ما هي التحديات التي ستواجه سعر الصرف في العام 2025؟
كما يقول الكثيرون لبنان على موعد مع دخول مرحلة جديدة،فمع انتظار انتخاب رئيس في 9 كانون الثاني المُقبل مع ما سيترتب ذلك من تشكيل حكومة جديدة وإعادة انتظام المؤسسات تتجه الأسئلة إلى ما يمكن أن ينتظرنا اقتصاديا في العام 2025، مع العلم ان عام 2024 شهد استقرارا نسبيا وسعر صرف الدولار ظل ثابتا، وبناء علبهشهدنا بعض المؤشرات الإيجابية المرتبطة بميزان المدفوعات الا ان الوضع الاقتصادي لم يتعافَ وهناك العديد من الخطوات المطلوبة لكي يخرج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية.
الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود يقول إن اهتمام المواطنين بسعر صرف الدولار هو محق ومشروع،ولكن سعر صرف الدولار بين ثباته وعملية تحركه ضمن ضوابط وهوامش معينة،فإن ثباته ليس بالظاهرة الصحية على الإطلاق لأن الأهم هو ان تلعب العملة الوطنية دورها لكي تكون عملة تداول حقيقية وادخار لأنه من الصعب جداً في أي معادلة نقدية أن يحافظ سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملة الأجنبية بحال لعبت دورها،ولكن الليرة اللبنانية لا تلعب هذا الدور.
ويضيف:«كلنا يعلم بأن العملة اللبنانية هي ليست عملت تداول،بل هي عملت تداول مؤقتة يومية أي حتى لو قام جميع المواطنين بالدفع بالليرة اللبنانية، نتيجتها تكون بالتحول إلى دولار لتكون عملية سد احتياجات البلد سواء بالاستيراد أو سواه والوحيد،والمرة الوحيدة التي تستخدم فيها الليرة اللبنانية كعملة دفع بمبالغ ضخمة هي من خلال دفع الضرائب والرسوم،وهذه الضرائب والرسوم تذهب بدورها إلى وزارة المالية، ولكن هل ما تجمعه الوزارة هو فائض أم إدخار أو حفاظ على العملة الوطنية، أم سببها هو أن الإنفاق لا يكون في الشكل الذي يستطيع أن يقدم للبنان دوره إن كان في بناء قطاع عام صحيح من خلال الإنفاق عليه من خلال الرواتب والأجورأو إستثمارات في البنية التحتية في البلد؟، وكيف يمكن أن يشكل هذا الأمر دعم للإقتصاد؟».
ويتابع قائلاً:«العملة والسياسة النقدية هي كما السياسة المالية أداة لأجل الإقتصاد،لذلك نحن نرى أنه لا السياسة المالية لها وجه إقتصادي، أو حتى السياسة النقدية لها وجه إقتصادي لذلك تبقى العملة الوطنية هي الأساس في إنعاش الإقتصاد، وفي الحقيقة العملة الوطنية لا تلعب دورها في انعاش دورها كأداة إقتصادية لذلك هذا شيء غير مقبول».
ويشدد على أنه خلال أي مرحلة جديدة يجب رسم سياسة مالية ونقدية لها وجه إقتصادي،وفي حال الاقتصاد عبر ميزان المدفوعات يرى أن هناك تدفقات في العملة الأجنبية تتجاوز خروج أو استعمال العملة الأجنبية في الإقتصاد من الممكن حينها الحفاظ على سعر الصرف،أما في حال كانت التدفقات المالية لا تكفي لإحتياجات البلد في العملات الأجنبية لاسيما بأن لبنان يستورد في درجة أولى وبحاجة إلى استثمار كبير في البنية التحتية وفي القطاع العام لكي يكون هناك قطاع عام صحيح فلا يمكن أن يكون هناك قطاع عام بهذه الرواتب والأجور، لذلك ما هو جاري فيما يتعلق بثبات سعر الصرف هو على حساب بناء قطاع عام وبناء إقتصاد،ويمكن أن يكون مبررا لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري باعتبار أن مرحلته تنتهي في شهر 6 من العام 2025، ولبنان غير مستقر سياسياً، ودستورياً وليس هناك أي رؤية أو خطة إقتصادية تتعلق بإعادة نهوض البلد سواء في القطاع العام أو في الإقتصاد أن يكون الإنفاق مراقب ومتحكم فيه.
ويختم حمود قائلاً:«هناك كتلة نقدية كبيرة جداً لدى القطاع العام في وزارة المالية موجودة في مصرف لبنان، ولكنها لا تصرف سواء في بناء قطاع عام أو إنعاشاً للإقتصاد، وهذه الكتلة بمعظمها في الليرة اللبنانية. لذلك الإستقرار في سعر الصرف سببه أن الليرة اللبنانية تستعمل إما من أجل «الفراطة»، أو بسبب دفع الرسوم أو الضرائب، لذلك هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر، ولا شك أننا على أبواب مرحلة جديدة بغض النظر إذا تحقق استحقاق 9 كانون الثاني أو تأجل لبعض الوقت، ولكننا ذاهبون باتجاه إنتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة تكون أولى مسؤولياتها هي بناء إقتصاد وقطاع عام وإدارة صحيحة لأنه لا يمكن أن يكون هناك إقتصاد في حال لم يكن هناك قطاع عام وقطاع مصرفي صحيح،لذلك يجب بناء القطاع العام وتحديد دوره في الإقتصاد،ويجب إعادة هيكلة القطاع المصرفي ولا يمكن أن تتم إعادة الهيكلة من دون حفظ أموال الناس والمودعين».
ومن جهته مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني يعتبر أن استقرار سعر صرف الليرة سببه الأساسي هو أن المصرف المركزي خفَّض كمية النقد بالتداول،وتوقف عن تمويل الدولة اللبنانية سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي، وعندما يتوقف المصرف المركزي عن تمويل الدولة بالليرة اللبنانية فهو لم يعد بحاجة إلى طباعة الليرة اللبنانية،وبالتالي عدم طباعة الليرة اللبنانية يؤدي إلى استقرار في سعر الصرف،أما عندما لا يقوم بتمويلها بالدولار فهو يحافظ على احتياط العملات الأجنبية لديه،ومن الممكن أن يرتفع أيضاً مثلما هو حاصل الآن في لبنان،وهذا ما يزيد الثقة والضمانات فيما يتعلق باستقرار سعر الصرف، وهذان العاملان هما أساس استقرار سعر الصرف وتخفيض الكتلة النقدية بالليرة.
ويضيف مارديني:«إن زعزعة هذه الثوابت هي التي ممكن أن تؤدي إلى إنهيار سعر صرف الليرة،ولا شك أن هناك مخاوف من انهيار سعر صرف الليرة مع بداية العام 2025 ولكن ليس بالضرورة أن تتحول هذه المخاوف لدينا إلى حقيقة وواقع،ففي حال تابع المصرف المركزي السير في سياسته الحالية بهذا الصدد من الممكن أن يبقى سعر الصرف مستقراً،أما في حال حصل أي تغيير في سياسة المصرف المركزي فحكماً سيكون هناك خطر على سعر صرف الليرة».
ويشير إلى أن الحكومة اللبنانية تحاول تسويق عند الجهات الأجنبية بأن لبنان كان تحت العدوان الإسرائيلي، وتعرض لدمار هائل،ولذلك هي بحاجة إلى صرف المزيد من الأموال من أجل المساعدة في إعادة الإعمار، ويكون لها القدرة على إزالة مخلفات الحرب ومساعدة النازحين وسواها،مستغلين حالة التعاطف الدولي الموجود في نهاية المطاف مع لبنان، فالأمور التي كان المجتمع الدولي لا يساعد فيها لبنان باتت بعد الحرب اسهل نظراً لأضرار الحرب الباهظة التي تكبدها لبنان،لذلك الخوف من أن غض النظر الدولي الموجود حالياً أو رغبة المجتمع الدولي بالتعاطف مع لبنان قد يؤديان إلى نتائج سيئة في هذا الإطار.
ويردف:«وعلى سبيل المثال في حال كان للحكومة حساب في مصرف لبنان، وقامت الحكومة بصرف مبالغ من خلاله بسبب الحرب،وفي حال بدأت بصرف الأموال من هذا الحساب فهذا سيؤدي إلى إنخفاض إحتياطي مصرف لبنان بالعمولات الأجنبية، وعلى المدى المتوسط يؤدي إلى إنهيار في سعر صرف الليرة، وهذا ممكن أن يكون التحدي الأكبر للبنان في العام 2025 وهو تغاضي المجتمع الدولي عن هذا الأمر الخطير لأنه سيكون مسبباً لإنهيار سعر صرف الليرة».
ويرى أن المصرف المركزي هو الحامل الأكبر لسندات الخزينة اللبنانية، أي أن مصرف لبنان فعلياً قام بتديين الدولة اللبنانية مبلغاً ضخماً من خلال هذه السندات،فعلى الرغم من أن الدولة اللبنانية تمتلك بعضاً من المليارات ولكنها هي فعلياً «مديونة» للمصرف في مبلغ يعتبر أكبر بكثير، وبالتالي فإن التصرف القائم على أن هذه المليارات القليلة التابعة للدولة والموجودة في مصرف لبنان تابعة لها لغض النظر عن أن الدولة اللبنانية متخلفة عن دفع ديونها، وهي بحالة عدم سداد لليوروبندز،فهذه مشكلة كبيرة،ففي حال كان هناك فائض في حساب الدولة اللبنانية، هذا الفائض يجب أن يُستعمل لإعادة هيكلة الديون وتقسيطها،وحل مشكلة الدين العام والسماح للبنان بالعودة للأسواق المالية العالمية وتجنب صرف هذه الأموال «شمالاً ويميناً» لأن صرفها سيؤدي إلى إنخفاض إحتياطي لبنان بالعمولات الأجنبية وارتفاع الضغط على الليرة اللبنانية في المدى الطويل.
وفيما يتعلق بإعادة الإعمار يؤكد مارديني إذا لم تصرف الأموال التابعة للدولة لإعادة الإعمار أو معالجة مشكلة المتضررين جراء هذه الحرب،فالحل هو جذب المساعدات واستثمارات أجنبية وهذا أمر سهل في حال حصل هناك ضمانات لأن هذه المساعدات ليست معرضة للسرقات بشكل مطلق، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على أموال الدولة الموجودة في مصرف لبنان.
ويختم:«يبقى العامل الأساسي والأهم هو كيفية صرف هذه الأموال،ففي حال صرفت هذه الأموال بشكل سليم فهذا يجذب المساعدات الدولية للبنان ولا يعود هناك أي داعٍ من استعمال الأموال الحكومية لدى مصرف لبنان،وهذا ما يساعد على استقرار سعر صرف الليرة على المدى الطويل واعادة الإعمار بكلفة ونوعية ممتازة، أما في حال تمت العودة إلى ممارسات الماضي بأن يكون هناك عارض وحيد يفوز في جميع المناقصات فإن هذا لا يشجع المساعدات والاستثمارات الأجنبية بالعودة إلى لبنان،ويساهم بدوره في تأخير ورشة إعادة الإعمار وهذا هو التحدي الأكبر للعام 2025 وهو كيفية اعادة الإعمار،هل سوف يتم التحجُّج بالحرب من أجل هدر ما تبقى من أموال المودعين في المصرف المركزي من احتياطي مصرف لبنان مما يهدد سعر صرف الدولار على المدى الطويل؟».