من أراد أن يكون سيّداً يجب أن يكون خادماً للناس

جرثومة الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والتربوي والأمني تنمو وتترعرع وتستبدّ بالبشر من خلال استبعاد القِصاص للخادم في إدارة السلطة. فالخادم الذي يتمتع بالقدرة على الجباية الضريبية اللامحدودة ووضع الرسوم والإتاوات على أصغر المعاملات، ويتمتع بالصلاحيات التشريعية والتنفيذية بيد مطلقة، كما يتمتع بالحصانة القانونية من أي حساب أو قصاص، سيتحوّل بكل بساطة إلى إنسان متكبّر، فاسد، مستبدّ، مجرم وفاشل، ولن يجري على يديه إلّا الخراب. وبوجود مثل هذه الشخصيات المحصّنة ضد أبسط الانتقادات على رأس الإدارة السياسية ستنتشر الرشوة والفساد والتخلّف، وستمتلئ الصفوف الأمامية بالمتزلّفين الكاذبين واللصوص المتخفّين بمظاهر أنيقة خادعة، وسيتحوّل جزء كبير من الناس ليكونوا أعواناً للفساد ليحققوا أمانهم المادي والمعنوي. وهذه الشخصيات في السلطة ومن يدور في فلكها ويتملّقها لا يستطيعون أن يكتشفوا أو حتى يلاحظوا وجود الفساد أو البؤس أو التخلّف، وحتى عندما يتكلمون عنه في خطابات رنّانة، فهم يتلون رسالات إنشائية كتبها لهم المتزلف الأديب والشاعر الخسيس وهي ولا تعني لهم شيئاً. وهذا الفريق المتخلّف اللص المتسلّط له ثلاثة امتدادات مثله كمثل شعار سيارات المرسيدس أو كمثل سجن صيدنايا. أحدها في الوظائف الإدارية والعسكرية والأمنية للسلطة الحاكمة، والآخر في القطاع المصرفي المولّد للسيولة النقدية الائتمانية الوهمية التي تسرق كل البركة والنعمة من المجتمعات، والثالث في المؤسسات الدينية المذهبية والأحزاب السياسية التي تستخدم الانتماءات الطائفية والعقائدية لإقناع الناس بأهمية الموت أو البؤس أو حتى التبرعات المادية للمؤسسات الدينية كحجّة تستخدم لإرضاء الله دفاعاً عن الانتماءات الغيبية الغبية.
والملاحظ في هذا السياق من التحالف الخطير بين إدارات سلطات الجبايات والإتاوات والمؤسسات الحزبية أو الزعامات الطائفية وبين المؤسسات المالية الربوية المتبرعة بسخاء للمؤسسات المذهبية الدينية هو أن الثلاثة يكرهون فكرة العدالة الإلهية والمحبة بين البشر، والكل يصرُّ على استبعاد الرسالات السماوية من خطط إدارة المجتمعات، علماً أن الهدف الأول لأي رسالة سماوية أو سياسية هي حسن إدارة شؤون الناس والقضاء على البؤس والظلم والفساد والتخلّف. فالرسالة المسيحية أمرت بمكافأة الخادم المنتج ومعاقبة الخادم البليد، والإسلام جعل في القصاص حياة، ووصف الخادم الصالح بالقوي الأمين والحفيظ العليم. أما فيزياء الطبيعة فقد جعلت من لسعة النحل الوسيلة الأمثل لرفع قدرات جهاز مناعة الجسم (the bee bite effect theory).

وهنا يأتي السؤال الأهم حول كيفية قياس إنتاجية الإدارة السياسية، أو إنتاجية موظفي إدارة السلطة كالعسكريين ورجال الأمن والقضاة والمربّين والمخططين الإستراتيجيين لنهضة المجتمع، وكيفية محاسبتهم أو مكافأتهم بحسب نظرية لسعة النحلة لرفع كفاءة جهاز مناعة جسم المجتمع.
وهذه مسألة مستحيلة على المدارس السياسية والاقتصادية الوضعية التي يعتقد البعض أنها متطورة كما يروّج دعاتها إلى فصل الدين عن إدارة الدولة، بينما لا يعلم معظم الناس أنها مدارس صهيونية هدفها الأساسي محاربة الإنسان وإخضاع البشرية للعبودية للمال وملوكه الصهاينة.
والمتعمّق بحكمة وعقل وإيمان في الرسالتين المسيحية والإسلامية سيكتشف أنهما رسالة واحدة، رسالة أعطت لفيزياء المال مساحة أساسية في إكتشاف نظرية لسعة النحل التي تولد الحاكم الخادم الذي يكافأ مادياً عند النجاح ويعاقب مادياً عند الفشل، والمسألة كلها متعلقة بفهم فيزياء المال وأنه مادة لها وزن وحجم وكثافة، وأن نمو الحجم على حساب تردّي الكثافة هو الربا أو التضخم المالي ويعني تسرّب النعمة والبركة والقيمة من المال، وعند حدوث التضخم يجب أن يعاقب المسؤول وكل حاشيته وموظفي إدارته لانهم الخادم البليد المسبب للفساد والإجرام وهم أعداء للّه، وأن نمو كثافة النعمة والبركة والقيمة في المال هو المقصود بزكاة المال أو العنصر الذي من عند الله في النقود والذي يجب أن يستعيده الله، وعندها يكافأ الخادم النشيط المنتج المسؤول في إدارة السلطة مع كل من ساهم بنمو النعمة والبركة في المجتمع.
وختاماً لهذه الرسالة لا بد من الإشارة إلى أن تحريف معنى الرسالات السماوية سمح للعنصرية الصهيونية بإمتلاك معظم ثروة العالم، وسمح بولادة الحكام والموظفين والجباة والعشارين في كل دوائر السلطات السياسية، وسمح بولادة أشباه المثقفين الذين وافقوا على استبعاد رسالة خالق البشرية الرحمن الرحيم من معادلة إدارة شؤون البشر. وأؤكد بأن كوكب الأرض بحاجة إلى ثورة ثقافية لاستعادة الحضارة الإنسانية، وبأن المسلمين والمسيحيين بحاجة إلى إعادة قراءة الرسالتين بعقل وحكمة وإيمان ليحرّروا أنفسهم والبشرية من الاستعمار الصهيوني لكرامتهم وإرادتهم ونعمة الله التي أنعمها عليهم. وهذه مسألة فكرية عقائدية وليست معركة قتال عسكري.

Leave A Reply

Your email address will not be published.