الضاحية… أولى ملامح التعافي «الشاقّ»

 

ما إن وضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها، وأُعلن وقف إطلاق النار، حتى بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. ووسط مشاهد الدمار الذي طال الأبنية والمحالّ التجارية، عادت الحركة، ولو بحذر، إلى الأسواق التي تعرّضت لأضرار جسيمة، لتجسّد فعل تحدٍّ وصمود أمام الظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة. لم ينتظر التجار طويلاً لإعادة فتح أبواب محالهم. فمن شارع الجاموس إلى سان تيريز ومعوض وصولاً إلى سوق الجمال في الشياح، بدأ أصحاب المحال معاينة الأضرار واستعادة الزخم التجاري شيئاً فشيئاً. التجار، كما السكان، تعاملوا مع العودة، كأمر واقع لا طائل من تأجيله.

رغم الواجهات المدمّرة والزجاج المحطم، سارع صاحب أحد محالّ بيع الأدوات المنزلية، إلى تنظيف المكان وإعادة ترتيبه فور انتهاء العدوان. يقول: «لا يمكننا الانتظار أكثر، أرزاقنا تعطّلت لشهرين. عدت في اليوم التالي مباشرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فالحياة لن تتوقف». ويضيف أن «الطلب كان مرتفعاً على الزجاجيات والأدوات البلاستيكية، لتلبية حاجة السكان إلى إعادة تجهيز مطابخهم المتضرّرة». لكنه يشكو من ارتفاع الأسعار من قبل الشركات المورّدة، مثل «كامبلاست» التي رفعت أسعارها بنسبة 10% وألغت الحسومات التي كانت تصل إلى 18% للتجار الذين يشترون كميات كبيرة. يرى هذا البائع أن هذا الارتفاع هو استغلال غير مبرر لحاجة الناس.

في محلّ لبيع الملابس، كانت موظفة البيع منهمكة في ترتيب واجهات العرض بعد إصلاح الديكور والزجاج المكسور، وقالت: «تأخّرت في فتح المحل بسبب وجودي خارج لبنان أثناء العدوان، لكنني عدت فور إعلان وقف إطلاق النار. الحركة بدأت تعود تدريجياً، وهناك زبائن يمرّون للاستفسار والشراء، لكن الوضع لم يعد كما كان قبل الحرب». وكأحد الحلول المبتكرة للتأقلم مع الركود، لجأ بعض التجار إلى إستراتيجيات بديلة لتحريك المبيعات. فصاحبة أحد محالّ الألبسة اختارت التعامل مع الظروف بطريقة مختلفة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عرضت بضائعها أونلاين وقدّمت خدمة التوصيل: «هذا الحل ساعدني في تحريك المبيعات وتعويض جزء من الخسائر، خاصة أن كثيرين يتجنبون القدوم إلى المنطقة بسبب الأضرار وانبعاث الروائح والغبار».

أما في سوق الجمال، أحد أبرز الأسواق الشعبية، فتبدو الصورة مختلفة. تقول إحدى البائعات: «خلال الحرب كنا نغلق محالنا فقط عند توجيه إنذارات الإخلاء. اليوم الوضع لا يزال صعباً؛ الناس تركّز على إصلاح منازلها وشراء الضروريات». ويُضيف أحد الباعة المتجوّلين أن «الأسبوع الأول بعد وقف إطلاق النار شهد نشاطاً نسبياً، خاصة على الملابس الداخلية والبيجامات السميكة مع قدوم فصل الشتاء»، لكنه يلاحظ تراجع الحركة في الأيام الأخيرة من الشهر، مبرراً إحجام الزبائن عن الشراء في النصف الثاني من الشهر لأن الرواتب تشرف على الانتهاء». وأشار إلى أن تعقيدات استيراد البضائع من سوريا وارتفاع أكلاف الشحن بسبب تعقيدات الطريق وتضاعف الوقت، انعكست على الأسعار.

بدورها تلفت صاحبة أحد محالّ بيع البياضات والمناشف، إلى أن الطلب على الاحتياجات الأساسية بات في الصدارة، لافتة إلى أن الطلب كان جيداً رغم ارتفاع أكلاف الاستيراد بنسبة 10%. تقول: «أحاول أن أتحمل جزءاً من الكلفة بدلاً من تحميلها للزبائن، فالظروف تتطلب أن نتحمل جزءاً من العبء عوض تحميله للناس».

في شارع معوض، الذي كان يوماً القلب التجاري القديم للضاحية الجنوبية، يبدو الوضع أكثر تعقيداً وأقل تفاؤلاً. المنافسة التي فرضتها الأسواق الناشئة في مناطق مثل شارع الجاموس وأوتوستراد السيد هادي في السنوات الماضية تفاقمت بعد الحرب. يقول أحد الباعة: «الحركة ضعيفة جداً، والزبائن يقتصرون على شراء الملابس السوداء للحداد أو الضروريات للعائدين إلى منازلهم. السوق اليوم لم يعد كما كان».

رغم مشاهد استعادة الحياة التجارية في الضاحية، إلا أنها ستكون عودة محفوفة بالتحديات، إذ لا يمكن إغفال الارتفاع التدريجي في الأسعار، بما يضعف القدرة الشرائية إلى جانب تعقيدات الاستيراد والشحن التي، كلها، تجعل من التعافي الاقتصادي مهمة شاقة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.