المياه في العرض والطلب

مشكلة المياه في لبنان جدية ونشعر بها في كل الفصول، خاصة في الصيف. جرت محاولات لمعالجة الموضوع لكنها اصطدمت في كل مرة بحواجز السياسة والفساد وسؤ القرار كما سوء التنفيذ. ننتظر من الحكومة الجديدة وضع تصور لمعالجة هذه المشكلة واتخاذ القرارات المناسبة لتوفير المادة وتجديدها بالاضافة الى التوزيع العادل. ننتظر البدء بالتنفيذ لأن المشكلة ستتفاقم حتما اذا استمرينا فقط في التفرج عليها. يوم 22 أذار من كل سنة هو عيد المياه. شعار 22\3\2016 كان «المياه وفرص العمل» حيث تم ربط صناعة المياه بتوافر فرص العمل أي تحقيق ما يعرف بالتنمية المستدامة.
في احصائيات الأمم المتحدة، نصف عمال العالم أو حوالي ملياري شخص يعملون في قطاعات مرتبطة بالمياه كالري والزراعة، في معالجة مادة المياه وصيانتها وتحليتها وفي الهندسة المائية كما في كافة البحوث والتطوير المتعلقة بها. هنالك أيضا قطاعات مرتبطة بشكل غير مباشر بالمياه كالسياحة والانشاء والغذاء. يؤثر التطور المدني على المياه خاصة وانه يتم عشوائيا في الدول النامية والناشئة بينها لبنان دون النظر الى المناخ والنوعية البيئية والعوامل الحياتية والغذائية والصحية. الامتداد الصناعي حاصل ومهم للنمو والتنمية، لكن يجب أن يحصل ضمن معياري توافر المياه الجيدة واحترام الشروط البيئية.

مهما تكلمنا عن السلع والمواد الأساسية، فهي لا توازي المياه في تأثيرها المباشر على الحياة وعلى واقع ومستقبل توزع السكان على الأرض. موضوع المياه مرتبط بالأمن والاجتماع والاقتصاد كما بالبيئة. عدم توافر مياه يمكن أن يسبب حروباً، وهذا ما حصل مرارا عبر التاريخ ويجب أن نتابع بكل دقة ما يجري بين مصر وأثيوبيا بشأن مياه «النيل» ولا بد من دور عربي ناشط وجامع لوضع الحلول ومنع الصدام. فالجغرافيا الاقتصادية لا تعني شيئا من دون مياه عذبة متوافرة للانسان.
المياه غير موزعة بشكل عادل بين الدول والمناطق والقارات كما هي غير متوافرة بنفس الكمية عبر الفصول، وبالتالي وجب التخزين والنقل وكلاهما مكلفان. أهمية المياه ترتفع اليوم مع التغير المناخي المؤثر بشكل مباشر على توافرها ونوعيتها أي على صحة وغذاء الانسان. ما يدعو للعجب هو عدم اقتناع الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» بوجود تغير مناخي بالرغم من اجماع العالم على خطورته.
يحتاج الانسان سنويا الى معدل ألفي متر مكعب من المياه للعيش والاستمرار نوعيا. في 70% من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتوافر ربع هذا المعدل. المطر قليل ولا يؤمن الا 1\8 من المعدل المعترف به وأقل بكثير في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الطقس والجغرافيا. طبعا تحلية المياه حاصلة بتكلفة كبرى لا تستطيع أكثرية الدول النامية والناشئة تحملها. تنظيف وتكرير المياه ضروريان لاستمرار العرض. ثلثا مساحة الكرة الأرضية مغطاة بالمياه علما أن 97% منها مالحة وبالتالي غير صالحة للشرب وللري. 3% فقط في المياه المتوافرة هي عذبة مما يفسر أهميتها والصراع حولها. الجانب الايجابي الأساسي يكمن في أن المياه هي سلعة متجددة نتيجة العوامل الطبيعية العادية أي بين الأرض والسماء. دور الدول يكمن في التخزين والنقل وعدم الهدر.
تشير الاحصائيات الى أن 6 آلاف طفل يموتون يوميا من الأمراض التي يأتي قسم كبير منها عبر المياه. المناطق المعرضة هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما معظم القارة السمراء. هنالك دول عديدة استثمرت في تحلية المياه بدأ من السعودية الى الامارات فاسبانيا والولايات المتحدة وثم الصين مما يدل على أن المشكة عالمية. فالنمو السكاني يعني استهلاك أكبر للمياه بالاضافة الى التغير المناخي الذي يفرض ضرورة التنبه الى نوعيتها. هذان العاملان كفيلان بإحداث مشاكل أساسية في المياه من ناحيتي التلوث والعرض. مشكلة المياه عالمية وحلها يكون عبر عاملي الطلب والعرض أي تخفيف الأول وزيادة الثاني. فكيف؟

في العرض لا بد من تحسين استخراج المياه من الأرض والتقنيات متوافرة، كما عبر بناء السدود. هنالك 48 ألف سد في العالم نصفهم في الصين مما يشير الى جدية ادارة المياه فيها. السدود مكلفة لكن عائدها المالي والاجتماعي كبير. يتم توليد 20% من كهرباء العالم من السدود. هنالك أيضا تحلية المياه والتكلفة المرتفعة معروفة، الا أن تطور التكنولوجيا سيسمح بالقيام بهذا التحويل بتكلفة أقل مع الوقت. هنالك دول تخصخص انتاج وتوزيع المياه حين يفشل القطاع العام في تأمينها.
في الطلب هنالك هدر واضح في كل الدول ولا بد من العمل على القطاعات المستهلكة. فالقطاع الزراعي هو المستهلك الأساسي عبر الري تتبعه القطاعات الأخرى من انتاج الكهرباء الى الصناعة فالاستهلاك المنزلي وثم الاستهلاك الحيواني. هنالك طرق علمية ترفع انتاجية الزراعة بحيث يخف استهلاك المياه دون التأثير على الانتاج بل يمكن رفعه أحيانا. يتم العمل على تطوير تقنيات الري كما على تأهيل الأرض عبر الأدوية والأسمدة الحديثة والصالحة بحيث يعطيان نتائج زراعية ايضافية.
بالرغم من أن الزراعة هي المستهلك الأول للمياه الا أن حصتها من الناتج العالمي قليل وهذا خلل واقعي مزمن. لن تزدهر الزراعة من دون تحسين أوضاع الريف بحيث يبقى المواطن في أرضه. هذا يتطلب تغييرا في سياسات التنمية الاقتصادية. لتخفيف الطلب، لا بد أيضا من تعاون الأسر بحيث يستهلكون مياه أقل طوعا عبر تعديل قواعد الغذاء في الكمية والنوعية والنظام، كما عبر استبدال الأجهزة المنزلية القديمة بالجديدة المعتمدة على تقنيات تخفف الاستهلاك. أما التعريفات، فيمكن أن تؤثر على الكميات المستهلكة في المنازل والشركات شرط أن لا تؤذي الفقراء. لا يمكن اهمال موضوعي التعليم والتربية المؤثران بشكل مباشر على حسن استعمال المياه حيث يصبح الطالب مواطنا منتجا يعي امكانيات المجتمع وقواعد الاستمرار.

Leave A Reply

Your email address will not be published.