العدوان يلغي 22% من إنتاج زيت الزيتون
إلى جانب الخسائر البشرية والممتلكات، يمثل العدوان الإسرائيلي تهديداً مباشراً لموسم الزيتون الذي يشكّل مصدر رزق لآلاف الأسر. ولا تلوح في الأفق أيّ إمكانية لقطاف الموسم جنوباً الذي ينتج 22% من زيت الزيتون الممتد على مساحة 540 ألف دونم في محافظتَي النبطية والجنوب، علماً أن زيت الزيتون الجنوبي عالي الجودة ويباع بسعر أعلى بنسبة 16% من زيت الشمال، بحسب «المسح السنوي للإنتاج الزراعي في لبنان 2021».منذ نحو 10 أيام، بات يستحيل على مزارعي محافظتَي الجنوب والنبطية الوصول إلى بساتينهم وجني محاصيلهم خلافاً للموسم في العام الماضي، حيث تركّز الإحجام عن القطاف في مناطق محدودة. عفيف حمود، مزارع من بلدة كفرحمام، يصف الوضع المأسوي قائلاً: «البلدة خالية تماماً من سكانها، منذ يومين أجلى الجيش اللبناني آخر مقيمَين، ولا يُسمح بدخول أي سيارة، فيما أحرقت الاعتداءات الإسرائيلية قسماً كبيراً من بساتين الزيتون». ومع أن موسم القطاف يبدأ عادة في العاشر من تشرين الأول، فإن الظروف الأمنية الحالية تجعل المباشرة بالموسم أمراً مستحيلاً. إبراهيم عصفور، مزارع آخر من قرية أبو قمحة قضاء حاصبيا، يشير أيضاً إلى «استحالة تحريك آليات نقل العمال باتجاه البساتين التي قد تتعرض في أي لحظة لاعتداء»، مع الإشارة الى أن «الأضرار التي لحقت بالمنطقة أقل مما شهدته بلدات مجاورة مثل القليعة وراشيا والماري وغيرها».
إلى جانب المزارعين، يطاول التهديد تشغيل معاصر الزيتون أيضاً، إذ إن معظم مزارعي الزيتون نزحوا عن قراهم، ما جعل المعاصر عاجزة عن فتح أبوابها في معظم المناطق. نبيه دقماق، صاحب معصرة في كفرحمام، يشير إلى أن «الحرائق التي اندلعت في شهرَي نيسان وأيار الماضيين تسبّبت في أضرار كبيرة للبساتين، ولم يتمكن أحد من تقييم الخسائر بعد ولا يمكن توقع حجم ونوعية الموسم إن قُطف». ويوضح أن «السوق اللبنانية تعتمد بشكل أساسي على زيتون منطقتَي العرقوب وحاصبيا اللتين نالتا حصّتهما من الكارثة». ومع تصاعد وتيرة الاعتداءات، يتوقع دقماق أن «يرتفع سعر تنكة الزيت إلى 200 دولار إذا لم يتم إنقاذ الموسم». وفي راشيا الفخار، يؤكد أسعد الغريب، صاحب معصرة أخرى، أنه جهّز معصرته وقام بصيانة المعدات لاستقبال المحصول، لكنه يخشى أن «ضياع الموسم بسبب الاعتداءات سيترك آثاراً كارثية على الإنتاج والأسعار»، وخصوصاً أن معصرته «تعتمد بشكل كبير على محاصيل القرى المجاورة التي تتعرض لاعتداءات مكثفة مثل كفرحمام وكفرشوبا».
ويوضح المهندس الزراعي حسين حطيط أن «الوضع الأمني الحالي لا يسمح بجني المحاصيل إلا في مناطق محدودة مثل شرقيّ صيدا وجزين، بينما تعجز معظم مناطق الجنوب، مثل أقضية بنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون وصور، إضافة إلى قضاء البقاع الغربي، عن بدء الموسم بسبب غياب الإمكانات». ويضيف حطيط أن «هذا التأخير سيؤثّر سلباً على جودة الزيتون، فكلما تأخّر القطاف حتى منتصف تشرين الثاني أو كانون الأول، تساقطت حبّات الزيتون على الأرض»، ما يشكّل ضربة إضافية لهذا القطاع الذي يعتمد على تصدير زيت عالي الجودة. بمعنى آخر، فإن «جودة الزيت ترتبط بتوقيت القطاف ومعايير زراعية دقيقة». ويشير إلى الأمر عينه رئيس نقابة تجمع مزارعي الجنوب، محمد الحسيني، الذي يرى أنّ «تأخّر القطاف حتى كانون الأول قد يؤدّي إلى تدمير الموسم بالكامل في بعض المناطق، وخصوصاً الأشجار المزروعة في التربة البيضاء التي يبدأ عادة القطاف فيها مبكراً، بينما يبدأ في التربة الحمراء في النصف الثاني من تشرين الأول، وفي كلتا الحالتين فإن مناطق الجنوب ستفقد فرصتها من موسم الزيتون في تشرين الثاني، وسيتعرض غالباً المحصول لتلف كبير.
كما يشكل غياب العمالة تحدياً كبيراً هذا العام، حيث يعتمد قطاع الزيتون بشكل رئيسي على العمالة الأجنبية، ولا سيما من التابعية السورية، التي بات يصعب استقطابها في ظل النزوح المتزايد. ويؤكد الحسيني أن «العدوان لا يفرّق بين المزارعين وغيرهم، ما يجعل القطاف في معظم القرى الجنوبية مستبعداً». ومع غياب الإنتاج الجنوبي، يتوقع الحسيني أن «ترتفع الأسعار بشكل ملحوظ، حتى مع تراجع الطلب بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث يعمد جزء كبير من اللبنانيين إلى تخزين الزيت والزيتون خلال هذا الشهر، لكن الأوضاع المعيشية وظروف السكن لن تسمح لهم بالشراء هذا العام»، ورغم أن محافظتَي الشمال وعكار قد تستطيعان تغطية جزء من النقص، إلا أن الجودة الأقل لزيت الشمال مقارنة بالجنوب تزيد من حجم الفجوة في السوق. وفي المحصلة، فإن «نقص المعروض من الزيتون، حتى في ظل تراجع الطلب، سيؤدي إلى تذبذب الأسعار وارتفاعها».