البابا يوحّد “كل لبنان” تحت خيمة واحدة: كونوا صانعي سلام

حمل حضور البابا لاوون الرابع عشر في ساحة الشهداء الكثير من المعاني الوطنية السامية في اللقاء المسكوني والحوار بين الأديان. في بقعة جمعت الكثيرين من الأفرقاء السياسيين في مناسبات ومحطات على مدار سنوات عدة، اختلفوا فيها على مستقبل لبنان ولم يلتقوا تحت راية حقيقة واحدة بعد، نجح الحبر الأعظم في جمع طوائف لبنان الـ 18 ومكوّناته في لحظات صعبة يحتاج فيها كل الوطن إلى هذه المشهدية وترجمة مفعولها في يوميات المواطنين والقرارات الكبرى للدولة. على أهمية وحدة الصورة الجامعة في قلب العاصمة، وعلى بعد أمتار من مسجد محمد الأمين وكنيستين للموارنة والأرثوذكس في وسط بيروت، كانت دعوة البابا هي عيش الجميع تحت مظلة وطنية واحدة.

ليس تفصيلاً ظهور البابا في هذا اليوم التاريخي عندما يتم الاستماع إلى تراتيل مسيحية وآيات قرآنية في دلالة إلى الجمع وضرورة التلاقي على شكل فعل إيمان بين أبناء الديانتين. أراد البابا من هذا التنوع وعدم دخول اللبنانيين في عزلة وأن ما يصيب مكوناً منهم يستهدف الجميع، وأن لا أحد في منأى من هذه العواصف الحربية والسياسية التي تهدد لبنان. دخل البابا القاعة بابتسامته المعهودة قبل أن يأخذ كرسيّه في صدر القاعة ويصافح رؤساء الطوائف ويتبادل حديثاً سريعاً مع نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب. وقرأ الشيخ زياد الحاج آيات قرآنية من سور البقرة ويونس والحجرات تركز على الدعوة للسلام والألفة والتلاقي بين البشر.

وأبدى البابا لاوون في كلمته تأثّره العميق بوجوده على “هذه الأرض المباركة التي احتلّت مكانة فريدة في التاريخ الديني والروحي”، ووصف لبنان بأنه “بلدٌ لم ينطفئ فيه صدى كلمة الله جيلاً بعد جيل، وبقي شاهداً حياً على حضور الإيمان”. وأشار إلى أن “الكنيسة، وفق الإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا بنيديكتوس السادس عشر في بيروت عام 2012، مدعوّة إلى تعميق الحوار بين الأديان على أساس روحاني ولاهوتي، لا بدافع المصالح أو الحسابات السياسية، مستندة إلى روابط تجمع المسيحيين باليهود والمسلمين في الشرق الأوسط”.

واعتبر أنّ “مشهد المآذن وأجراس الكنائس جنباً إلى جنب هو شهادة على إيمان الشعب اللبناني بالإله الواحد، ودعوة إلى رفع صلاة مشتركة من أجل السلام في زمن تعصف فيه الصراعات بالمنطقة”. ورأى أنّ” لبنان، بتنوّع أبنائه، يقدّم للعالم مثالاً على إمكانية العيش المشترك وأن الخوف والأحكام المسبقة ليست الكلمة الأخيرة”.

وتمنّى البابا في ختام كلمته أن “يشعّ عناق مريم العذراء – سيّدة لبنان – محبةً وسلاماً على جميع اللبنانيين، ليفيض هذا السلام على المنطقة والعالم، مثل الأنهار التي تجري من لبنان”.

وتكلم رؤساء طوائف في اللقاء، وقال بطريرك الكنيسة السريانية الكاثوليكية إغناطيوس يوسف الثالث يونان إن “زيارة البابا اليوم من أجل بناء السلام والاستقرار في المنطقة”. ورحب بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر يازجي بالبابا وقال: “أهلاً بكم في الأرض التي انغرس فيها صليب المسيح، أهلاً بكم في لبنان هذا البلد الفريد الذي يتنفس في بيئتيه المسيحية والإسلامية، وبلد العيش الواحد والمكوّنات التي تنصهر لتكوّن لبنان”.

وتلاه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وشدد على أن “لبنان هو أرض هذه الرّسالة، وهو رافع رايتها، والعامل عليها ولها. لذلك فإنّنا نعدّ أنفسنا مؤتمنين، دينياً وأخلاقياً ووطنياً، على حمل مشعل هذه الرّسالة، حتّى يعمّ الأمن والسّلام في العالم، وحتّى تسود المحبّة بين جميع الأمم والشّعوب”.

وقال بطريرك السريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام إنّ المسيحيين والمسلمين “يعيشون على هذه الأرض منذ قرون، يتقاسمون الآلام والرجاء”. كما رأى كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول أنّ حضور البابا يشكّل رسالة دعم واضحة من الفاتيكان للبنان، البلد الذي يقوم بنيانه على العيش الإسلامي–المسيحي المشترك”.

كذلك قال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب “نقدّر زيارتكم في هذه الظروف، ولطالما اعتبر الكرسي الرسولي لبنان رسالة، وكلنا أمل بأن تثمر زيارتكم تعزيز الوحدة الوطنية المهتزة في هذا الوطن المثقل بالجراح بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر”. أضاف: “لسنا هواة حمل سلاح ونضع قضية لبنان بين أيديكم لعل العالم يساعد بلدنا على الخلاص”.

وأكد شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى “ضرورة التمسّك بالثوابت الأخلاقية التي تقوم عليها الدولة، وعلى رأسها قاعدة الشراكة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين”.

Leave A Reply

Your email address will not be published.