المهرجانات: نبض الفرح ورافعة إقتصادية
تشهد الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة عودة لافتة للمهرجانات الفنية والفولكلورية في مختلف المناطق، من بعلبك إلى بيت الدين، ومن صور إلى زحلة، مروراً بطرابلس وجبيل وصيدا والأرز والقليعات وغيرها. عودة طال انتظارها بعد سنوات من الغياب القسري نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، فضلاً عن جائحة كورونا التي شلّت الحياة الثقافية والسياحية في البلاد.
لكن عودة المهرجانات اليوم لا تقتصر على الجانب الاحتفالي أو الترفيهي فحسب، بل تحمل في طياتها أبعاداً ثقافية واقتصادية ووطنية، يمكن أن تُوظّف بذكاء لتنشيط الحركة السياحية الداخلية والخارجية، وإعادة وضع لبنان على خارطة المهرجانات العربية والدولية.
أولاً، تعكس هذه المهرجانات صورة لبنان الحقيقية كبلد ينبض بالحياة والفن والثقافة، على الرغم من الأزمات. فهي توفّر مساحة للفرح الجماعي، وتعيد ثقة المواطن بوطنه، والسائح بصورته التي لطالما ارتبطت بالإبداع والانفتاح.
ثانياً، تشكّل هذه الفعاليات فرصة حقيقية لدعم الاقتصاد المحلي، بدءاً من إشغال الفنادق ودور الضيافة، مروراً بالمطاعم والمقاهي، ووصولاً إلى الحرفيين وأصحاب المصالح الصغيرة. فالمهرجان لا ينعكس على المدينة المستضيفة فحسب، بل يمتدّ تأثيره إلى النطاق الجغرافي المحيط بها.
ثالثاً، تُسهم المهرجانات في إنعاش التراث المحلي، من خلال التركيز على الفولكلور والموسيقى التقليدية والحرف اليدوية والمأكولات الشعبية. وهذا ما يخلق توازناً مطلوباً بين الترفيه الثقافي والحفاظ على الهوية، ويمنح الزائر تجربة سياحية متكاملة.
رابعاً، تتيح المهرجانات فرص مهمة للتفاعل الثقافي والفني بين الإبداعات المحلية والعربية والعالمية، من خلال تنوع هوية وإبداعات المشاركين من لبنان ومن الدول الأخرى، بما يعزز مكانة لبنان كواحة لحرية التعبير الثقافي، في إطار من الإنفتاح على الثقافات المختلفة، والشغف بالتعرف على الإبداعات الفنية التقليدية والحديثة.
لذا، من الضروري أن تتعامل الدولة، عبر وزارتي السياحة والثقافة والبلديات والقطاع الخاص مع هذه المهرجانات كجزء من استراتيجية سياحية متكاملة، تقوم على التوزيع المتوازن للفعاليات في المناطق كافة، ودعمها لوجستياً وإعلامياً، وضمان استمراريتها خارج منطق المناسبات الموسمية.
في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى روافع اقتصادية واجتماعية لبلد يعاني من إرهاصات أزمات مزمنة وحالة من عدم الإستقرار، تشكّل المهرجانات في لبنان فرصة نادرة لتكريس الأمل بالغد، وتعزيز صورة الوطن في الذاكرة العربية والعالمية، ليس فقط كموقع للأزمات، بل كمنبر للفرح وحب الحياة، وكوجهة جذب سياحي، سواء للمغتربين اللبنانيين، أو لزواره من السيّاح العرب والأجانب.