صراع السيادة على القرار التجاري ومسؤولية وزير الاتصالات في قلب موازين السوق

في ظلّ الأزمة الاقتصادية المتواصلة التي يعيشها لبنان، لم تَسلم خدمات الاتصالات والإنترنت من تداعيات الانهيار، سواء من حيث جودة الخدمة أو كلفتها. وفي خطوة جديدة، أعلنت شركتي «ألفا» و«تاتش» عن تعديلات في باقات الإنترنت للخطوط الثابتة والمسبقة الدفع، شملت زيادة في الحد الشهري مقابل ما اعتبرته الوزارة «تعديلا طفيفا» في الأسعار.
وعلى الرغم من تأكيد وزارة الاتصالات أن الهدف من هذه الخطوة هو مواكبة أنماط الاستهلاك الجديدة وتخفيف الحاجة إلى التجديد المتكرر للباقات، إلّا أن الواقع أظهر زيادة فعلية في الكلفة الشهرية على المواطنين، كما بات يتردد في أوساط المستخدمين، ما أثار تساؤلات حول مدى فعالية هذه التعديلات، وأعاد فتح ملف التحسينات المؤجلة في شبكة الاتصالات، التي لطالما وُعد بها اللبنانيون دون ترجمة فعلية على الأرض.
وبينما تُعتبر هذه التعديلات خطوة إيجابية على الورق، يبقى التقييم الحقيقي مرهونا بردود فعل المواطنين وبتأثيرها الفعلي على الخدمة والتكلفة. ويبقى السؤال المطروح: هل ستخفف الأعباء فعلا أم تبقى مجرد تعديل شكلي؟
من هذا المنطلق، يقول المدير العام السابق لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، لـ «اللواء» إن «ما جرى من تعديل في باقات الإنترنت وأسعارها، من حيث تغيير حجم الاستهلاك والأسعار، لا يصب في مصلحة المواطن ولا في مصلحة شركتي «ألفا» و«تاتش». فالإدارتان التجاريتان في الشركتين تفتقران إلى القدرة على تقديم خطة عمل واضحة تستند إلى دراسات تجارية، أو جدوى اقتصادية، أو تحليل لمرونة السوق فيما يتعلق بالطلب على خدمات الخلوي. وبالتالي، فإن «ألفا» و«تاتش» تتصرفان بشكل استباقي ومنفصل عن الواقع الفعلي لحركة السوق. كما أن رئيسَي مجلس الإدارة والمديرين العامين في الشركتين غير قادرين على توضيح الأثر المالي والتجاري الفعلي لهذه التعديلات».
ويتابع: «ما قامت به شركتا «ألفا» و«تاتش» من تعديل في باقات الإنترنت لمشتركي الخطوط الخلوية جاء استجابة لطلب مباشر من وزير الاتصالات، دون أن تملك الشركتان حرية اتخاذ القرار بشكل مستقل. أما الهدف من هذه التعديلات، بحسب الوزير، فهو فتح المجال أمام فرص تجارية وتسويقية أوسع لخدمات «ستارلينك» وتسهيل دخولها إلى السوق اللبناني».

ضمن الإطار نفسه، يعتبر يوسف أن «عند مقارنة الباقات السابقة بالحالية، يتبيّن أن الباقات القديمة كانت أكثر فائدة للمستهلك. ويبقى السؤال الجوهري: ما الدافع الحقيقي وراء هذه التعديلات؟ خاصة أن من غير المعتاد أن تُقدم أي شركة تشغيل في العالم على تعديل أسعارها وخدماتها بطريقة لا تراعي مصلحة المشترك. وفي الواقع، فإن المتضرر الأكبر من هذه التعديلات هم مشتركو «ألفا» و«تاتش»، في حين أن المستفيدَين الأساسيَّين منها هما الشركتان نفسهما».
ويضيف: «اللافت أن وزير المالية، ياسين جابر، لم يطلب إجراء هذه التعديلات، ولم يصرّح بأنه دعا في موازنة 2026 إلى رفع إيرادات قطاع الاتصالات. بل على العكس، فإن مبادرة الزيارة جاءت من رئيسَي مجلس الإدارة والمديرين العامين في شركتي «تاتش» و«ألفا»، برفقة وزير الاتصالات شارل الحاج، حيث تعهّدوا لجابر بزيادة واردات قطاع الخليوي، ما قد يدفعه إلى إدراجها في موازنة العام 2026».
ولم ينكر يوسف أنه يبقى السؤال الأساسي «لماذا تُفضّل مصلحة شركتي «تاتش» و«ألفا» على حساب مصلحة المواطن المستهلك؟ ومن الذي أصدر هذا التوجيه؟ هل جاء ذلك بناءً على طلب من رئيس الحكومة نواف سلام، خاصة في ظل الأزمة المالية الخانقة وحاجة خزينة الدولة إلى زيادة الإيرادات؟ الإجابة واضحة: كلا، فلا رئيس الحكومة ولا وزير المالية تقدّما بمثل هذا الطلب. المسؤولية تعود بشكل مباشر إلى وزير الاتصالات، شارل الحاج، الذي يُجري مفاوضات ضيقة جداً مع شركة «ستارلينك». وبالنظر إلى الأسعار الحالية لخدمات الإنترنت في لبنان، تم إجراء تعديلات تجعل تكلفة الاستهلاك العالي عبر «تاتش» و«ألفا» أعلى مقارنة بخدمات «ستارلينك»، وهذا يعني أن الوزير قام بفتح طريق سلس وصامت أمام دخول «ستارلينك» إلى السوق اللبناني، مما يفسر دوافع تعديل الباقات بأسعار تزيد العبء على المشتركين الكبار في الشركتين المحليتين، لصالح تعزيز فرص «ستارلينك» في المنافسة».

في الخلاصة، يشدّد يوسف على أن «المطلوب اليوم من القائمين على شركتي «تاتش» و«ألفا» أن يتبعوا رئيس الحكومة نواف سلام، ويمارسوا استقلاليتهم في اتخاذ القرار داخل شركتيهم، باعتبارهم غير خاضعين مباشرة لسلطة وزير الاتصالات ولا مقيّدين بتوجيهاته. وبالتالي، يُفترض بهم أن يبادروا إلى ابتكار باقات جديدة وخطط تسعير تصبّ فعليا في مصلحة المستهلك، بعيدا عن الإملاءات السياسية أو المصالح الضيقة».

مصادر «ألفا»: خفض في كلفة الجيغابايت وخطة 2025 لتحسين الخدمة تدريجياً

في المقابل، تقول مصادر شركة «ألفا» لـ «اللواء» إن «إعادة هيكلة الباقات استندت إلى سلوك المشتركين، ما أدّى إلى خفض سعر الجيغابايت بنسبة تصل إلى 50% في بعض العروض، بهدف تأمين الاكتفاء من باقة واحدة، وتقييم نتائج هذه الخطوة لا يزال مبكرا، كون الباقات لم تُطلق منذ أكثر من أسبوعين».
وأمام كل تلك الأجواء، تؤكد المصادر أنه «يتم متابعة الشكاوى التي تصل في خصوص جودة الخدمة، ويتبيّن أنها في الغالب تعود لمشاكل غير تقنية، تتعلق بالسرقة أو مشاكل مع أصحاب الأرض حيث المحطات، وهي مشاكل لوجيستية تواجه أي مشغل. إلّا أننا نتابع بكل جهد واهتمام أي مشكلة تطرأ توصلا لإيجاد الحل».
فوق كل ذلك، تشدّد المصادر على أنه «ألفا» أطلقت خطة 2025 لتحديث الشبكة، تشمل إضافة محطات جديدة، تعزيز السرعة، وإيقاف شبكة الجيل الثاني نهاية العام، بهدف الاستفادة القصوى من تقنيات الجيل الرابع. ورغم توقف الاستثمارات سابقا بسبب الأزمة، تؤكد الشركة أن العام المقبل سيكون انطلاقة جديدة لتحسين الخدمة، مع وعود بلمس التحسّن تدريجيا، والإعلان عن التطورات عبر مواقع التواصل.

Leave A Reply

Your email address will not be published.