خسائر يجب تعويضها

 

ظلم الاقتصاد اللبناني اذ يتحمل وحده نتائج الحرب الاقليمية القائمة منذ عقود. ظلم الاقتصاد أو ظلمنا أنفسنا في وقت تنعم خلاله معظم الدول المجاورة بالهدؤ والاستقرار وأحيانا الازدهار. حملنا كلبنانيين أهم القضايا العربية على أكتافنا وحاولنا ايجاد العدالة الغائبة التي ظلمت قسما مهما من الشعوب العربية وما زالت. حملنا القضية أو أحيانا القضايا بحماسة واندفاع بالرغم من أن اقتصادنا صغير أو ربما الأصغر اقليميا. من الضروري القول أننا لم نكن متفقين حول الدور الذي يجب أن نلعبه وهذا أضعفنا وسبب خلافات أساسية حادة فيما بيننا. عدم الاتفاق على الأهداف والأدوات أضعف مواقفنا خاصة في مواجهة عدو، وأحيانا أعداء، لهم شبكات تحالفات قوية وواسعة دوليا. لا شك أن هنالك أسباب سياسية للخلافات، لكن هنالك أيضا أسباب طائفية ومذهبية وثقافية عمقت الفجوات الى حدود كبيرة ومقلقة.

رئيس وزراء اسرائيل لم يكتف مثلا بتبرير حربه المباشرة على غزة وغير المباشرة على كل الدول العربية، بل سمح لنفسه في الأمم المتحدة باتهام المجتمع الدولي بكرهه لاسرائيل علما أنه ليست هنالك أي دولة دعمت عالميا كما حصل لاسرائيل. التأييد العالمي لغزة والتعاطف معها ومع مواطنيها، في رأيه، ليس هو الدافع للوقوف العالمي الانساني ضد اسرائيل بل الموقف السلبي الشعبي السياسي الثقافي الموجود عالميا ضد اسرائيل منذ بداية القرن الماضي. تحدى المجتمع الدولي في عقر داره وهذا ما لم يجرؤ أحد عليه حتى القيادات السوفياتية والأميركية وغيرها. المواقف العربية كانت عموما خجولة وضعيفة وأحيانا مترددة، وأضعف ما فيها غياب التأييد العلني الرسمي الواضح وغير المتردد للمدافعين عن حقوق العرب.

نتائج حرب غزة على لبنان سلبية وكبيرة وستكبر مع الوقت اذا لم نبادر حكومة وشعبا ومجتمعا وقيادات الى القيام بخطوات جريئة ضرورية وسريعة. كيف نصف أهم المراحل التي مررنا بها منذ بدء الأزمة الحديثة أي من 2019 حتى اليوم؟

أولا: منذ 2019 والاقتصاد اللبناني يسقط وأهم مزاياه انهيار الليرة والقطاع المصرفي الذي أفقد ثقة اللبنانيين بأهم قطاع عندنا كما بالقطاع العام ككل. تعويضات اللبنانيين، جنى العمر، وودائعهم الصغيرة محجوزة في المصارف ولا أفق واضح لكيفية استردادها. طالما لم تعد الثقة الى القطاع المصرفي لن يتعافى لبنان اقتصاديا. كل القطاعات الاقتصادية تضررت وخسرت حجمها ورونقها ونوعيتها. أين صناعاتنا اليوم من صناعات الأمس التي هاجرت. نفس الموضوع يسري على الزراعة والخدمات التعليمية والصحية والمالية وغيرها. لبنان اليوم ليس كلبنان الأمس خاصة وأن أي اقتصاد صغير يتميز بنوعيته وهذا ما فقدناه.

ثانيا: نحاول حديثا ادخال التكنولوجيا للتعويض عن الخسائر المادية، لكننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن النجاح في المهمة. الخسارة الأهم هي ما يرتبط بالشباب حيث فقدنا مستويات تعليمية عالية استثنائية مبدعة خاصة في القطاع الجامعي. العدد المرتفع للجامعات والكليات بالاضافة الى نوعية التعليم والبحوث ساهمت كلها في اضعافنا دوليا واقليميا الى حدود مقلقة. أسواء نتائج الوضع الحالي العام هو أنها تدفع الشباب والشابات الى اليأس وبالتالي الى الرغبة في الهجرة أو الهجرة اذا استطاعوا. هذا لا يمكن مقاومته بسهولة اذ أن الشباب واع وقلق بل فاقد للأمل أحيانا في امكانية العودة الى أوضاع طبيعية ايجابية.

في ظل هذه الظروف القاتمة ماذا يمكننا أن نفعل منذ الآن وكيف نتحكم بالعقل والمنطق للوصول الى شاطئ الآمان؟ يجب التحضير للاجواء الجديدة بحيث نصبح مقتنعين جميعا بأهمية التغيير والانتقال الى الأمام. من الخطوات المهمة نذكر:

أولا: ملئ الفراغ السياسي بسرعة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة واعطاء المؤسسات جرعات آمل واحترام كي تعود الى العمل لمصلحة المواطن. يجب اعادة ثقة المواطن بالمؤسسات العامة، أهمها القضائية والادارية والمالية وغيرها لأن من دونها لا دولة ولا مستقبل للبنان. يجب أن يعود احترام المواطن للمؤسسات العامة بسرعة كي تنهض. ماذا ننتظر؟ يجب تفعيل المؤسسات العامة التي تساعد الشباب والشابات على ايجاد فرص عمل مناسبة قبل أن تغادر. من يغادر لبنان في ظروف اليوم لن يعود أو ربما يعود بصعوبة تاركا جزئا منه في الخارج.

ثانيا: دعوة صندوق النقد الدولي الى القدوم فورا الى لبنان لاعادة احياء الاتفاق الأولي الذي وقع منذ سنوات قليلة ولا يمكننا النهوض من دونه. هنالك 4 قوانين يجب الموافقة عليها وتحديث ما تم درسه سابقا. توقيع الاتفاق يسمح للصندوق باقراض لبنان بضعة مليارات من الدولارات. لكن الأهم هو أن الدول الشقيقة والصديقة في المنطقة وخارجها ستقرض أو تمنح لبنان، عبر هذه الاتفاقية، مليارات أخرى تسمح للاقتصاد بالوقوف بسرعة على رجليه والبدء بالعمل لمصلحة المواطن ومعيشته. اقتصادنا صغير وبالتالي مليارات قليلة من الدولارات تكفي لانعاش المجتمع والمواطن شرط حسن الاستعمال والتوظيف. محاربة الفساد ضرورية ويجب البدء بها لكن الوقت هو عامل أساسي للنجاح.

ثالثا: يجب الاهتمام بالتغيير الديموغرافي الكبير في الداخل الذي يغير وجه لبنان. ليست المشكلة بين اللبنانيين بل مع اللاجئين والنازحين والقادمين قسرا والذي يخلقون أجواء تسيء الى جاذبية لبنان كاقتصاد. هنالك تكلفة كبيرة للاستضافة في وقت يعجز المجتمع عن تمويل التكلفة التعليمية والاستشفائية والغذائية للبنانيين أنفسهم. أقتصاديا، مهم جدا أن نعود الى النمو لتضييق فجوات الدخل وتمويل الانتاج والحفاظ على البيئة. واجب أي حكومة جديدة الاستمرار في الاهتمام بسعر صرف الليرة تجاه الدولار، اذ يدخل في صلب الاستقرار الاجتماعي خاصة وأننا دولة تستورد كل شيء تقريبا. مع أن هذه وظيفة مصرف لبنان، الا أن اهتمام الحكومة بعمل المصرف المركزي مباشرة وعبر مفوضها مهم جدا للاستمرار في الحفاظ على الاستقرار النقدي.

Leave A Reply

Your email address will not be published.