الكوليرا تضاف الى قائمة الأوبئة… هل دخل الواقع الصحّي مرحلة الخطر؟

 

تضيف الحرب الراهنة بين لبنان وإسرائيل طبقة جديدة من المآسي إلى بلدٍ يواجه بالفعل تحديات كبيرة على عدة مستويات. وسط القصف المتواصل وتدمير البنية التحتية، بدأت تظهر نتائج جانبية كارثية لا تقل خطورة عن الحرب ذاتها، أبرزها تفشي الأمراض. في ظل الدمار الذي لحق بالخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي، باتت البلاد بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية. ومع إعلان تسجيل أول حالة كوليرا في لبنان، دق ناقوس الخطر بشأن خطر الأوبئة في ظل تدهور الوضع الصحي والبيئي. الكوليرا، التي تنتشر بشكل أساسي عبر المياه الملوثة، تزداد خطورتها في سياق الحرب حيث يصعب تأمين المياه النظيفة والرعاية الصحية اللازمة.

هذه التطورات تعكس تضافر الأزمات؛ فالحرب لا تقتصر على الدمار العسكري بل تمتد لتشمل جوانب حياتية أساسية، مهددةً بتفشي أوبئة قد تزيد من مأساوية الوضع الإنساني. في هذا السياق، يتطلب الأمر استجابة دولية عاجلة لاحتواء الكوليرا ومنع انهيار النظام الصحي في لبنان، قبل أن تتفاقم الكارثة وتتحول إلى أزمة صحية شاملة.

أول حالة إصابة بالكوليرا

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن تسجيل حالة اشتباه بإصابة مواطنة لبنانية من بلدة السمونية في شمال لبنان بمرض الكوليرا، دون أن يكون لها أي تاريخ سفر خارج البلاد. يأتي هذا التسجيل في ظل تفشي سابق للوباء في البلاد، حيث ساهم ارتفاع عدد النازحين وبعض العوامل الأخرى في انتشار المرض. وتجدر الإشارة إلى أن الكوليرا مرض معد ينتقل عن طريق المياه والأطعمة الملوثة، مما يؤدي إلى إسهال حاد قد يهدد حياة المصابين.

هذا، وكانت منظمة الصحة العالمية أطلقت تحذيراً عاجلاً من خطر تفشي وباء الكوليرا في لبنان، وذلك في ظل الظروف الصحية الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب الأحداث الأخيرة. وأكدت المنظمة أن النازحين يشكلون فئة معرضة بشكل خاص للإصابة بالمرض، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الصحية. كما حذر ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان من أن وصول الكوليرا إلى مخيمات النازحين قد يؤدي إلى انتشار سريع للمرض، داعياً إلى تقديم الدعم اللازم للحد من انتشاره.

الكوليرا، هي واحدة من أقدم الأمراض الوبائية التي عرفها العالم، تعود للواجهة بشكل متكرر، وخاصة في الأوقات التي تشهد تدهوراً في البنية التحتية الصحية والبيئية. هذا المرض، الذي ينتقل بشكل أساسي عن طريق المياه والأغذية الملوثة، يكتسب خطورة خاصة في الأوضاع التي تعاني من اضطرابات سياسية أو عسكرية، كما هو الحال في البلدان المتأثرة بالصراعات والحروب. في هذا السياق، أصبحت الكوليرا تهديداً صحياً متزايداً في بعض المناطق، بما في ذلك لبنان، الذي سجل أول حالة تفشي للمرض بعد سنوات طويلة، وسط تفاقم الحرب القائمة مع “إسرائيل”.

تنتقل إلى الإنسان من خلال تناول الطعام أو شرب المياه الملوثة ببراز شخص مصاب. تبدأ أعراض الكوليرا بشكل مفاجئ وتتمثل في الإسهال المائي الحاد والقيء، ما يؤدي إلى فقدان سريع للسوائل والأملاح من الجسم. في الحالات الحادة، قد تؤدي هذه الخسارة المفاجئة للسوائل إلى الجفاف الشديد والصدمة، ما قد يودي بحياة المريض إذا لم يتلق العلاج في الوقت المناسب.

تتمثل الأضرار المباشرة للكوليرا في الأعراض التي تصيب الجهاز الهضمي والجسم بشكل عام. الإسهال المائي الحاد يمكن أن يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من السوائل خلال ساعات، ما يتسبب في جفاف شديد. إذا لم يتم تعويض السوائل والأملاح المفقودة بسرعة، قد يؤدي الجفاف إلى فشل في الأعضاء الحيوية مثل الكلى، وانخفاض حاد في ضغط الدم، ما قد يتسبب في الوفاة خلال ساعات. الأطفال وكبار السن هم الأكثر عرضة للخطر بسبب ضعف جهازهم المناعي وعدم قدرتهم على تحمل الجفاف.

بالإضافة إلى الأضرار الصحية المباشرة، هناك أضرار اجتماعية واقتصادية مرتبطة بتفشي الكوليرا. في المناطق التي يعتمد سكانها على الزراعة والعمل اليدوي، يمكن أن تؤدي الإصابات واسعة النطاق إلى تعطيل النشاطات الاقتصادية، وزيادة في معدلات البطالة والفقر. كما أن الضغط المتزايد على المرافق الصحية قد يؤدي إلى انهيار النظام الصحي بالكامل.

تفشي الكوليرا في زمن الحرب

تلعب الحروب دوراً كبيراً في تسريع تفشي الأمراض الوبائية مثل الكوليرا، لأن الحروب تؤدي إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، مثل محطات معالجة المياه وشبكات الصرف الصحي، ما يخلق بيئة مثالية لانتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه. وفي ظل الحروب، يصبح من الصعب توفير مياه الشرب النظيفة أو الصرف الصحي السليم، ما يزيد من احتمالية التلوث وانتقال العدوى.

في البلدان التي تشهد نزاعات عسكرية، مثل لبنان حالياً في حربه مع العدو الاسرائيلي، يتضاعف خطر تفشي الكوليرا. تدمير البنية التحتية الصحية والبيئية يجعل الوصول إلى المياه النظيفة تحدياً كبيراً، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة. كما تؤدي الحرب إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى مخيمات مؤقتة أو مناطق أخرى لا تتوافر فيها مرافق صحية مناسبة، مما يسهم في تسريع تفشي المرض. ومع انشغال السلطات والجهات المعنية بتداعيات الحرب العسكرية، غالباً ما تكون الاستجابة الصحية بطيئة وغير فعالة، مما يفاقم من حجم الكارثة.

وفي مواجهة تفشي الكوليرا، يجب أن تتضافر الجهود المحلية والدولية للتعامل مع الأزمة. من الضروري تأمين مياه شرب نظيفة وتعزيز أنظمة الصرف الصحي كأولوية قصوى. كذلك، تحتاج المرافق الصحية إلى دعم فوري للتعامل مع الأعداد المتزايدة من المرضى، بما في ذلك توفير الأمصال والأدوية اللازمة لعلاج الكوليرا، وتعزيز حملات التوعية بين السكان حول كيفية الوقاية من المرض.

كما يجب أن تركز الاستجابة أيضاً على تحسين سبل العناية بالأطفال وكبار السن الذين يشكلون الفئات الأكثر عرضة للخطر. في حالة لبنان، يمكن أن تؤدي المساعدات الدولية والمنظمات غير الحكومية دوراً كبيراً في تقديم العون الإنساني اللازم، بما في ذلك إرسال فرق طبية ميدانية وتجهيز مراكز لعزل المرضى وتقديم العلاج.

أخيراً، لا يقتصر خطر الكوليرا على الجانب الصحي فحسب، بل يتعداه ليصبح مؤشراً واضحاً على التحديات التي تواجه المجتمعات المتضررة من الصراعات والأزمات. فتفشي هذا المرض في ظل الظروف الحالية يعكس هشاشة البنية التحتية الصحية، ويؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز الجهود الدولية والإقليمية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة، وتحسين الظروف المعيشية، وبناء مستقبل أكثر أماناً واستقراراً.

Leave A Reply

Your email address will not be published.