تجربة وسيم منصوري.. هل تستحق إعادة التجديد له نائباً لحاكم «المركزي»؟
«لن يتمّ التوقيع على أيّ صرف لتمويل الحكومة إطلاقا خارج قناعاتي وخارج الإطار القانوني لذلك»، بهذه العبارة افتتح نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري مهامه حاكماً للمصرف المركزي بالإنابة، في الأول من شهر آب 2023.
فقد بدأ منصوري عهده بمواجه مع السلطة بوقف كل أشكال تمويل الدولة اللبنانية وإقراضها، من خلال إصراره على فصل المالية العامة للدولة اللبنانية عن حسابات المصرف المركزي، بعدما كان يتم خلال العقود الماضية بتمويل عجز الدولة بالإنفاق من أموال المصرف المركزي، سواء من خلال الاقتراض من أموال المودعين، التي بقي منها عندما تولّى منصوري مهامه قرابة 8.5 مليار دولار من التوظيفات الإلزامية، ما أدّى للمرة الأولى من سنين مديدة إلى الفصل بين أرصدة الدولة في المصرف المركزي والأموال الخاصة العائدة للمصرف.
يسجل لمنصوري أنه تمكّن خلال عشرين شهراً من إعادة لبنان إلى الخارطة المالية العالمية، بعد شبه عزلة أصيب بها نتيجة حجب المصارف الأموال عن المودعين، وتخلّف الدولة عن سداد ديونها السيادية بطريقة غير منظمة، وإعادة نسج العلاقات مع دول القرار المالي وتحييد القطاع المصرفي برمّته عن تداعيات إدراج مجموعة العمل المالي «فاتف»، لبنان على اللائحة الرمادية، واتهام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بتبييض الأموال ثم إدراجه على لائحة العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، وبالتالي توقيفه من قبل القضاء اللبناني.
أول ما قام به منصوري تنظيم الحساب 36 الخاص بالدولة اللبنانية لدى المصرف المركزي، وهو ما مكّن الدولة من خلق نوع من التوازن بين نفقاتها وإيراداتها، فلأول مرة منذ 50 عاماً أصبح هناك فائض في موازنة الدولة موجود لدى مصرف لبنان.
وفي نفس الوقت ألغى تعددية سعر الصرف، حيث كان في لبنان ثلاثة أسعار للصرف بين سعر منصة صيرفة، وسعر السحوبات من المصارف، وسعر صرف الدولار في السوق الموازية، إذ أن هذه التعددية كانت سبباً أساسياً للمضاربة على النقد الوطني وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وتذويب ودائعهم. وهو ما أدّى إلى استقرار سعر الصرف.
وألغى منصوري جميع التعاميم التي كانت تلزم المودعين بسحب ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية، ما تسبب بذوبان أموالهم، فأصبحت السحوبات بالدولار الأميركي تطبيقا للتعميمين الأساسيين 158 و166 مطلع العام 2024، حيث استفاد من هذه التعاميم ولغاية نهاية عام 2024، أكثر من 431.4 ألف مودع، وبمجموع مبلغ وصل إلى أكثر من 3.6 مليار دولار.
وبموازاة ذلك، أعدّ منصوري تحضير الآليات والدراسات التشريحية المتعلقة بأموال المودعين في المصارف اللبنانية والتي أصبحت موجودة لدى الحكومة اللبنانية، والتي من المفترض أن تستخدمها في أيّ خطة إنقاذ اقتصادية ستصدر عنها.
لا شك أن المنصوري تمكّن خلال عشرين شهراً من تولّي منصب حاكمية مصرف لبنان بالإنابة من تحصين القطاع المالي من خلال التدابير التي إتخذها، حيث عبّد الطريق أمام الحاكم المنتظر تعيينه بإجراءات تهدف الى الإستقرار المالي ووقف تمويل الدولة وديمومة العمل المصرفي وتحصينه، بعدما تمكّن من فك عزلة لبنان المالية.
بناءً على ذلك، من الإنصاف الإستفادة من شخص وتجربة وسيم منصوري، سواء بإعادة تعيينه نائباً لحاكم مصرف لبنان (قانون النقد والتسليف يتيح ذلك)، ليشكّل ثنائياً ناجحاً مع الحاكم، أو أن يكلف بمهام أو بمنصب بما يتناسب مع إختصاصه ومع كفاءته، بحكم ما حققه من انجازات على صعيد مصرف لبنان في ظروف دقيقة جراء الشغور الرئاسي ومحدودية عمل حكومة تصريف الأعمال وشلل مجلس النواب والخلافات والإنقسامات الداخلية، فضلاً عن التداعيات الكارثية للعدوان الإسرائيلي على لبنان. وهي تجربة تستحق التمسّك بها، والمضي بالآلية التي انتجت استقراراً نقدياً وارتفاعاً في الاحتياطي بالدولار، ووقف الهدر المالي، وإعادة الانتظام لمؤسسة المصرف المركزي، وتنشيط ال
علاقات الدولية.