غبريل: هذه العوامل تؤخر إقرار قانون الفجوة الماليّة… 

 

تتجه الأنظار بشكل كبير إلى ما يسمى بقانون الفجوة المالية باعتباره الحل المنتظر لأزمة المودعين والذي تم ربطه بقانون إعادة هيكلة المصارف، إذ إن إقرار الأول (المتعلق بإصلاح المصارف) مُعلق على إقرار الثاني (المتعلق بمعالجة الفجوة المالية وتوزيع الخسائر)، لأن معالجة الفجوة ضرورية لإعادة التوازن المالي وتحقيق الانتظام الاقتصادي الذي يسمح بتنفيذ خطة إصلاح القطاع المصرفي.

بعبارة أخرى، لا يمكن إعادة هيكلة المصارف دون تحديد حجم الخسائر المالية وتوزيعها بشكل عادل عبر قانون الفجوة المالية، الذي يعتبر شرطاً أساسياً لبدء عملية هيكلة المصارف.

ولا يمكن تنفيذ إصلاح شامل للقطاع المصرفي في ظل عدم معرفة حجم الفجوة المالية الفعلية وكيفية توزيع خسائرها.

وكذلك قانون الفجوة المالية هو الشرط الأساسي لـ”إعادة التوازن للانتظام المالي” اللازم لإطلاق عملية إعادة هيكلة المصارف، وفقاً للأسباب الموجبة لقانون هيكلة المصارف.

كما أن قانون الفجوة المالية هو الذي سيحدد آليات توزيع الخسائر بشكل عادل، وهو ما يعد أمراً جوهرياً قبل البدء بإعادة هيكلة المصارف نفسها.

بعد الاجتماع الختامي مع وفد صندوق النقد الدولي الذي زار لبنان الأسبوع الماضي اشار وزير المالية ياسين جابر الى أن “هناك تقدم، ولكن لم نصل بعد الى مرحلة أن يكون هناك اتفاق نهائي على برنامج، وما زلنا بحاجة الى بعض الوقت للوصول الى ذلك، فقانون الفجوة المالية​ لم ينته العمل به بعد، ولديهم بعض الملاحظات على قانون إعادة تنظيم قطاع المصارف، وهذه الملاحظات من الممكن أن نعمل على تعديلها فلا مشكلة بذلك”.

وتابع: “كما أبلغنا الوفد اننا في اجتماعات متواصلة للعمل على موضوع الودائع والمودعين، ونعمل أيضا بجدية على إعادة تنظيم وإحياء القطاع المصرفي، ليس لأن أحدا يطلب منا ذلك، انما لأننا نحن في حاجة الى ​قطاع مصرفي​ في لبنان. نحن اليوم على اللائحة الرمادية، ويغلب اقتصاد الكاش، فلا مجال للخروج من هذا الواقع، إلا من خلال عودة القطاع المصرفي الى العمل”.

وقال: “بشكل عام، توافقنا على انه منذ الآن، وحتى زيارتنا المقبلة الى اجتماعات واشنطن الشهر المقبل سيتم العمل على وضع خطة لمعالجة الامور التي ينظر اليها كل منا بشكل مختلف، ونسعى بكل جدية للقيام بالعملية الإصلاحية والوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لأنه يشكل عنصر ثقة بلبنان، ولمن يريد من أصدقاء لبنان أن يقدم منحا أو مساعدة، فنحن نسعى للوصول الى هذا الاتفاق”.

وردا على سؤال حول أموال المودعين، قال: “بالتأكيد، شرحنا لهم أن موضوع ​توزيع الخسائر​ لم يعد وجهة نظر، بل أصبح قانونا، وهناك ملحق بقانون إعادة تنظيم القطاع المصرفي، وهو جزء من القانون ينظم توزيع الخسائر حسب تراتبية الخسائر، ويبدأ بالمصارف، وينتهي في موضوع المودعين”.

وفي ما خص الـخلاف حول الــ16 مليار دولار مع مصرف لبنان قال جابر: هذا موضوع يجري نقاشه بين مصرف لبنان ووزارة المالية والحكومة، والحلول موجودة، فالدولة ووزارة المالية لا يريدان أن يقصرا في مساعدة مصرف لبنان في حل موضوع المودعين، ولكن هناك قدرة الدولة على تحمل الدين، وهناك نقاش حول هذا الموضوع، فالدولة لا تستطيع ان تستدين الا بقانون صادر عن المجلس النيابي. وعمليا، الموضوع يحتاج إلى نقاش، ولكن الدولة والحكومة ووزارة المالية مستعدة للمساعدة في إعادة رسملة مصرف لبنان، فليس هناك من تخل أو عدم رغبة في المساعدة، فمصرف لبنان هو مصرفنا كدولة، وليس مصرفا تجاريا حتى نتخلى عن المساهمة فيه”.

كما أكّد جابر أن “الدولة حريصة على أموال المودعين بقدر حرص أنفسهم عليها، وقال أمام وفد من جمعية “صرخة المودعين”، أن “العمل جاد بين الحكومة ووزارة المالية ومصرف لبنان على إنجاز قانون الفجوة المالية بشكل يؤمن العدالة، على قاعدة المسؤولية الوطنية وبما يلائم إعادة الانتظام المالي من خلال نظام مصرفي قادر على استعادة مكانته كواحد من أعمدة الاقتصاد اللبناني، وداعم أساسي لعمليات الاستثمار والإقراض لجميع الناس الراغبة في التوظيف سواء على المستويات الصناعية أو التجارية أو العمرانية”.

وإذ لفت إلى ان “حقوق المودعين لن تضيع وان تعددت آليات استرجاعها، جدّد الإشارة إلى أن أي نظام مصرفي في العالم مهما بلغ حجمه ومهما بلغت ملاءته المالية المرتفعة وأرباحه لن يستطيع في وقت واحد وفي فترة محددة إعادة جميع الودائع لجميع مودعيه دفعة واحدة”.

باختصار الفجوة الماليّة هي ببساطة الفرق بين ما تدين به المصارف للمودعين وما تملكه فعلاً من أصول ولمتابعة هذا الموضوع تم تشكيل لجنة من وزيرَي المال والاقتصاد وحاكم المصرف المركزي من اجل توزيع الخسائر على أن تتقاسم الدولة والمصارف والمصرف المركزي والمودعون هذه الخسائر.

برأي كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل يجب أن يكون اسم مشروع القانون “مشروع قانون تحديد مصير الودائع”، لأن تسميته بالفجوة المالية مضلل، والأصح يجب أن يكون اسمه العجز في ميزانية مصرف لبنان لأن هذه الأموال صرفتها الحكومات المتعاقبة، “وهي عملياً التزامات الدولة تجاه مصرف لبنان”.

ويقول غبريل في حديث للديار إذا اعتبرنا هذه الأموال خسائر فالمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تم إهمالها منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان، تقول إن الخزينة اللبنانية مسؤولة عن تغطية خسائر مصرف لبنان بغض النظر عن المبالغ، لافتاً: إذا وضعنا مشروع قانون الفجوة المالية في سياق الصعوبات السياسية والشعبوية نبدأ بما حصل مؤخراً منذ إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية في لبنان، “فأهون قرار سياسي وشعبوي كان تعديل قانون السرية المصرفية تبعه إقرار قانون إعادة انتظام العمل المصرفي ثم تعيين نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، إلى أن وصلنا إلى أصعب قرار سياسياً و شعبوياً في هذا المجال وهو مشروع قانون تحديد مصير الودائع”.

وتحدث غبريل عن تصورات مختلفة فهناك وجهة نظر تقول إن المادة 13 من قانون النقد والتسليف واضحة جداً من ناحية اعتبار توظيفات المصارف التجارية في مصرف لبنان ديونا تجارية والتزامات مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية، ولذلك هذا الرأي يشدد على ضرورة عدم خلط توظيفات المصارف التجارية لدى مصرف لبنان مع الدين العام”. فتسطيع الحكومة إعادة هيكلة الدين العام وسندات اليوروبوندز بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بينما يتكفل مصرف لبنان بالتوصل الى حل لمسألة الودائع مع المصارف التجارية”.

وأشار غبريل إلى رأي مختلف يقول: يجب أن تنعكس إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز على الودائع بالعملات الأجنبية لأنها كلها التزامات للدولة اللبنانية، “ونحن هنا أمام رأيين مختلفين جذرياً الأول يقول إن مصرف لبنان قادر على الاتفاق مع المصارف التجارية على حل ينصف المودعين ويبدأ بالمودعين الصغار أي الحسابات دون 100 ألف دولار مع إيجاد حل للحسابات التي تتخطى مئة الف دولار”.

ورأى غبريل أن الذي يؤخر إقرار مشروع الفجوة المالية هو الديون المترتبة على الدولة لمصرف لبنان التي تبلغ 16 مليارا و 500 مليون دولار، فمصرف لبنان يقول إن لديه كل المستندات لإثبات أن هذا دين فعلي على الدولة بينما رأي آخر يقول إن هذا ليس ديناً على الدولة لأن هذه الأموال لا تدخل ضمن الدين العام والدولة أخذت سلفات بالليرة اللبنانية واشترت دولارات في المقابل من مصرف لبنان.

كما تحدث غبريل عن حساسية تحديد مصير الودائع في ظل الاقتراب من موعد الانتخابات النيابية في شهر أيار المقبل ومع حق المودعين في معرفة مصير ودائعهم وإيجاد حل عادل ومنصف من جهة، والحسابات السياسية والشعبوية لجزء كبير من الكتل النيابية من جهة أخرى.

وأيضاً ما يؤخر إقرار مشروع الفجوة المالية وفق غبريل هو مقاربة صندوق النقد الدولي التي تعتمد على منهجية الصندوق الذي لن يوقع اتفاقا أوليا مع السلطات اللبنانية قبل إقرار هذا القانون، “فنحن في سباق مع الوقت لمحاولة إقرار هذا المشروع قبل أواخر العام الحالي”.

وإذ أشار غبريل إلى ان المسؤولين يقولون إن المشروع سيكون جاهزاً أمام مجلس الوزراء في شهر تشرين الأول، رأى أنه إذا تحقق هذا الهدف فمجلس الوزراء سيأخذ وقته لمناقشته ودراسته والموافقة عليه، ومن ثم تحويله إلى مجلس النواب في شهر تشرين الثاني بافضل الاحوال، حيث ستقوم اللجان المختصة بدراسته بتأن وتقوم بتحويله لاحقاً إلى الهيئة العامة، متسائلاً هل سيكون الوقت كافيا لإقرار هذا القانون وهل سيكون هناك قابلية سياسية قبل أشهر من الانتخابات النيابية للتصويت عليه، سيما إذا لم يكن مثالياً بالنسبة للمودعين مما يؤثر في الأصوات الانتخابية.

وتمنى غبريل أن يكون قانون الفجوة المالية عادلاً ومنصفاً ويجيب عن ثلاثة أسئلة ينتظر المودعون الإجابة عنها منذ ست سنوات وهي: ما مصير ودائعهم؟ وبأي طريقة سيتم استردادها؟ وبأي مهلة زمنية يمكن استخدامها؟، مشيراً إلى أن هناك محادثات تجري بين المعنيين من الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان بصفته الاستشارية وصندوق النقد الدولي الذي بدا واضحاً من خلال بيانه بعد زيارته لبنان الأسبوع الماضي أنه يتوقع أن تكون الإصلاحات أسرع وأعمق، وألمح الصندوق إلى أن قانون إعادة إنتظام العمل المصرفي بحاجة إلى تعديلات “وبالتالي صحيح أن التواصل والمحادثات مستمرة وهناك نية إيجابية للتوصل إلى حل، لكن مقولة أن الدولة لا تستطيع المساهمة إلا من خلال إعادة رسملة مصرف لبنان غير دقيق فمن صرف عشرات مليارات الدولارات؟ أليست الحكومات المتعاقبة؟”

ووفقاً لغبريل الحل يجب أن يكون بمشاركة الأطراف الثلاثة: المصارف التجارية من خلال سيولتها وأصولها ومصرف لبنان من خلال السيولة والأصول لديه وأيضاً الدولة التي لا تستطيع ان تخضع لمقولة بأنها لا تستطيع أن تشارك الا من خلال رسملة مصرف لبنان، ” ولغاية اليوم لم تعترف الدولة والسلطة السياسية بأي مسؤولية لها عن الأزمة”.

ولفت غبريل إلى نقطة أساسية لاستعادة الثقة وهي وجود اقتصاد الظل وقطاع مالي غير شرعي يجب أن يحظى بأهمية إعادة هيكلة القطاع المصرفي نفسها، سيما الصرافين غير المرخصين والمحافظ الألكترونية التي يتخطى عملها الرخص من مصرف لبنان وبعض شركات تحويل الأموال والجمعيات العالية المخاطر كما سمتها مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، مؤكداً أنه على السلطات إعطاء الأولوية لهذا الموضوع بالزخم نفسه الذي يعطى للقطاع الاقتصادي والمصرفي الشرعي لأنه لا يمكن استعادة الثقة بالمؤسسات والاقتصاد والقطاع المصرفي ما دام هناك اقتصاد ظل وقطاع مالي غير شرعي.

في الخلاصة يقول غبريل: السلطات اللبنانية تحاول التوصل إلى مشروع قانون تحديد مصير الودائع وأولوية مصرف لبنان هو إغلاق العجز في ميزانيته من خلال توازن المطلوبات مع الموجودات والانتهاء من وضع مشروع تحديد مصير الودائع ووضعه على طاولة لمجلس الوزراء لإقراره وتحويله إل مجلس النواب قبل أواخر السنة، وهذا الأمر سيساعد على إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يريد بدوره تخفيض التزامات الدولة اللبنانية لأنه يريد أن يتأكد من ان الدولة اللبنانية قادرة على تسديد هذا القرض، بالإضافة إلى الديون التي ستأتي من مصادر ومؤسسات مالية أخرى لأن الهدف ليس فقط الحصول على قرض صندوق النقد بل فتح الباب لثماني مليارات دولار إضافية من قروض ميسرة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.