خسائر الحرب على لبنان المباشرة وغير المباشرة تخطّت خمس مليارات دولار والمطلوب جسر ودعم دولي كبير

بعد مضي أسبوعين على اتفاق وقف إطلاق النار كل الأنظار تتجه نحو الاقتصاد اللبناني إذ من المتوقع أن يواجه الاقتصاد اللبناني ضغوطاً غير مسبوقة بسبب العدوان الذي طال لبنان والعمليات العسكرية التي اتسعت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة لتشمل معظم الأراضي اللبنانية.
وفي مقابلة خاصة مع الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة أكّد بأنه حتى قبل الحرب التي حصلت كان الاقتصاد اللبناني يعاني بالفعل من تدهور رهيب بسبب أزمتي الديون وقطاع المصارف، مع ارتفاع الدولرة في الاقتصاد وإنخفاض الناتج القومي. وأضاف علامة «لقد ألحق التصعيد العسكري الأخير في لبنان أضراراً كبيرة بالقطاعات الحيوية مثل: الزراعة والسياحة والتجارة والصناعة؛ ما من شأنه أن يفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الداخل اللبناني».
وتابع «أدّت جبهة الإسناد التي أطلقها حزب لله لدعم غزة إلى خسائر فادحة للبنان، وخاصة بعد احتدام الحرب بشدّة منذ ثلاثة أشهر حين شنّت إسرائيل هجوماً كبيراً غير متوقع على مناطق وجود حزب لله في الجنوب وضاحية بيروت والبقاع وغيرها، مما أدّى إلى تداعيات إجتماعية، اقتصادية، وسياسية».
وأشار علامة بأنه وفق التقديرات الأولية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المقدر أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، في ظل توقف النشاط السياحي والزراعي وغيرهما، بنسبة 12% بنهاية العام 2024، وهو معدل مرشح للزيادة وقد يكون الإنكماش أكثر من 12%. أما إذا أضفنا التكاليف غير المباشرة؛ أي البنية التحتية المدمرة، فقد تزيد خسائر الاقتصاد اللبناني إلى نحو 16 مليار دولار أو أكثر (ما يقترب من 75% من الناتج المحلي اللبناني للعام 2023).
وأكد علامة أنه على الصعيد الاجتماعي، لقد خسر لبنان العديد من الأرواح، وأصيب الكثيرون مع تدمير ألاف المساكن، بالإضافة إلى تهجير عدد كبير جداً من الأشخاص. فبحسب الإحصاء الأخير لوزارة الصحة اللبنانية أنه حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) قُتل 4050 شخصاً، وجُرح 16500 شخص على الأقل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وحسب تقرير البنك الدولي الذي صدر منذ شهر تقريباً لقد تم تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية جزئياً أو كلياً. وقد قالت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من مليون شخص نزحوا داخل لبنان حتى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني. وأظهرت بيانات المفوضية أن أكثر من 540 ألف شخص فرّوا من لبنان إلى سوريا منذ بدء الحرب، كما أن عدداً كبيراً فرّوا إلى بلدان أخرى. أما فعلياً فقد دُمّر حوالي 110 آلاف وحدة سكنية مع كامل موجوداتها بالإضافة الى تدمير كامل لحوالي 22 بلدة وقرية جنوبية متاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة ولا يمكن تنفيذ مسح دقيق فيها نظراً لاستمرار حظر الدخول إليها من قبل جيش العدو الإسرائيلي. حالياً كل التقديرات تشير الى أن خسائر القطاع الإسكاني ستتعدّى الستة مليارات من الدولارات.
وتابع: أما على الصعيد الاقتصادي تشير الدراسات التي تم تنفيذها حتى الآن أن الخسائر فادحة. فقد تعرّضت البنية التحتية اللبنانية، وخاصة في الجنوب، وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع لأضرار جسيمة نتيجة الردود العسكرية. وتشير التقديرات بناءً لتقارير الوزارات اللبنانية عن تأثر القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل السياحة والزراعة والصناعة، مما فاقم من الأزمة الاقتصادية المستمرة التي يعاني منها لبنان.
قدَّر تقرير البنك الدولي الأضرار التي لحقت في قطاعي السياحة والضيافة، بخسائر بلغت 1.5 مليار دولار. وفي قطاع الزراعة بنحو 124 مليون دولار وخسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فوات الحصاد نتيجة تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين.
وأما على الصعيد التجاري والمهني فقد تعرّض العديد من الشركات والمؤسسات ومكاتب المهن الحرة للتدمير وباتت أكثر من 50 ألف شركة ومؤسسة خارج القدرة على العمل وتقديرات الخسائر تشير الى فقدان أكثر من مئتا ألف عامل عملهم وبالتالي زوال دخلهم.
وأضاف أنه على الصعيد السياسي، تسبّب التدخّل في حروب المنطقة في تعميق الانقسامات الداخلية اللبنانية، حيث انقسم اللبنانيون بين مؤيّد ومعارض لهذه الخطوة. زاد هذا من حدّة التوتر السياسي وهدّد الاستقرار الهشّ أصلاً في البلاد. وقسم كبير من اللبنانيين اليوم يطالبون بتطبيق الدستور أي وثيقة الوفاق الوطني (عام 1989 – الطائف) ويؤكدون أن عدم تنفيذه بشكل كامل أدّى إلى تفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الاتفاق كان يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة. هذا ويبدو أن تطبيق واستمرار وقف إطلاق النار بات مرتبطاً بشكل أساسي في تطبيق الدستور بدءاً من إنتخاب رئيس للجمهورية وفق القواعد الدستورية وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات بسرعة ومتمكنة من إستعادة ثقة العالم عبر تفعيل الدبلوماسية اللبنانية وفق أسس وقواعد سليمة بعد كل العبث الذي مورس عليها.
ورأى علامة أن جبهة الإسناد لغزة كانت باهظة الثمن على لبنان ولم تحقق الأهداف المرجوة، إذ إن الاتفاق فيما بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار، فصل جبهة الجنوب عن غزّة ولم تتوقف الحرب على غزة، ولم يتحرر أي شبر من الأراضي اللبنانية المحتلّة وفرض تطبيق القرار 1701 الذي كان يجب أن يطبق منذ عام 2006 مما يدعو للتساؤل عن جدوى هذا التدخّل وتداعياته المستقبلية.
جدير بالذكر أن وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيفات الائتمانية قد أشارت إلى أن تصاعد الصراع بين إسرائيل ولبنان قد أضعف بشدّة احتمالات تعافي الاقتصاد اللبناني الهش أصلاً.
وختم علامة قائلا أن اقتصاد لبنان بات غريقاً ولا يمكن إعادة إنعاشه دون جسر كبير من الدعم والمساعدات الفورية من كل الدول الصديقة والشقيقة وعلى كافة الصعد.
Leave A Reply

Your email address will not be published.