الإصلاح المالي بين خطة «اللجنة الثلاثية» ومخاوف النقابات: هل تصمد الخطة أمام اختبارات الشارع؟
في مرحلة حرجة تعيشها البلاد على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، ومع تسارع الخطوات الرسمية لإعادة هيكلة المؤسسات العامة والقطاع المصرفي، تزداد المخاوف في الأوساط النقابية والشعبية من أن تأتي الإصلاحات المنتظرة على حساب الحقوق المكتسبة للموظفين والعاملين. وبين تفاؤل مشروط بإمكانية إنقاذ ما تبقّى من الاقتصاد، وقلق متنامٍ من تصعيد شعبي قد يُعيد مشهد الشارع إلى الواجهة، تُطرح تساؤلات مشروعة حول خطة «اللجنة الثلاثية»، سواء من حيث شفافيتها، أو مدى واقعيتها وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الإصلاح وضمان العدالة الاجتماعية.
فبين من يرى في الخطّة خطوة ضرورية لتفادي الانهيار الشامل، ومن يخشى أن تكون تمهيدا لخصخصة مقنّعة وتفريغ القطاع العام من دوره الاجتماعي، يظل الغموض يكتنف كثيرا من التفاصيل الجوهرية، وسط دعوات متزايدة لمشاركة أوسع للقوى النقابية والمجتمع المدني في رسم معالم المرحلة المقبلة.
وفي ظل هذا المشهد الضبابي، تبدو الحاجة ملحّة إلى مقاربة وطنية شاملة، لا تكتفي بالإجراءات التقنية أو الإملاءات الخارجية، بل تنطلق من رؤية عادلة ومنصفة، توازن بين مقتضيات الإنقاذ وضمان الحقوق، وتستعيد الثقة المفقودة بين المواطن والدولة.
معاناة بلا أفق
من هذا المنطلق، يؤكد رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان، جورج الحاج لـ «اللواء» أن «الواقع المالي والمصرفي والمعيشي في أزمة منذ اندلاع انتفاضة أيلول 2019 وللأسف بالرغم من المتغيّرات التي طرأت على الواقع السياسي من انتخاب مجلس نيابي في العام 2022 وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مع بداية العام 2025 ما زال اللبنانيين وبالأخص عمال لبنان في معاناة اجتماعية لا تحتمل ولا يمكن تجاهل سلبياتها على أبناء الطبقة الوسطى الذين بغالبيتهم عمال وأصحاب مهن حرة وحرفيين وبالأخص بعد تداعيات حرب الإسناد التي أدّت إلى تدمير قرى وتهجير مواطنين من قراهم ومنازلهم دُمّرت وتضررت من جراء العدوان الإسرائيلي».
نزيف اقتصادي… وأمل مفقود
ويتابع: «ان التعاطي الرسمي كان وما زال مع كل الملفات المالية والاقتصادية والمعيشية يقال فيها القول الشعبي «اسمع تفرح، افعل تحزن»، أزمة الكهرباء على حالها، أزمات السير في تفاقم، ترهّل الإدارة العامة تعرقل تطور القطاع الخاص وتعيق دخول الاستثمارات، والأهم أزمة القطاع المصرفي والودائع فهي مستمرة بالرغم من صدور قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وكل لبنان بانتظار صدور قانون الفجوة المالية، والأخطر هو ربط المساعدات الأجنبية بموضوع جمع السلاح، يضاف على هذه الأزمات عدم وجود متابعات من قبل الجهات الرسمية لملفات اجتماعية تطال شؤون وشجون كل العائلات اللبنانية على سبيل المثال وليس الحصر فاتورة التعليم في القطاع الخاص في ظل تردّي متواصل في التعليم الرسمي وفاتورة استشفائية باهظة لا يمكن تحملها مع استمرار تدنّي قيمة التغطية من قبل وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وارتفاع بوالص التأمين الاستشفائي من قبل شركات التأمين وعدم مراقبة تسعيرات المستشفيات».
وفي سياق متصل، يرى أنه «لا يمكن أن نتجاهل كيفية تعاطي الدولة مع موضوع تصحيح الأجور فهل يعقل أن يرفع الحد الادنى للأجور من دون تصحيح الرواتب التي تتخطّى الحد الأدنى؟ وماذا عن فاتورة المولدات وأزمة المياه المستجدة وأسعار السلع الاستهلاكية التي ترتفع بالرغم من ثبات سعر صرف الدولار على 89,500 ل.ل.؟»
أي إصلاح؟
ويضيف الحاج: «أمام كل هذه الوقائع، نسأل هل تشكّل الإصلاحات المالية المرتقبة وخطة اللجنة الثلاثية فرصة حقيقية للخروج من الانهيار، الجواب طبعاً لا فالمطلوب أولاً وأخيراً دولة لها هيبة وسلطة وفاعلية ورجال دولة في المجلس النيابي وفي الحكومة باستطاعتهم اتخاذ القرارات من دون تردد من خلال استراتيجية واضحة تتخطى المصالح الفردية والطائفية والحزبية وحتماً بحاجة الى سلطة قضائية تسرّع في إصدار الأحكام ومعاقبة المجرم والفاسد».
خطة إصلاح وطنية
وأمام كل تلك المعطيات، يعتبر الحاج أن «المطلوب خطة ثلاثية الأهداف تُعدّها الحكومة ويتبنّاها المجلس النيابي، تنطلق بحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني وباقي الأجهزة الأمنية وبإقرار خطة حكومية لإصلاح الإدارة العامة من خلال إعادة هيكلتها وبإقرار المجلس النيابي لعدد من القوانين التي ما زالت في أدراج المجلس النيابي، على سبيل المثال وليس الحصر قانون الفجوة المالية من دون المسّ بودائع عملاء القطاع المصرفي على اختلاف جنسياتهم ومن دون تفرقة بين ودائع أقلّ من مئة ألف دولار أو أكثر مع ضرورة الإسراع في إصدار الأحكام القضائية بحق كل من صرف المال العام من دون حسيب أو رقيب وكل من خالف التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان من مصرفيين وعملاء مصارف وإصدار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وإصدار قانون إعادة احتساب تعويضات نهاية الخدمة وغيرها من القوانين التي لها علاقة بأوضاع الناس، وأخيراً رعاية الدولة حوار جديّ بين أطراف الإنتاج لصياغة عقد اجتماعي وطني يراعي واقع القطاعات الاقتصادية وظروف عمال لبنان».
اللجوء إلى الشارع.. هل ينجح؟
في الختام، يشدّد الحاج على أن «تجربة اللجوء إلى الشارع لإقرار المطالب العمالية ذات البُعد الاجتماعي المعيشي لم تنجح وخير دليل ما آلت إليه انتفاضة أيلول 2019 وطبعاً تحركات الشارع تحتاج إلى قيادة عمالية فوق الطوائف والمذاهب ومصالح الأحزاب وهذا تفتقره الحركة العمالية منذ زمن»، معتبراً أننا «بانتظار أن يتحقق خطاب القسم الذي أعلنه رئيس الجمهورية في بداية عهده والذي يعتبره اللبنانيون الحل للخروج من هذا النفق المظلم».