زحلة وشتورا نحو الفرز من المصدر… فهل تنجحان؟

كلما فاحت رائحة الحلول الترقيعية لمشكلة النفايات في لبنان، تستعيد تجربة المطمر الصحي في زحلة الأضواء مجددًا، وإنما كتجربة أبقت ثالث أكبر مدن لبنان و29 قرية في قضائها بمنأى عن كل أزمات النفايات وتراكماتها منذ العام 2015 وحتى اليوم.

فمع أن المعنيين في زحلة يقرّون أن حال معمل فرز النفايات كما المطمر الصحي ليس مثاليًا، يبقى حاله أفضل الممكن بظل ما تعانيه البلديات من تعثر مالي، جعل كلفة معالجة النفايات تستنزف معظم ميزانياتها.

وانطلاقًا من هنا يسجل لبلدية زحلة حفاظها على الحد الأدنى من معايير الإدارة السليمة لنفاياتها ونفايات القرى المجاورة وبكلفة ممكنة، وذلك كنتيجة لإدارة محلية فعّالة ومشاريع تمويلية مستهدفة. ومع أن الكلفة التي تتكبدها بلدية زحلة عن جمع وفرز ومعالجة كل طن من النفايات وصلت مؤخرًا إلى 65 دولارً وفقًا لتقديرات رئيس البلدية سليم غزالي، فهي لا تتقاضى من البلديات المجاورة حاليًا سوى ستة دولارات، ترسيخًا لقناعة سائدة منذ سنوات بأنه إذا لم يكن محيط المدينة صحيحًا بيئيًا فلا يمكنها أن تبقى كذلك.

كان من المتوقع خلال الأزمة المالية التي ألمت بلبنان، أن يصيب مطمر زحلة الصحي ما أصاب سائر محطات الفرز والطمر على مختلف الأراضي اللبنانية. إلا أن التحديات قابلتها فرص جديدة، تلقفتها البلدية بمشاريع مستدامة نفذت بالتعاون مع الجهات المانحة. فكان أن جهّز المطمر بنظام للطاقة “النظيفة”، وفّر من كلفة استخدامها في فرز النفايات، ومحطة تكرير عصارة النفايات حل معضلة التخلص منها مع إمكانية لإعادة استخدامها في الري. إلا أن هذه المساهمات لم تذلل كليًا الهواجس من ضيق مساحة الأراضي التي ما زالت صالحة لتجديد الخلايا، وهو ما أوجب البحث عن تخفيف في كمية النفايات المطمورة، والتي اعتبر غزالي أنها مرتفعة بالمقاييس العالمية.

تتكامل الجهود التي يبذلها المجلس الحالي لبلدية زحلة مع مجلسه السابق في البحث عن حلول علمية تخفف من حجم النفايات المطمورة ومن كلفتها، ومن هنا كان الانتقال السلس لمشروع ZERO من السلف الى الخلف.

أطلقت بلدية زحلة المرحلة التنفيذية لمشروع ZERO في 30 أيلول الماضي بالشراكة مع منطقة فاندي – فرنسا (Trivalis) والجمعية اللبنانية لحفظ الطاقة والبيئة (ALMEE)، وبتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية بلغ 1.8 مليون يورو.

ترمز الـ ZERO إلى “صفر” نفايات عضوية في المطمر، “صفر” تلوث، و”صفر” هدر. بمقابل سعي لالتزام مئة بالمئة من قبل المواطنين وفقًا لشرح قدمته خلال الإطلاق الرسمي ريتا النجار مديرة الاقتصاد الدائري والمشروع في ALMEE.

في مرحلته التجريبية، سينفذ المشروع بنطاق سكني وتجاري يمتد بين أحياء حوش الأمراء، كسارة ومجمع ستارغيت، بالإضافة إلى تطبيقه في منطقة مقاهي البردوني. وهو يتضمن توزيع الحاويات بأحجام مختلفة على القاطنين في هذه المواقع، من أجل جمع النفايات العضوية بشكل منفصل عن باقي النفايات، مع حاويات خاصة في الأحياء ومعدات لغسلها بشكل دوري، وشاحنة لجمع النفايات العضوية وأخرى للنفايات الخضراء، على أن تستكمل العملية في المطمر بتحويل النفايات العضوية إلى سماد من خلال مزجها بالنفايات الخضراء التي تجمع من المزارعين.

وانطلاقًا من هنا فإن هذا المشروع لا يمكن أن ينجح من دون تكوّن وعي مجتمعي يسهّل مراحله. مثلما هي الحال في شتورا أيضًا. حيث أطلقت بلديتها مشروع فرز النفايات من المنزل في مرحلة تجريبية بدأ تنفيذها منذ مطلع الأسبوع الحالي، وتشمل 55 مؤسسة وستين منزلًا أعرب أصحابها عن رغبتهم بالمشاركة في هذه المرحلة.

الهدف الأبعد للمشروع وفقًا لرئيس البلدية ميشال مطران أن تتحول شتورا إلى الفرز الكلي خلال عام واحد. موضحًا أن المشروع انطلق من دون أي دعم خارجي، وهو قائم على شراكة صغيرة مع مؤسسة ميشال ضاهر التي قدمت الحاويات بمقابل حصولها على المواد القابلة لإعادة التدوير.

في المرحلة الحالية سيستمر نقل النفايات العضوية مع سائر النفايات غير المفرزة، بانتظار استكمال حلقة الفرز التي يرى مطران أنها قد لا تكون اختيارية بالنسبة للجميع، بل يمكن أن يطبق خلالها مبدأ الثواب والعقاب، وهذا ما ستحدده المراحل اللاحقة.

يشكل الفرز من المصدر معادلة رابحة” WIN WIN SITUATION” سواء لمن يفرز أو من يبيع ومن يشتري ومن يحول النفايات لكومبوست. كما أنه يخفف من استخدام الأراضي للمطامر، ومن كمية النفايات التي تدفع البلديات ثمن معالجتها. وبالتالي يرى مطران أن هذا مسار يجب أن ينطلق في كل البلدات، وعلى طريق التنفيذ يمكن اكتشاف الثغرات والعمل على حلها. فهل تستكمل الخطوات التجريبية في زحلة وشتورا وتصيب عدواهما سائر المدن والقرى اللبنانية؟

 

Leave A Reply

Your email address will not be published.