استمرار الدعم الإنساني للبنان… هل يُخفّف من المعاناة؟
في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي يواجهها لبنان جرّاء النزاع الدائر بين حزب لله وإسرائيل، يُعدّ دعم الدول الشقيقة دعامة أساسية لتخفيف المعاناة عن الشعب اللبناني. فقد أظهرت هذه الدول، كعادتها، وقوفها إلى جانب لبنان، حيث لم تتركه في أوقات الرخاء، فكيف لها أن تغيب عنه في أصعب الظروف وأكثرها حرجا؟ وفي هذا الإطار، وصلت نحو 18 طائرة محمّلة بالمساعدات الحيوية من المملكة العربية السعودية، التي لم تتوانَ عن مؤازرة لبنان في محنته. كما أطلقت الإمارات العربية المتحدة حملة تضامنية تحت عنوان «الامارات معك يا لبنان»، تأكيدا على التزامها بمساندة الشعب اللبناني. وإلى جانب هذه المبادرات، واصلت دول عربية شقيقة وصديقة أخرى ودول غربية جهودها الإغاثية بتقديم شحنات من المواد الغذائية والطبية استجابةً للأزمة الإنسانية المتفاقمة، مُعبّرة بذلك عن تضامنها المستمر مع لبنان في هذه الشدّة.
التحدّيات أمام توزيع المساعدات
وفي ظل هذا الدعم المتدفق، تواجه الجهات المعنية في لبنان تحديات كبيرة في إيصال المساعدات إلى مستحقيها، خصوصا مع ارتفاع أعداد النازحين، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 70% من سكان بعلبك اضطروا الى مغادرة مدينتهم في الأيام الأخيرة، استجابةً للإنذارات التي وجّهها الجيش الإسرائيلي لإخلاء المنازل. هذا بالإضافة الى حوالي مليون ونصف لبناني تركوا منازلهم مجبرين في المناطق المتأثرة بالنزاع، بما فيها الضاحية، والجنوب، ومناطق مختلفة من البقاع الشمالي والشرقي. وأمام هذه الأعداد الهائلة، تبدو الجهات المعنية في حالة من الضياع أحيانا، على الرغم من وصول شحنات الإغاثة بشكل متواصل وان كانت لا تغطي كامل المتطلبات.
ترشيد الدعم ضرورة!
وفي هذا المجال، أوضحت لجنة الطوارئ الحكومية، في بيان توضيحي، أن معظم المساعدات الواردة حتى الآن تتركز في القطاع الصحي، مما يؤكد الحاجة إلى توفير دعم أكبر في مجالات أخرى مثل الغذاء والخدمات الأساسية. وبخصوص حجم المساعدات، أشارت اللجنة إلى أن طاقة حمولة الطائرات لا تتعدّى 40 إلى 50 طنا لكل طائرة، مما يضاعف من صعوبة تلبية المتطلبات المتزايدة. وقد بلغ إجمالي المساعدات حتى الآن حوالي 10 آلاف طن، تشمل المواد الطبية والإغاثية، بينما تستمر اللجنة في نشر تفاصيل عمليات استلام وتوزيع المساعدات عبر منصات إلكترونية، لضمان الشفافية واطّلاع الجمهور على مستجدات عملية الإغاثة. بالرغم من ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: في ظل هذا العدد الكبير من النازحين وارتفاع وتيرة الاحتياجات، هل ستتمكن الجهات المسؤولة من ضبط عملية توزيع المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها بفعالية؟
الاستجابة المجتمعية كأساس جوهري
في خضم الأزمات الإنسانية التي يواجهها لبنان، تبرز أهمية الاستجابة المجتمعية كعنصر محوري في التخفيف من معاناة المواطنين، لا سيما النازحين منهم. وفي هذا السياق، تتحدث الاخصائية في مجال العمل الاجتماعي والتنمية غنوة يونس عن الدور الحيوي الذي تلعبه هذه الاستجابة في دعم الفئات الأكثر تأثّرا بالأزمات.
وتؤكد لـ «اللواء» أن «التفاعل الشعبي يتمثل في مجموعة من المبادرات التي يقوم بها الأفراد والمنظمات غير الحكومية، حيث يسعى الجميع إلى تقديم العون. وقد اتخذت هذه المبادرات أشكالاً متنوعة، بدءاً من تنظيم حملات لجمع التبرعات والمواد الغذائية، وصولا إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين. وقد أظهر المجتمع المحلي تضامنا استثنائيا من خلال إنشاء فرق تطوعية تعمل على توفير المساعدات الغذائية والطبية، بالإضافة إلى التعليم للأطفال النازحين. كما لعبت المبادرات الثقافية والاجتماعية دورا كبيرا في تعزيز التجاوب بين المهجرين والمجتمعات المضيفة، مما ساهم في بناء جسور من الثقة والتفاهم».
تأثير الروابط الاجتماعية
وتشدّد على ان «الاستجابة المجتمعية لا تقتصر على تقديم المساعدات المادية فقط، بل تشمل أيضا العمل على تعزيز الروابط الاجتماعية، مما يسهم في خلق بيئة داعمة تساعد الناس على التغلب على التحديات النفسية والاجتماعية. ذلك لأن هذه الجهود، رغم بساطتها في بعض الأحيان، لها تأثير عميق في حياة الأفراد، مما يساعدهم على استعادة الأمل والشعور بالانتماء».
دعم المبادرات وتعزيز الشراكات
وتختم بالتنويه الى «ضرورة دعم هذه المبادرات وترسيخها، فالمجتمع هو الشريك الأساسي في جهود الإغاثة، وتضافر الجهود بين مختلف الأطراف يمكن أن يحدث فرقا كبيرا في حياة النازحين والمحتاجين في لبنان».
دعوات لتسريع آليات توزيع المساعدات
من جهته، يوضح النائب غازي زعيتر لـ «اللواء» أن «لبنان يواجه حربا كبيرة، وأن الاحتياجات المتزايدة تفوق المساعدات التي تصل من الدول الشقيقة والصديقة. إذ لا تشكّل هذه المساعدات حلّاً للأزمة ولا تغطي احتياجات المهجرين، ويتطلب الوضع الحرج أكثر من ذلك». ويضيف «يتابع المسؤولون، سواء من حركة أمل وحزب لله أو من كافة القوى السياسية الأخرى بغض النظر عما إذا كانوا من المعارضة أو الموالاة، هذه المسألة بجديّة. وفي هذا الوقت العصيب، لم يعد هناك ما يُعرف بالمعارضة والموالاة، لأن لبنان واللبنانيين مستهدفون، والعدو يسعى الى خلق انقسام بين مكوّن معيّن وبقية الطوائف».
ويضيف مشيدا «بوحدة اللبنانيين، وبخاصة في احتضانهم واستضافتهم للمهجرين في مختلف المناطق. لكن لا شك ان هناك فرصة لما يُعرف بالطابور الخامس أو السادس الذي يكون جاهزا للتدخّل وتأجيج الفتن، وهذا الأمر بعيد كل البُعد عن طبيعة اللبنانيين بمختلف طوائفهم، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين».
ويكشف لـ «اللواء» عن «اجتماع ضمّ وزراء المنطقة، جاء استكمالًا للاجتماعات التي عقدت مع هيئة إدارة الكوارث والوزير ناصر ياسين وجهات أخرى معنية. وقد استؤنفت هذه اللقاءات فيما بعد مع الوزيرين عباس الحاج حسن وعلي حمية ومحافظ بعلبك، وفي ذات المساء، عُقد لقاء آخر مع رئيس مجلس الجنوب السيد هاشم حيدر. الهدف من هذه الجلسات هو إعداد قاعدة بيانات شاملة لمراكز الإيواء، بما في ذلك المدارس والأماكن الواسعة. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك نحو 3000 شخص في مراكز الإيواء في بلدة دير الأحمر، يقيم في المقابل ما يقارب 10,000 آخرين عند أقاربهم أو أصدقائهم في المنازل».
عقبات أمام توزيع المساعدات
ويشير إلى أن «الروتين الإداري والقيود القانونية قد يبطئان عملية إيصال المساعدات، إلّا أن مجلس الجنوب، رغم التزامه التام بالقوانين، يتمتع بمرونة أكبر من الهيئات الأخرى، مثل اللجنة أو هيئة إدارة الكوارث أو غيرها من المؤسسات الرسمية». منوّها بمجهود مجلس الجنوب «الذي استطاع تقديم خمسة أضعاف ما قدمته لجنة إدارة الكوارث، والأرقام تدعم هذا التقييم».
وردّاً على سؤال حول أسباب التقصير في إيصال المساعدات إلى منطقة بعلبك-الهرمل، يجيب «لا يمكن إنكار الصعوبات التي أعاقت وصول الكميات المطلوبة من الإعانات الى تلك المنطقة، وبالرغم من كل العوائق لن ندخر جهدا في إيصالها الى المهجرين وهذه القضية ثابتة سواء بالنسبة لنا كنواب للمنطقة أو كمجلس وزراء ممثلا بالرئيس نجيب ميقاتي، وبالتعاون مع جميع الجهات المعنية، بما في ذلك مجلس الجنوب والمحافظ».
ويلفت الى أن «إحدى هذه العقبات هي تعرّض الشاحنات التي تنقل المساعدات للاعتداءات. ومن المهم الأخذ بعين الاعتبار أن محافظة بعلبك-الهرمل هي الأكبر في لبنان، وتمثل نحو 24% من مساحة البلاد، وتصل نسبة المساحة مع منطقة البقاع بأكملها إلى حوالي 42%، أي ما يقارب نصف مساحة لبنان». مشدّدا على أن «الخطر الأبرز يكمن في تعرّض الشاحنات للهجمات الإسرائيلية».
ويقول: «ستتضح أعداد النازحين في مراكز الإيواء بشكل أدق بعد استلام البيانات من المحافظ ومجلس الجنوب وهيئة إدارة الكوارث. وتعتبر المساعدات القادمة من دول شقيقة كالسعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر، إضافةً إلى بعض الدول الصديقة، خطوة مهمة. لكن لا يمكن للطائرات حمل أكثر من 40 طنا، ما يشكّل عائقا أمام نقل كميات أكبر. وهناك سفينة إماراتية محمّلة بحوالي 2000 طن من المساعدات، ستصل قريبا، لكنها تحتاج إلى وقت إضافي للرسو في لبنان».
وعن هبة الطحين العراقي، التي ترددت شائعات بأنها تُباع في الأسواق، يوضح زعيتر قائلاً: «حتى قبل يومين أو ثلاثة، وفقاً لمعلوماتي، لم تكن شحنة الطحين قد وصلت بعد. وهناك جهة مسؤولة عن متابعة هذا الموضوع، مثل هيئة إدارة الكوارث والوزراء المعنيين، كوزير البيئة ناصر ياسين ووزيري الاقتصاد والشؤون الاجتماعية. ومع ذلك، لا أستطيع أن أعطي جواباً قاطعاً حول صحة الادّعاءات المتعلقة ببيع الطحين في المتاجر، لأن الشحنة، حتى قبل أربعة أيام، لم تكن قد وصلت».
وقد علمت «اللواء» من مصادر مطلعة على ملف هبة الطحين العراقي، ان ما اشيع عن بيع الطحين العراقي في الأسواق اللبنانية هو اصلا يعود تقريبا الى ثلاث سنوات عندما أرسلت الجمهورية العراقية الطحين بعيد انفجار مرفأ بيروت .
ويختتم حديثه قائلاً: «أمام هذا الدمار الذي يعصف بلبنان، حيث لم تخلُ أي منطقة من الاعتداءات الصهيونية الغاشمة، فإن بعض المناطق تعرّضت لضربات محدودة، إلّا أن التدمير الممنهج والخراب الكبير والتهجير الخطير يتركّز بشكل أساسي في الجنوب والضاحية وبعلبك-الهرمل، ونأمل أن يتم تأمين الاحتياجات للمتضررين. وقد كان لنا بالأمس موقفا واضحا، جوهره انه لا يجب انتظار المساعدات من الدول الشقيقة أو الصديقة، بل المطلوب من الدولة المبادرة لشراء وتوفير المواد الضرورية. وهناك تحدٍّ آخر يتعلق بتأمين المحروقات، ونحن على أبواب الشتاء، لذا ينبغي علينا أن نستعد ونتأهب جميعا». مضيفا، «أنا لا أدافع عن أي شخص أو جهة، ولكن قد يكون هناك بعض التقصير في أي عمل، وربما تكون الإجراءات القانونية والإدارية هي السبب في تأخير هذه العملية. لذا، أدعو إلى تسريع آلية تسليم المساعدات، نظرا لوجود احتياجات ملحّة يجب تأمينها للنازحين».
إشكاليات إدارة المساعدات بسبب الاكتظاظ الكبير
من جانبه، يكشف رئيس المجلس الوطني للإعلام، عبد الهادي محفوظ، في حديثه لـ «اللواء»، عن «وجود شكاوى وردت إلى المجلس من مصادر مطّلعة، تؤكد أن المساعدات التي وصلت من دول غربية وعربية لتلبية احتياجات النازحين، تُواجه تحديات في إيصالها بشكل عادل. ويُظهر ذلك بوضوح سوء إدارة عملية توزيع هذه القوافل، ما يثير التساؤلات حول فعالية آليات التوزيع بخاصة وان الشدائد تعاظمت على الأسر المتأثرة».
دعوة إلى الشفافية والمساءلة
ويشدّد محفوظ على «أهمية أن تتولى جهة موثوقة مهمة الإشراف على توزيع المساعدات»، داعياً إلى «تشكيل لجنة تتمتع بالشفافية والنزاهة تكون مسؤولة عن إيصال المساعدات إلى المتضررين بشكل عادل». كما يطرح تساؤلات ملحّة حول سبب عدم إحالة المتورطين في سوء إدارة المساعدات إلى القضاء، والصمت الحكومي حول هذا الملف الحيوي. ويرى أن «للإعلام دوراً جوهرياً في تسليط الضوء على هذه التحديات، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء».
تحقيق العدالة
ويختتم محفوظ حديثه بالتأكيد على قوة الإعلام في كشف الحقائق، واصفاً إياه بأنه أداة فعّالة لرصد أوجه القصور في توزيع المساعدات. كما أكد ضرورة تفعيل الرقابة الحكومية والجهات المعنية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بفعالية وعدالة.