرأسمالي وارتفاع كلفة إنتاج البرميل مقابل انخفاض الأسعار، وحذر من أنه مع تراكم الديون وإلغاء مشاريع مكلفة بسبب سوء الجدوى، تصبح القدرة على إدارة الدين الضخم مستقبلاً موضع شك حقيقي. وأشار إلى أن القروض ليست هي التحدي الرئيسي للمؤسسة، فالأرباح المتولدة من الحقول تتراوح بين 8 و12%، وتصل أحياناً إلى 15%، مما يوفر قدرة تمويلية ذاتية كبيرة للمشروعات الكبرى، موضحاً أن المشكلة الحقيقية تكمن في ضعف الكفاءة التشغيلية وبساطة أساليب الإدارة، إضافة إلى محدودية أثر المستشارين، رغم خبرتهم، مما يجعل الأداء الإداري هو العائق الفعلي وليس التمويل. بديل كافٍ وقال بهبهاني: «لم يكن التعاون الأوسع مع القطاع الخاص المحلي ليشكل بديلاً كافياً يغني عن القروض، إذ يتركز دوره حالياً في توريد المواد وتقديم خدمات الصيانة، بينما تظل أدوار التشغيل والإنتاج الأكثر كلفة وتأثيراً بيد الشركات الدولية، سواء بشكل مباشر أو عبر مسمى المستشار». وأضاف أنه مع رغبة المؤسسة في تجنب نموذج الشراكة في المخزون، اتجهت إلى صيغ بديلة مثل الإدارة المتكاملة للإنتاج والتصدير (IPM) وتأجير شبكات الأنابيب، مما ترتبت عليه التزامات مالية غير مباشرة، لافتاً إلى إعلان المؤسسة عن مبادرات لتحسين الكفاءة التشغيلية بهدف تقليل النفقات، وتلك المبادرات جاءت على حساب بناء الخبرة المحلية ونقل التكنولوجيا، في ظل استمرار ظواهر مثل البطالة المقنّعة، مما يُضعف مبرر تجنّب الشراكات الحقيقية ويُبقي الحاجة للتمويل قائمة. ولفت إلى أنه من حيث المبدأ، يمكن أن تتضمن اتفاقيات التمويل بنوداً تمنح الممولين مساحة للتدخل استناداً إلى دراسات الجدوى والضمانات، لكن هذا الاحتمال يتراجع كثيراً ضمن نماذج الديون الحالية وأساليب إدارة الحقول الجديدة. فمن المفترض أن شركات مؤسسة البترول تمتلك مراكز مالية قوية، وتكاليف إنتاج منخفضة، واستراتيجيات طويلة الأجل قادرة على امتصاص تقلبات الأسعار، موضحاً أنه يُفترض أن تتجه المرحلة المقبلة نحو مشاريع ذات عوائد مرتفعة وتقليص الإنفاق على المشاريع الأقل جدوى، خصوصاً تلك المرتبطة بالطاقة المتجددة، المكلفة، ذات الطابع الاستعراضي. ورأى بهبهاني أن اهتمام الشركات الدولية بفتح مقار في الكويت يبدو أنه يرتبط أكثر بحجم الديون المقبلة لا بتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وهو ما يعكس تراجع الطموحات الأصلية للمؤسسة في تحسين الكفاءة وتخفيف العبء المالي، معرباً عن أسفه «لكوننا أصبحنا في زمن تُهدر فيه الثروات أكثر مما تُنمّى».
مشاريع ضخمة من ناحيته، قال الخبير والمحلل النفطي، كامل الحرمي، إن المؤسسة تقترض من أجل تطوير مشاريع ضخمة تحقق لها عوائد مالية ضخمة، مبيناً أنه بالإمكان خصخصة بعض القطاعات لتحصل على المطلوب من التدفقات المالية المطلوبة. وأضاف الحرمي أن المبالغ المطلوبة كبيرة لذلك اللجوء إلى الاقتراض مطلوب من أجل الحفاظ على السيولة المحلية مثلما تفعله بعض مؤسسات النفط السعودية. أعباء ثقيلة من جهته، قال الخبير النفطي د. خالد بودي إنه بالنسبة للقروض من الأفضل ألا تلجأ مؤسسة البترول الكويتية لهذا، لكون الاقتراض تترتب عليه أعباء مالية ثقيلة، وفي حالة التأخر في السداد تزداد هذه الأعباء، والمؤسسة قد لا تكون في حاجة للاقتراض، فالدولة تستطيع تمويلها بدون أن تتحمل المؤسسة أعباء مالية تتمثل في تكاليف الاقتراض، وحتى لو كان التمويل من الدولة تترتب عليه تكاليف تمويل، فهذه التكاليف سوف تكون أقل بكثير من تكاليف الاقتراض من القطاع الخاص. وأضاف بودي أن القروض تشكل بلا شك عائقاً أمام المؤسسة في المستقبل، حيث انها سوف تشكل ضغطاً على السيولة في المؤسسة، وتستنزف هذه السيولة في الوقت الذي تحتاج هذه السيولة للوفاء بالتزاماتها المالية ومتطلبات التوسع والنمو. ولفت إلى أن توافر بدائل أخرى للاقتراض قد يكون محدوداً، فالمؤسسات التمويلية قد لا ترغب في الدخول بعمليات مشاركة، فهذا يترتب عليه مخاطر استثمارية لا تناسب هذه المؤسسات، مبيناً أنه يمكن في حال التوجه نحو خصخصة بعض الأنشطة أن تدخل مؤسسة البترول في شراكات استراتيجية، وذلك فقط بالنسبة للأنشطة المطروحة للخصخصة، وهنا يمكن أن يقدم القطاع الخاص مساهمة في التمويل بما يتناسب مع حصته في رأسمال المشروع الذي تم خصخصته جزئياً.
تمويل شرعي وأشار إلى أنه بالنسبة لتدخل القطاع الخاص في عمليات الإدارة، فهذا لا يتم عادة عندما يقدم القطاع الخاص التمويل، فمشاركة القطاع الخاص في عملية صنع القرار تكون فقط في عمليات المشاركة في رأس المال. واختتم بالقول انه في جميع الأحوال وعند الحاجة الماسة للاقتراض فالأفضل الدخول في عمليات تمويل شرعية.
جريدة الجريدة الكويت: اشرف عجمي