النقابات الصحية ما بعد الحرب: نواجه تحدّيات مصيرية
برهن القطاع الصحي خلال حرب مدمّرة دامت 66 يوماً على أنه يمتلك أرضية يُعوّل عليها لإنقاذ ما تبقّى منه، «بدءاً من صموده، رغم الظروف الصعبة، مروراً بتضامن جميع مكوّناته وتماسكها، وليس آخرها علاج أكثر من 16500 جريح خلال 9 أسابيع مع متابعة المرضى العاديين»، بحسب نقيب الأطباء يوسف بخاش. في المقابل، برزت خلال الحرب نقاط ضعف كانت مرآة للخلل في السياسات الصحية على مدار عقود. وعليه، اجتمعت 13 نقابة في القطاعات الصحية المختلفة أمس (الطب العام، وطب الأسنان، والصيدلة، والتمريض، والمختبرات، والعلاج الفيزيائي والنفسي، وقطاع المستشفيات، ومستوردو الأدوية والأدوات الطبية…)، لمناقشة «التحديات الوجودية والمصيرية في القطاع الصحي» المتراكمة جراء الانهيار المالي وانفجار المرفأ وجائحة كورونا، والمستجدّة بعد الحرب نتيجة نزوح العاملين في القطاع وتعطل أعمالهم وتضرر المستشفيات والمنشآت الصحية، وذلك بهدف «وضع الحلول والرؤى المستقبلية للقطاع وتحديث القوانين بما يتلاءم مع نظام صحي عصري»، كما يقول بخاش الذي ترأس الاجتماع.
تناولت كلّ نقابة هواجسها ضمن ورشة عمل قبل الإعلان عنها في مؤتمر صحافي. نقلت نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان عبير الكردي مثلاً «خسارة عدد من الممرضين بيوتهم وتعطل أعمالهم خلال شهرين من الحرب بعد إقفال المستشفيات كلياً أو بعض أقسامها. ومع تضرر المستشفيات بشكل كامل أو جزئي، يبرز تحدي التعويض عن الممرضين الذين توقف عملهم لفترة أطول، علماً أنها ليست مسؤولية النقابة بل وزارة العمل لأن المشكلة لا تنحصر بقطاع التمريض، بل تخصّ مختلف القطاعات».
وخرج تجمّع نقابات المهن الصحية بتوصيات عامة تعبّر عن هواجس مشتركة مع اقتراحات لحلها، مشدداً على أنّ «الأولوية لتحرير أموال صناديق التقاعد المحتجزة في المصارف، عن طريق الاقتراح على البنك المركزي التعامل مع حسابات النقابات على أنها حسابات خاصّة للمتقاعدين والسماح لهم بصرف مبالغ شهرية بحسب التعاميم التي أصدرها». كما أولى المجتمعون أهمية لتنظيم الظهور الإعلامي للعاملين في القطاع الصحي، «لقطع الطريق أمام منتحلي صفة تتعلق بمهن صحية، ومن يدّعون تخصّصهم الطبي والصحي في وسائل الإعلام، وخاصة المرئية». واقترح بخاش في هذا الإطار «إنشاء لجنة من جميع النقابات المعنية تحت غطاء وزارة الإعلام تؤمن التواصل بين وسائل الإعلام والمتخصصين بما يتناسب مع مضمون كل مادة إعلامية وما تتطلبه».
على الصعيد التشريعي، طالب النقابيون بتفعيل عجلة العمل التشريعي لتمرير القوانين والمراسيم التطبيقية المعنية بتنظيم المهن الصحية وتطوير القطاع العالقة في أدراج اللجان النيابية قبل الحرب، مثل «قانون تنظيم مهنة التمريض الرقم 221 الذي صدر عام 2021، الذي لم يُستكمل بمراسيم تطبيقية»، بحسب الكردي. وبعدما تكررت حوادث تكسير المستشفيات والاعتداء على العاملين في القطاع الصحي والاستشفائي، شدّد النقابيون على تطوير قوانين حماية العاملين، بالإضافة إلى تشريع إلزامية انتساب الأعضاء الى النقابات المعنية حرصاً على آداب المهنة. ومن بين التوصيات أيضاً زيادة بدل أتعاب الخدمات الطبية والجراحية من قبل الجهات الضامنة الخاصة والرسمية بما يتماشى مع حجم التضخم المالي وللحفاظ على الكوادر والمتخصصين.
وتسعى نقابات المهن الصحية إلى إنشاء خريطة استشفائية وطبية تغطي كل الأراضي اللبنانية وتتماشى مع حاجة المواطنين بحسب توزّعهم على الأقضية. ويبرز الاهتمام بدعم العناية في الصحة النفسية من خلال اعتراف وزارة الصحة والجهات الضامنة الخاصة والرسمية بها لتغطية الجلسات، ودعم المتخرجين الجدد، وضمان التدريب المستمر للكوادر البشرية. وإلى ذلك، قُدّمت اقتراحات حلول تحفظ صحة المواطن مثل دعم مشاريع التغذية بهدف الوقاية من الأمراض المزمنة، ومراقبة مراكز الرعاية الأولية، وحصر تراخيص فتح المختبرات الطبية بذوي الاختصاص مع مراقبة جودة الفحوصات، ومنع المضاربات غير الشرعية وفرض تسعيرة موحدة، والتغطية التأمينية للاستشارات وبعض المعاينات.
وبعدما «امتنعت وزارة الصحة منذ خمس سنوات عن تسجيل أي دواء يصدر حديثاً، وهو أمر غير مقبول في بلد كلبنان يشكل مرجعية في الطب في الشرق الأوسط»، بحسب بخاش، دعا النقابيون إلى تفعيل تسجيل الأدوية والعلاجات الحديثة التي تتماشى مع البروتوكولات الطبية العالمية. ولتطوير القطاع الصحي، أوصوا بدعم المتدرجين في مجال العلوم التمريضية واختصاص القابلات القانونيات. وتطلّعوا إلى إشراك جميع الوزارات والجهات المعنية لتنظيم آلية عمل مشتركة للصناديق الضامنة الرسمية من الناحية التقنية واللوجستية للتسريع بتسديد مستحقات المستشفيات والأطباء، كذلك الطلب من وزارة التربية أن تضمّ اللجنة الفاحصة لامتحانات الكولوكيوم أعضاءً يحملون إذن مزاولة المهنة في ما يخص نقابتي النفسانيين والمعالجين الفيزيائيين في لبنان.