250 ألف عاطل عن العمل… «اللواء» تكشف خسائر الحرب بالأرقام وتطرح تساؤلات حول دقّة الاحصاءات الرسمية للنازحين!

 

مع تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على لبنان منذ 8 تشرين الأول 2024، تتكشف يوما بعد يوم أبعاد الدمار الهائل الذي طال مختلف القطاعات، وسط أرقام تُضاعف صدمة اللبنانيين. من التهديم الشامل للمنازل والمرافق العامة إلى الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنى التحتية والمؤسسات التجارية والصناعية والزراعية، تتزايد الاسئلة حول الحجم الفعلي لهذه الخسائر، التي باتت تقدّر بالمليارات. كيف يمكن لدولة غارقة في أزمة اقتصادية خانقة ان تتحمل كلفة إعادة إعمار أكثر من 46 ألف منزل دُمّر بالكامل وآلاف المنازل التي لحقت بها أضرار متفاوتة؟ وما هي الآليات المتاحة لتخفيف عبء النزوح الداخلي والخارجي الذي طال مئات الآلاف؟

في خضم هذه الكارثة، يبرز الواقع الاقتصادي كأحد أخطر تداعيات الحرب، مع ارتفاع معدلات البطالة التي طالت نحو 250 ألف عامل، وزيادة خطر إغلاق المؤسسات في القطاعات الحيوية. وفي ظل غياب خطط واضحة لإعادة الإعمار أو التعويض، يظل السؤال الأكثر إلحاحا: هل يكفي توثيق الانتكاسات فقط، أم أن الدولة باتت أمام أزمة تتجاوز الأرقام إلى انهيار اجتماعي واقتصادي محتم مع استمرار النزاع؟

ومع استمرار القصف الإسرائيلي وتصاعد الخراب الشامل في مختلف المناطق اللبنانية، لا تقتصر الخسائر على الأرقام والإحصاءات الباردة، بل تمتد إلى معاناة حقيقية يعيشها المواطنون يوميا. بين منازل محطمة، ومؤسسات تجارية أصبحت أثراً بعد عين، ومزارعين فقدوا كل ما كانوا يعوّلون عليه في موسم الزيتون وغيره من المواسم الزراعية، تتكشّف قصص إنسانية تبيّن حجم المأساة التي أصابت شرائح واسعة من الشعب اللبناني. تعكس هذه العينة الحية عمق الكارثة وتأثيراتها المباشرة في حياة الناس وسبل عيشهم.

شهادات حيّة مؤلمة!

وفي هذا الإطار، يصف نازح بمرارة لـ «اللواء» مأساته بعد تدمير منزله، وفقدانه بالكامل إثر قصف عنيف طال البلدة. يقول: «كنا قد أنفقنا كل مدخراتنا لترميم البيت بعد الأضرار التي لحقت به في أحداث سابقة، وها نحن اليوم نبدأ من الصفر مجددا. أصبح منزلي كومة من الركام، ولم أتمكن حتى من إخراج أي من أمتعتي. الآن نعيش في مركز إيواء مؤقت، ولا نعلم إلى متى سنبقى هنا».

وفي السياق ذاته، يتحدث صاحب مطعم صغير في إحدى القرى الحدودية، وجد نفسه أمام كارثة بعد أن دُمّر مطعمه بالكامل خلال الغارات الإسرائيلية. قائلا: «المطعم كان مصدر رزق عائلتي الوحيد. استهدف القصف المبنى بشكل مباشر، ولم يتبقّ منه سوى الأنقاض. المعدات، الثلاجات، والطاولات، كلها أصبحت رمادا. لا أملك حاليا أي وسيلة للبدء من جديد، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور».

أما السيدة روز، من منطقة دير ميماس، فكانت تستعد لموسم قطاف الزيتون بعدما استثمرت كثيرا في تجهيز المعدات والآليات اللازمة للعمل. لكنها فوجئت بغارة إسرائيلية استهدفت المكان الذي تضع فيه لوازم العصر. تقول بحزن: «لقد اشتريت ماكينة حديثة لعصر الزيتون، وكنت أعوّل على الموسم لسداد ديون شراء المعدات. لكن القصف دمر كل شيء، ولم يبق لي سوى بضع شجرات نجت من الاستهداف. لا أعرف كيف سأعوض هذه الخسارة، لا سيما وأن الزراعة هي مصدر رزقي الوحيد».

تمثل هذه الأمثلة نموذجا عن الضرر الذي لحق بالبلد، وتتجاوز الأضرار المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة بين حزب لله وإسرائيل، لتصل الى كافة المناطق اللبنانية. فهناك العديد من المؤسسات والمطاعم والمنشآت السياحية والتجارية التي اما على وشك الاغلاق او أقفلت أبوابها وتعاني من خسائر فادحة.

البيانات دقيقة والخسائر موجعة!

يوضح الباحث في «الدولية للمعلومات»، السيد محمد شمس الدين، لـ «اللواء» أن «خسائر لبنان الإجمالية نتيجة الحرب الإسرائيلية، من 8 تشرين الأول حتى 15 تشرين الثاني 2024، تُقدّر بنحو 11 مليار دولار. ويزيد حجم هذه الخسائر مرتين عن تلك التي تكبدتها البلاد في حرب تموز 2006 والتي بلغت حينها 5 مليارات و300 مليون دولار».

كيف تتوزع الخسائر الحالية؟

يجيب مفنّداً الأضرار على النحو التالي: «لدينا خسائر في البنى التحتية تقدّر بحوالي 570 مليون دولار، وهي أقل من خسائر 2006 لأن القصف استهدف آنذاك الطرق والجسور والكهرباء والاتصالات. أما فيما يتعلق بالخسائر في المساكن، ما بين الدمار الكلي والجزئي والأضرار الطفيفة، فإن المباني المدمرة بالمطلق تقدر بحدود 46 ألف وحدة سكنية، في حين تبلغ نسبة الدمار الجزئي ما يقرب من 30 ألف وحدة، و145 ألفا تعرّضت لأضرار طفيفة. مؤكدا أن هذه الأرقام دقيقة حتى تاريخ 15 تشرين الثاني الحالي».

ويضيف «كنا نتكّل حتى تاريخ 16 أيلول 2024 على إحصائيات دقيقة، لكن بعد 17 أيلول أصبحنا نعتمد على ما يَرِد في وسائل الإعلام المختلفة بشأن نتائج القصف الإسرائيلي. وتشمل هذه المعطيات دمار منزل أو تضرر عدد من الوحدات السكنية أو أضرارا بسيطة في عدد من الأبنية. وبالتالي، يمكن القول إن الاحصاءات من بعد 17 أيلول 2024 حتى الآن ليست دقيقة لأننا نعتمد على ما ينشر في وسائل الإعلام».

وفي سياق متصل بالوقائع، يؤكد شمس الدين لـ «اللواء» أن «الأرقام صحيحة حتى تاريخ 16 أيلول 2024، لكن صرنا نعوّل من تاريخ 17 أيلول 2024 وحتى الآن على ما تذكره الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك التلفزيونات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، من أضرار ناجمة عن القصف. مما يعني أن الأرقام قريبة، ولكنها غير دقيقة».

ويستكمل «استندنا على أن تكلفة البيت المدمّر بمساحة 200 متر هي بمعدل 75 ألف دولار، وهي التكلفة الأدنى، لأن مقابل ذلك هناك قصور ومبانٍ فخمة (فلل) وغيرها. لذا، تبلغ قيمة كل قصر بما يقارب 100 ألف دولار تقريبا. اما قيمة البيوت المدمرة جزئيا، فتقدر بنحو 25 ألف دولار، بينما تُقيم الأضرار الطفيفة بحدود 5000 دولار. في المجمل، تصل تكلفة إعادة إعمار المساكن المدمرة كليا وجزئيا والأضرار الطفيفة الى نحو 4 مليارات و850 مليون دولار وفقا لهذه المعايير. وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة المنازل المدمرة والمتضررة في عام 2006 قُدِّرت بمليارين و200 مليون دولار».

الاقتصاد الوطني «بخطر»!

ويتطرق إلى «الأضرار في المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية التي بلغت 530 مليون دولار». ويلفت إلى صعوبة تحديد الأضرار في القطاع الزراعي إلى جانب الحرائق، موضحا انه «إذا كانت لدينا إحصائية تفيد بانه تم إحراق كرم زيتون في منطقة معينة، فلا يمكننا معرفة ما إذا كانت هذه الأشجار معمّرة وكم عمرها (مئة أو 10 سنوات). وبالتالي، توجد صعوبة في تقدير الخسائر في هذا القطاع، ولكنها لا تقلّ عن 900 مليون دولار».

وللأنقاض «نفقات»!

ويلفت إلى «تكاليف أخرى تتمثل في رفع الأنقاض ونفقات إضافية كثيرة غير محسوبة تقدر بحوالي 390 مليون دولار، بالإضافة الى الخسائر غير المباشرة التي مُني بها الاقتصاد نتيجة التراجع الاقتصادي. وقد سُجلت في العام 2006 بمليار و200 مليون دولار، بينما ارتفعت في الوقت الراهن إلى 8 مليارات و860 مليون دولار».

وعن عدد النازحين واحصاء الخسائر، يشرح شمس الدين لـ «اللواء» آلية احتساب الخسائر، موضحا أن «الدولة تتحدث عن نزوح مليون و400 ألف نازح، لكن في الحقيقة لدينا بحدود 200 ألف نازح، وهذا أقصى تقدير في مراكز الاستضافة، وقد يكون العدد أقل. ويوجد حوالي 700 ألف لدى أسر وعائلات، مما يعني أن هناك 900 ألف نازح موزعين بين مراكز إيواء ولدى أسر وعائلات. في حين أن 28 ألفا غادروا إلى العراق، ونحو 210 آلاف انتقلوا إلى سوريا، وتوجه 150 ألفا إلى دول أخرى. لذلك، قد يفوق عدد المهجرين المليون و200 ألف نازح، لكن لا يوجد في لبنان أكثر من 900 ألف مهجّر».

المخاطر تحدّق بالبلاد من كل حدب وصوب!

ويتحدث عن «المخاطر الاقتصادية الهائلة جراء هذه الملحمة، «إذ يبلغ عدد العاطلين من العمل في المناطق المتأثرة والتي تشهد اشتباكات مسلحة ما يقرب من 250 ألف عاطل من العمل. بالرغم من ذلك، فإن الخوف الأكبر يبقى في حال استمرار هذه الأعمال القتالية لأشهر قادمة، لأن مؤسسات في بيروت وجبل لبنان والشمال قد تقدم على الإقفال وصرف العمال أو تسريح نصفهم أو الإبقاء عليهم مع تخفيض الرواتب. وهذا سيولّد مشكلات اجتماعية واقتصادية خطرة، وعسى أن تنتهي الحرب حتى لا نواجه هذا الواقع الصعب اقتصاديا، لا سيما في ظل الارتفاع المهول في معدلات البطالة».

إعادة الإعمار «ممكنة»!

وفي الختام، يؤكد شمس الدين أن «التقديرات اللازمة لإعادة الإعمار غير ممكنة قبل انتهاء النزاع. وينبغي ان ننتظر لمعرفة الآليات والوسائل ومدى توفر التمويل. وهنا يجب على الدولة منذ الآن إنشاء مؤسسة خاصة بإعادة الإعمار، تماما كما انشأت مؤسسة التعمير لإعادة الإعمار بعد زلزال 1956، لأن تجربة وزارة المهجرين وصندوق المهجرين كانت فاشلة. لذا، يجب استحداث إدارة ناجحة تشبه المؤسسة الوطنية للتعمير التي أعادت إعمار المناطق المدمرة في 1956».

Leave A Reply

Your email address will not be published.