الاحتراق الوظيفي: كيف يشبه العلاقات السامة؟

الاحتراق الوظيفي يشبه إلى حد كبير العلاقات السامة، إذ يمكن أن نخرج منه مثقلين بالطاقة السلبية، وبحاجة إلى وقت طويل للتعافي، أو نتحرّر منه وكأننا استعدنا حياتنا التي كادت تضيع. آثاره الجسدية والنفسية ليست هينة، ولا يمكننا التغاضي عنها باعتبارها مجرد أزمة عابرة، أو الاستمرار في الضغط على أنفسنا تحت وطأة المسؤوليات الحياتية وتراكم الفواتير. في كلتا الحالتين، إهماله قد يكلفنا مرتين: مرة بالإرهاق، ومرة بعلاج تداعياته.

في عام 2019، صنفت منظمة الصحة العالمية (WHO) الاحتراق الوظيفي كـ “ظاهرة مهنية” وليس كتشخيص طبي، وذلك ضمن التصنيف الدولي للأمراض(ICD-11) . أما التعريف النفسي له، فهو متلازمة ناتجة عن الإجهاد المزمن في مكان العمل الذي لم تتمّ إدارته بنجاح

انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير أخيراً؛ ولنتعرف على واقعها عن كثب، نجد مثالاً لشخص كان يعاني بسببها. هذا الشخص لم يكن مجرّد حالة اعتمدتها لكتابة مقال حول هذا الموضوع، بل هو من أوحى لي بهذه التجربة التي مرّ بها. لم تكن تجربته سهلة؛ فقد كان “رائد” يعمل بإخلاص واجتهاد، لكنه بدأ في فترة ما يشعر بتأثيرات سلبية تنعكس عليه. لم يكن يلقى التقدير الذي كان يستحقه، وكان الإطراء يذهب إلى غيره. ربما كانت شخصيته الواضحة هي السبب في ذلك، إذ كانوا يعتقدون أن لديه “Attitude”. ولكن ما علاقة ذلك إذا كان الشخص يلتزم بكل ما عليه من واجبات يقول رائد؟

أثناء نقاشنا، حاولنا أن نرى هذه الأزمة كفرصة للتغيير، فلربما كان الخطأ من رائد ولم نلحظه، أو ليس ابن آدم خطّاء؟ ولا ننسى كتب التنمية البشرية والفيديوهات التحفيزية التي تشجّع على التغيير وتحويل الأزمات إلى فرص. لِمَ لا؟

حاول رائد المبادرة أكثر من مرة، لكن محاولاته لم تنجح، حتى جربنا استخدام ChatGPT للحصول على النصيحة، من دون أن نلاقي هذه المرة نجاحاً أيضًا. كان الجوّ سامًّا للغاية، حتى بدأت تظهر على رائد علامات نفسية وجسدية، فأثرت بشكل أكبر على عمله، ليصل إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي.

تقول الاختصاصية النفسية إليسا رشدان لـ”النهار” إن الموظف يمر بحالة الاحتراق الوظيفي عندما يتعرض لتوتر قوي لفترات طويلة، فيفقد الشغف كما حدث مع رائد، وتخفّ طاقته، ويصبح عصبيًا، حادّ الطباع، وفاقدًا للهدف. من ناحية الأعراض الجسدية، قد يشعر بتشنّج في العضلات، تعب دائم، مشاكل في نظامه الغذائي، وربما يشعر بالانعزال.

لا يمكن أن ننكر أن أيّ شخص يحاول جاهداً ألا يخسر عمله، خاصة إذا كان يحبّه، لكن عدم تأمين بيئة آمنة للعمل ومريحة للموظف قد تكون عواقبه وخيمة ليس على الموظف فقط، بل على الشركة نفسها.

كانت نهاية رائد سعيدة، فقد اختار صحته النفسية بدلاً من أن يحترق أكثر. وعند تقديم استقالته شعر بأن الأعراض النفسية والجسدية التي كان يعاني منها بدأت تتلاشى وكأنها فقاعة أو غيمة سوداء. ربما لم يفهم رائد ما الخطأ الذي اقترفه، لكن المعاناة التي عاشها جعلته يدرك أن هناك فرصًا أخرى تنتظره.

Leave A Reply

Your email address will not be published.