هيكلة المصارف تنتظر إقدام الحكومة
تكرّست رسمياً ظاهرة تمثيل الشركات الأجنبية للمصالح اللبنانية إذ أصبحت شركة انكورا تمثل المصارف فيما يعود للمفاوضات المتعلقة بهيكلة المصارف وتوزيع الخسائر، كما أصبحت شركة روتشيلد معتمدة من البنك المركزي في هذا النطاق في الوقت الذي يمكن أن تمثل فيه شركة لازار الحكومة بناء على العقد الموقّع بينهما عام 2020.
كل ذلك يعني ان المؤسسات الأجنبية ستتفاوض فيما بينها لتقرير ما هو الأفضل مصرفياً واقتصادياً للبنان الذي نهبت المصارف ودائع مواطنيه بالتعاون مع طبقة سياسية تعوّدت أن تتناسى كل وعودها بالعدالة والإصلاح.
إن تسليم مقدرات البلد للمؤسسات الأجنبية لا يشكّل بداية سليمة للانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تأخّرت سنينا طويلة وتركت أثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلق بدولرته وتحويله الى اقتصاد نقدي، مع ما يرتبه كل ذلك من مخاطر بات الجميع يعرفها ويتخوّف منها.
وإذ يتناقض تكليف الشركات الأجنبية مع الحقائق اللبنانية التي تشير الى وجود العديد من الخبراء والاختصاصيين اللبنانيين القادرين على معالجة هذه الأمور الحسّاسة بشرط إقلاع الحكومة وجمعية المصارف والبنك المركزي عن منهج الاستعانة بالأجنبي واتباع منهج وطني بديل يقوم على الشفافية والجدارة في اختيار الشركات والكفاءات اللبنانية التي أصبحت لها شهرة عالمية في هذه المجالات.
لقد انتظر اللبنانيون منذ عام 2019 مبادرة من الحكومة اللبنانية للبدء في معالجة الأزمة المالية المصرفية لكنهم فوجئوا بعد سبع سنوات بأن الحكومة لا زالت متقاعسة في هذا المجال تكثر من الكلام دون أي مبادرة فعلية تطمئن المودعين الى أموالهم وتطمئن اللبنانيين الى اقتصادهم. وقد تبدّى ذلك في خضوع الحكومة لسطوة المصارف التي تصرّ على الاحتفاظ بأرباحها، المحوّلة الى الخارج، ونقل العبء للمواطنين والمودعين. كما تبدّى ذلك من شلّ نظام العدالة وتكريس ظاهرة الإفلات من العقاب التي عجز القضاء اللبناني عن معالجتها بسبب الفساد الذي غزا بعض مراتبه وبسبب التدخّلات السياسية المهينة في شؤونه.
لكل ذلك من حق اللبناني اليوم أن ينظر بحذر شديد الى المحاولات الجارية من قبل جمعية المصارف والبنك المركزي للتنصّل من مسؤولياتهما تجاه المودعين والقيام بدلاً من ذلك باقتطاعات جديدة من الودائع تحت عناوين مختلفة معتمدين على وسائل وبيانات غامضة مثقلة بالوعود العرقوبية يبثونها عبر الإعلام المرتبط بهما لخداع الجمهور وإغراقه بالمعلومات والنظريات المتناقضة التي تشوّش الذهن وتزيّف الحقيقة.
إن الحكومة التي أعلنت، عبر رئيسها ووزرائها، التزامها بالإصلاح وإعادة الأموال الى أصحابها مطلوب منها متابعة العملية «الإصلاحية» المتعلقة بالمصارف وتحريرها من الإبهام الذي يكتنفها وطرح بنودها جليّة واضحة أمام الجمهور الذي ذبحته المصارف من الوريد الى الوريد. فالمصارف تأتي اليوم بخطة ملتبسة تحاول أن تفرضها على البنك المركزي والحكومة معاً عبر شركات أجنبية من السهل تحميلها مسؤولية نتائج «الصفقة المرتقبة» أو التذرّع بها للتنصّل من واجباتها تجاه المودع اللبناني والاستناد اليها للإفلات من العقاب كما حدث طيلة الفترة الماضية. ولا حاجة للقول أن آلاف الجرائم قد ارتكبت بحق المودعين، من لبنانيين وعرب، الذين وثقوا بالحكومة والمصارف واكتشفوا لاحقاً ان ثقتهم لم تكن في محلها. أما السجون فمكتظة اليوم بالموقوفين والمحكومين بينما جماعة المصارف والسلطة الذين فتكوا بأموال الناس والدولة نراهم يتبخترون في الشوارع والساحات دون أن يقول لهم أحد: (ما أحلى الكحل في عيونكم ) لا في بيروت ولا في جنيف ولا حتى في اللوكسمبورغ.