براءات ذمّة بالجملة وأموال المودعين بالمفرّق

 

بالرغم من إعلان الدولة العمل على حصرية السلاح وبسط سلطة الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية الواقعة جنوبي نهر الليطاني، وذلك تنفيذاً للقرار 1701 ومندرجاته، فإن الخروقات الإسرائيلية ما زالت مستمرة وبوتيرة متسارعة، حتى وصل قصف طيران العدو إلى عمق الضاحية الجنوبية، وصولاً إلى وسط البلاد واستهدافه لمحيط مدينة بعلبك. وقد ترافق هذا القصف مع تهديدات المسؤولين الإسرائيليين الذين أكدوا على استمرار استهداف الضاحية بحجة عدم السماح لحزب الله بالاستقرار فيها، معلنين استهدافهم لمنشآت صاروخية تابعة للحزب. هذه التطورات الأمنية والخروقات الخطيرة لم تجد من الدولة سوى عبارات الاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي لا سيما الدول الخمس المولجة بمراقبة وقف إطلاق النار القيام بدورها، فالدولة اللبنانية ودبلوماسيتها باتت أعجز من إجبار إسرائيل على الالتزام بالمقررات الدولية والقرارات الأممية، فالجميع يعلم أن العدو الإسرائيلي يضرب عرض الحائط بالقرارات الأممية وهو قد أعلن أكثر من مرة عدم احترامه لها، وبات واضحاً أن الجهة الوحيدة القادرة على لجم إسرائيل هي الولايات المتحدة الأميركية التي تحمل بيدها قرار الحل والربط. وبالتالي فإنه بات على لبنان التوجه مباشرة نحو الراعي الأميركي لوقف إطلاق النار، والبحث معه في الشروط الآيلة إلى تحقيق ذلك.

التوطين وتثبيت النازحين عنوانا المرحلة

في ظل هذا التدهور في الوضع الأمني يعود ملف النازحين إلى الواجهة من واجهة الاهتمام الأممي بهم وذلك من وجهة النظر الإنسانية، فالمنظمات الأممية لا سيما الـ UNCHR أي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تعتبر النازحين لاجئين بينما الدولة اللبنانية لا تعتبرهم كذلك إذ لا تنطبق عليهم شروط اللجوء، فإن وجودهم في لبنان هو لأسباب اقتصادية بحتة ولا شيء يحول دون عودتهم، لا سيما بعد بسط الدولة الجديدة في سوريا سلطتها وأصبحت معظم الأراضي والمحافظات السورية تعتبر أمكنة آمنة لعودة النازحين. إن إصرار المفوضية الأممية على طوعية العودة بحيث لا يمكن لأي نازح أن يعود إلّا إذا كان مقتنعاً بالعودة، وإن مجاراة أهل الحكم لهذا المنطق يضع أكثر من علامة استفهام، ويشكّل ضعفاً في مقاربة واحداً من أكبر المواضيع الشائكة التي تواجه لبنان والتي تشكّل خطراً كيانياً ووجودياً على وطن الأرز. إن الميزان الديمغرافي في لبنان بات أكثر من متأرجح وإن أي تلاعبا بهذا الميزان من شأنه تفجير البلد، وبالتالي فلا مصلحة لبنانية في بقاء النازحين فهم باتوا يشكّلون ليس فقط عبئاً اقتصادياً كبيراً إنما أيضاً عبئاً ديمغرافياً، وبالتالي فإن سكوت الدولة والحكم على هذا الموضوع ليس مسموحاً بعد الآن، وما يصح على موضع النزوح يصح على موضوع اللجوء، فالفلسطينيون باتوا يشكّلون خطراً حقيقياً على الدولة بكافة مؤسساتها وإن موضوع السلاح الفلسطيني المتفلت خارج وداخل المخيمات بات الفتيل الذي من شانه تفجير الوضع الأمني الهش في البلد وضرب مقومات القرار 1701، ولا سيما أن إسرائيل تتخذ من أي خرق لهذا القرار ولو جاء من غير اللبنانيين حجة لمهاجمة لبنان وشنّ حرب جديدة عليه. إن شبح التوطين بات يطلّ برأسه من جديد وذلك بالرغم من رفض الدولة بكل مؤسساتها لهذا الموضوع، والسؤال المطروح هل هنالك خطة خبيثة تعمل على تفجير البلد من جديد بغية التوطين؟، من المعلوم أن العدو لا يريد دولة فلسطينية بالمطلق ويعتبر أن هذه الفكرة هي فكرة سخيفة على حد قول نتنياهو، إذ إن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بدولة فلسطينية داخل حدود الدولة اليهودية وهي تصرّ على أن تكون هذه الدولة المزعومة خارج نطاق الدولة اليهودية. وهكذا تتضح الصورة وأصبحنا نفهم كل ما يجري على الساحة اللبنانية ولكن ما لا نفهمه هو تواطؤ أهل الحكم مع هذه النظرية.

ما يريده صندوق النقد وما يريده اللبنانيون

لقد رحّب صندوق النقد بقانون السرية المصرفية وتعديلاته، وما يهمّ الصندوق هو «من الآن وصاعداً»، من هنا جاء المفعول الرجعي لرفع السرية المصرفية محدّداً بعشر سنوات، أما ما يهمّ اللبنانيون هو معرفة من قام بالتحويلات وعمليات تبييض الأموال والسطو على ودائع الناس منذ العام 1990، عندها تصبح الجدوى من القانون شاملة وأكثر دقّة، ويمكن عندها للناس محاسبة وملاحقة من قام بأكبر عملية سطو في العصر الحديث. وما حدث بالنسبة لرفع السرية المصرفية سيتكرر بالنسبة لإعادة هيكلة المصارف وسد الفجوة المالية إذ من المرجح أن تتم إعطاء براءات ذمة للمصارف في مقابل حفنة من أموال المودعين. وتدفع الدولة القسم الأكبر من الفجوة المالية و«ينفد أصحاب المصارف بريشهم» فلا يتحمّلون إلّا القليل القليل من الخسائر التي يجب أن يتحمّلوها كلها، فالمصارف هي من غامرت بأموال المودعين وهي قد سبق وقبضت الفوائد الخيالية على سندات الخزينة التي وصلت إلى أكثر من 45%. من هنا فالمطلوب هو إعادة النظر بتوزيع الخسائر فهل تَشارك المودع مع صاحب المصرف الأرباح ليتشارك معه بالخسارة؟ سؤال يطرح.

* كاتب سياسي

Leave A Reply

Your email address will not be published.