بين عودة ترامب وتخفيض الفائدة: هل نستثمر بالذهب؟
عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتخفيض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة للمرة الثانية هذا العام أثارت تكهنات واسعة حول مستقبل الاقتصاد الأميركي وأسواق المال، مع تركيز خاص على تأثير ذلك في أسعار الذهب والاستثمار فيه. فمع القرارات المتجددة للفيدرالي، تزداد التساؤلات حول جدوى الاستثمار في الذهب، الذي لطالما كان الملاذ الآمن في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
في هذا الإطار اعتبر أحمد عزام، المحلل المالي الأول في مجموعة “إكويتي،” equity في حديثه لـ”النهار” إن “سوق الذهب في وضع يسمح له بالتقلب بشكل كبير مع فترة من التحولات الاقتصادية والسياسية التي قد بدأت فعلاً والتي قد تحول جاذبية المعدن الأصفر. ومع دخول العديد من العوامل الاقتصادية الكلية حيز التنفيذ – بما في ذلك المزيد من عمليات خفض أسعار الفائدة، والتغييرات المحتملة في السياسة الأميركية في ظل إدارة ترامب للمرة الثانية، والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط – فقد يحتل دور الذهب في محافظ الاستثمار مركز الصدارة مع اختلاف التوقيت الزمني”.
تأثير تخفيض أسعار الفائدة على الذهب
خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصل إلى نطاق يتراوح بين 4.5% و4.75%. وجاء هذا القرار بعد فترة وجيزة من عودة ترامب إلى الرئاسة، مما يعكس استمرارية سياسة الفيدرالي في دعم الاقتصاد عن طريق تيسير السياسات النقدية. يُعدّ تخفيض الفائدة بشكل عام محركًا رئيسيًا لارتفاع أسعار الذهب، لأن خفض تكلفة الإقراض يجعل السندات وأدوات الدين الأخرى أقل جاذبية، مما يحول اهتمام المستثمرين نحو الذهب كخيار استثماري أكثر أمانًا وأقل تقلبًا.
إلاّ أنّ عزام رأى أنّ “خفض أسعار الفائدة بالوتيرة المتوقعة قد لا يكون لها تأثير كبير في الفترة القادمة لدعم أسعار الذهب، لأن الأسواق باتت تعتقد بأن الفيدرالي قد يخفف الوتيرة التي بدأ بها سابقاً وقد يستقر عند تخفيضات ب25 نقطة أساس في اجتماع اليوم لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي واجتماع شهر كانون الأول (ديسمبر). ذلك قد يكون له تأثير عكسي بعض الشيء بالانتقال من التفاؤل المفرط بسياسة تسهيلية كبيرة إلى أقل حدة. مما قد يعني بأن الدولار الأمريكي قد لا يشهد ضعف كبير وأن جاذبية الذهب قد لا تزداد بشكل كبير مع تسعير الأسواق للتحركات المحتملة”.
حالة عدم اليقين الاقتصادي ودورها في دعم الذهب
سياسات ترامب المرتقبة، التي تتضمن قيودًا على الهجرة وفرض رسوم جمركية جديدة، أثارت القلق بين الاقتصاديين حول إمكانية زيادة التضخم والعجز في الميزانية الفيدرالية. هذا المناخ الاقتصادي غير المستقر يدفع العديد من المستثمرين إلى الذهب باعتباره وسيلة للتحوط من التضخم وحماية رأس المال. الذهب يميل للارتفاع مع تزايد الشكوك حول الاقتصاد، ويصبح أداة لحماية الثروات من مخاطر التضخم.
وهو ما يؤكده عزام شارحا أنّ ” السيناريو المحفوف بالمخاطر هو بعودة تسارع التضخم مع سياسة ترامب الحمائية وتخفيض الضرائب والتي قد تشعل فتيل التضخم مرة آخري، مما قد يعني أن خفض أسعار الفائدة بشكل كبير قد لا يكون الخيار المنطقي في الفترة القادمة، لكن قد يعني بأن المستثمر قد يحتاج لغطاء للتضخم في ظل أسعار فائدة قد بدأت فعلاً بالانخفاض في الفترة القادمة. وقد يتصدر الذهب هنا تلك الخيارات بدلاً من أسواق الدخل الثابت التي قلت عوائدها والودائع مع تراجع أسعار الفائدة فعلاً”.
وشدد عزام على أن “سيناريو ترامب والتضخم المرتفع قد يحتاج بعض التأكيدات عند دخوله البيت الأبيض في العام القادم والشروع بتنفيذ تلك المخططات المتوقعة، لذا قد يحتاج بعض الوقت لكي يتم ترجمته على تحركات الذهب”.
استجابة الأسواق لتخفيض الفائدة
عقب إعلان تخفيض الفيدرالي للفائدة، شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا بنحو 1% لتصل إلى حوالي 2,708.89 دولارات للأونصة في المعاملات الفورية، مما يؤكد تزايد الإقبال على الذهب كملاذ آمن. ورغم ارتفاع سعر الذهب بشكل طفيف بعد إعلان الفيدرالي، فإن استقرار أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة يجعل التوقعات تشير إلى إمكانية استمرار هذا الاتجاه الصعودي للذهب على المدى القريب، خصوصًا إذا استمرت المخاوف بشأن السياسة الاقتصادية المستقبلية للولايات المتحدة.
كما أن التوترات الجيوسياسية وارتفاع حدتها ونطاقها وتحولها إلى طابع إقليمي قد يعني بأن المستثمر قد يقف على قدم واحدة استعداداً لمزيد من المخاطر الجيوسياسية ولجوئه إلى الملذات الآمنة، برأي عزام الذي أوضح أنّ “تلك المخاطر باتت الأسواق تُسعرها حالياً ما لم يكن لها تأثير توسعي كبير في الفترة القادمة، وذلك قد يعني بأن عدم ارتفاع المخاطر الجيوسياسية بشكل كبير قد لا يكون له تأثير فعلي وحقيقي على أداء الذهب في الفترة القادمة. خاصة في ظل توقف بنك الصين الشعبي عن عمليات شراء الذهب الممنهجة كاحتياطي، وهذا قد يعطي انطباع بأن الصين إذا لم تكن تخفف عمليات الشراء في ظل ضخ الأموال في الاقتصاد الصيني، إلا أن شراء الذهب على أسعار مرتفعة قد لا يكون وجهة محببة للصينيين”.
هل الاستثمار في الذهب هو الخيار الأفضل؟
في ظل الأوضاع الراهنة، يعتبر الذهب خيارًا منطقيًا للعديد من المستثمرين الذين يبحثون عن استقرار وثبات في استثماراتهم. فالذهب لطالما اعتبر أصلًا يُحافظ على قيمته في أوقات الأزمات، ويفضله المستثمرون لتأمين أصولهم ضد التضخم وانخفاض قيمة العملات. ومع التخفيضات المتتالية للفائدة، يميل المزيد من المستثمرين نحو الذهب نظرًا لأن انخفاض الفائدة يقلل العوائد على الأدوات التقليدية مثل السندات.
ومع ذلك، فإن الاستثمار في الذهب يتطلب وعيًا بمخاطره، فهو لا يدرّ دخلًا مثل الفوائد أو الأرباح، كما أن قيمته قد تتعرض لتقلبات في حال استقرار الأوضاع الاقتصادية أو اتخاذ سياسات مفاجئة من قبل الفيدرالي.
بالنسبة للمستثمرين، قد يكون النهج المتوازن في التعامل مع التعرض للذهب حكيماً، برأي المحلل المالي الأول في مجموعة “إكويتي”، الذي أضاف “وفي حين أن عدم الاستقرار الجيوسياسي والتحول المحتمل في السياسة الاقتصادية قد يرفع الأسعار على المدى الطويل إلا أن المدى القصير قد يكون هناك إشارات مخيفة بعض الشيء، فإن من الأفضل الاحتفاظ بالذهب كجزء من محفظة متنوعة”.
ونصح عزام بأن “يتراوح الذهب في المحفظة الاستثمارية عموماً بين 5% و10% – للذهب أو الأصول المرتبطة بالذهب، مثل صناديق الاستثمار المتداولة أو أسهم التعدين، للتحوط ضد سيناريو التضخم وتقلبات السوق. حيث أنه من المتوقع أن يتجه الذهب على المدى القصير إلى المتوسط لتشكل عمليات تصحيح هبوطية مع كسر مستويات 2630 دولار للأونصة لاختبار مستويات 2523 – 2486 ثم مستويات 2450 خاصة مع تشكيل نموذج فني على النطاق الأسبوعي يُدعى “دوجي”. ومن ثم قد نشهد امكانية عودة تسجيل ارتفاعات من تلك المستويات في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية ومع امكانية عودة المخاوف حول التضخم. لذلك قد تكون النصيحة بالتوزيع الاستراتيجي للذهب بالشراء لمتوسط تكلفة الدولار، وهي استراتيجية لإجراء استثمارات أقساط منتظمة على مدى فترة زمنية محددة مسبقًا بغض النظر عن سعر الأصل، وذلك لتقليل آثار اتجاهات هبوط السوق قصيرة الأجل على استثماراتهم لو حصلت”.