إعادة تشغيل سكّة الحجاز إلى الواجهة
عاد الحديث عن إعادة تشغيل خطّ سكة حديد الحجاز بين إسطنبول ودمشق إلى الواجهة، مع إعلان وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، في نهاية شهر كانون الأوّل من العام 2024 أنّ بلاده ستقوم بتنفيذ خطة من 5 مراحل، للمساعدة على إعادة إعمار سوريا، تتضمّن إصلاح وتأهيل منشآت النقل البريّة والبحريّة، بالإضافة إلى المطارات.
نقلت وسائل إعلام تركيّة عن الوزير التركي، قوله إنه تمّ إنجاز تقييم لحالة مطاريْ حلب ودمشق، بقصد إعادة تأهيلهما، بمساعدة مباشرة من الإدارة العامة للمطارات التركية. وتتضمن الخطة، بحسب صحيفة “تركيا اليوم”، إعادة تشغيل خطوط السكة الحديديّة المتّجهة إلى العاصمة السورية دمشق، التي كان بعضها جزءاً من خط سكة حديد الحجاز الشهير.
وقال أورال أوغلو، إنّ “إعادة تأهيل منشآت النقل السوريّة ستشمل أجزاء من سكة حديد الحجاز”.
ودخل ذلك الخطّ الشهير الخدمة عام 1908، وكان يُمثّل السكة الحديديّة الوحيدة التي تمّ إنشاؤها في المنطقة تحت سلطة الدولة العثمانية، وسكة حديد الحجاز وفّرت عند إنشائها ربط إسطنبول بالمدينة المنورة، عبر دمشق، مع وجود خطّ إضافي نحو مدينة حيفا، تمتدّ فروعه إلى كل من عكا ونابلس.
وستربط “الخطوط المُزمع إعادة إحيائها تركيا بسوريا عبر شبكة سكة حديدية وطرقات سريعة”، بحسب تصريح الوزير التركي.
أهميّة موقع الشرق الأوسط
حول أهمية هذا الملف، يشير أستاذ الاقتصاد باسم البواب لـ “نداء الوطن” إلى أنّ “إعادة إحياء خط الحجاز بين تركيا والخليج مشروع قديم جدّاً، وكان قائماً بشكل بدائي في الماضي”.
ويوضح أنّ “التواصل والنقل العالمي منذ العصور البدائية يعتبر من أساسيات الحياة بعد الطعام، وتحته يندرج التواصل بين المجتمعات ونقل البضائع والأشخاص. وعبر التاريخ تطوّرت وسائل التنقل من الجمال والأحصنة وصولاً إلى الآليات التي تعمل على الكهرباء والطاقة المتجدّدة في أيامنا هذه. أما موقع الشرق الأوسط فهو ذو أهميّة استثنائية لأنه صلة وصل بين آسيا وأوروبا، وفي الماضي كانت التجارة العالمية كلها تمر عبر بلاد الحجاز وبلاد الشام”.
الأسرع والأسهل… أهميّة البرّ
يُتابع: “اليوم مع ارتفاع عدد سكان العالم وتزايد كمية البضائع وأصناف السلع والقدرة الشرائيّة وغيرها من التطورات زادت المتطلبات. وسائل النقل البحري والجوي المُعتمدة للتجارة كلها مهمة، لكن البر يُوازيها أهميّة لا بل يفوقها، لا سيّما عبر القطارات التي تعد الأسرع والأسهل ومن الأكثر قدرة على نقل كميات كبيرة من البضائع، وستشهد التجارة البريّة أرقاماً ضخمة في السنوات المُقبلة”.
ويُوضح أنّ “التطور العالمي الذي ساهم في تكثيف وتنويع وتحديث وتسريع وسائل النقل، أثّر إيجاباً على التجارة حول العالم مع استفادة مختلف المجتمعات العالمية، لأن السلع باتت تصل بطريقة أسرع وبأسعار أرخص وأصناف متنوّعة، مع المساهمة في انفتاح الثقافات على بعضها”.
انعكاسات خطّ الحجاز على لبنان
وفي حال إعادة إحياء خط الحجاز، يؤكّد البواب أنّ “الأثر الاقتصادي على لبنان مباشر، لا سيّما لجهة السرعة في وصول البضائع وتدني كلفتها، وهذان العاملان أساسيّان في تقييم وسيلة النقل للتجارة. وكما ذكرنا القطار هو من الأوفر لهذا يُعتمد عليه بكثرة في أوروبا. كذلك، يزداد التنوّع في السلع ويرتفع الطلب”.
يضيف: “إلى الانعكاسات الاقتصاديّة، أيّ بلد تمرّ عبره السكة الحديدية يستفيد من عائداتها عبر رسوم تدخل إلى خزينته العامة. كذلك، يخلق فرص عمل جديدة، ويحرّك أيضاً الاستثمارات لبناء وتطوير وصيانة البنى التحتية”.
إحياء الخطّ وارد
يرى البواب، أنّ “احتمال إعادة إحياء الخط وارد، لأن السياسات تتغيّر في المنطقة والعالم، مع زيادة الانفتاح والاتجّاه نحو معالجة موضوع الحروب في السنوات المُقبلة. لكن، لم يصدر أيّ قرار أو خطة بعد للتنفيذ، إلّا أن الصين والهند وحتى أوروبا تدفع في هذا الاتجاه نظراً إلى الفوائد التي تستفيد منها من تخفيض الكلفة وتسهيل وتنشيط التجارة”، لافتاً إلى أن “الصين باتت مركز التصنيع العالمي، وتأثيرها كبير جداً علينا لأن أكبر نسبة من البضائع الاستهلاكية تستورد منها، لذا كلما زادت الصين خطوط النقل من الشرق الأقصى أي خط الحرير وصولاً إلى أوروبا، ستسهل التصدير. إذاً هذا المطلب دولي لأنه يُفيد العالم بأكمله”.
“نقطة جيوسياسيّة”
يختم البواب متحدّثاً عن “نقطة جيوسياسيّة مهمة يفترض أخذها في الاعتبار، هي أن الصين تُحاول استرجاع موقعها كقوّة عظمى بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي تقريباً الوحيدة في العالم التي تحمل هذه الصفة. وتسعى الصين إلى تحقيق أهدافها عبر التجارة وتقوية علاقاتها بدول عربية وأفريقية وبروسيا وأوروبا، كي تبقى قوّة اقتصادية وسياسية عالميّة ضخمة تتمتع بقدرة تنافسية. وخوف أميركا اليوم لم يعد من روسيا بل من الصين إنْ كان لناحية الإنترنت أو التجارة أو الصناعة، أو المحاولات لمواجهة هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي بالتوافق مع “البريكس””.
جدير بالذكر، أن فكرة إنشاء خط سكة حديدية في منطقة الحجاز تعود، بحسب المصادر التاريخية التركية، إلى النصف الثاني من القرن الـ 19 الميلادي، حيث تمّ طرحها من قبل مهندس ألماني ذي أصول أميركية، وبحلول عام 1891، أرسل عثمان نوري باشا، القائد العثماني المسؤول عن منطقة الحجاز تقريراً إلى عاصمة الخلافة إسطنبول، يشير فيه إلى أهميّة بناء سكة حديدية بين جدة ومكة المكرمة، من أجل الحجّاج.