الأولويّة منع تهريب المهاجرين أو حماية الحدود البحريّة؟

في 28 أيار 2024، وافق مجلس الوزراء على الإستراتيجية البحرية المتكاملة للبنان والدراسة التقييمية للمجال البحري المقترحة من وزارة الدفاع، وهو أمر جيد وضروري، وتدعمه دول عدة، في طليعتها دول أوروبية، لكن لأهداف تختلف عن تلك التي يبتغيها لبنان من هذه الإستراتيجية، وعلى رأسها حماية الحدود البحرية والحفاظ على الثروات ناهيك بمكافحة الجرائم التي تجري في البحر أو عبره؛ في حين يهدف الاتحاد الأوروبي إلى حماية أراضيه من المهاجرين غير الشرعيين، إضافة إلى أهداف أخرى غير معلنة

«الإستراتيجية البحرية» تعني مجموعة من خطط العمل التي تهدف إلى تحقيق ما يسمى بالأمن والسلامة البحريين، عبر حماية الموارد البترولية الكامنة في البحر والحدود البحرية من مختلف الاعتداءات، ولا سيّما الإسرائيلية وتأمين سلامة عمليات المسح البحري. وأي إستراتيجية يقتضي أن تحقق على المدى الطويل إيرادات مالية للخزينة العامة. إذ إن هناك خسائر مباشر للإيرادات من الأنشطة غير القانونية في المجال البحري، ومنها تهريب البضائع والإتجار غير المشروع بمختلف أنواعه. كذلك، يقتضي أن تهدف الإستراتيجية إلى تحسين مستوى المعيشة للعاملين في القطاعات البحرية كافة والمساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ومن بين الأهداف المهمة أيضاً تعزيز وحماية التجارة الدولية عبر البحر ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للبلدان والتي تشمل مكافحة تبييض الأموال والإتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات والسطو المسلح في البحر والقرصنة البحرية والإتجار غير المشروع بالنفط المسروق أو المهرب ومكافحة الإرهاب البحري ومكافحة الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين عن طريق البحر. ولا بد من إضافة هدف حماية الاتصالات الدولية حيث تمر الكوابل في البحار.وافق لبنان على الإستراتيجية البحرية التي اشترطها الاتحاد الأوروبي مقابل هبة بقيمة 7 ملايين يورو. وأقر مجلس الوزراء في 28 أيار 2024 الإستراتيجية المتكاملة والدراسة التقييمية للمجال البحري المقترحة من وزارة الدفاع الوطني، على أن تقوم وزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للنقل البري والبحري، بموجب الصلاحيات المعطاة لها في القوانين وبالتعاون مع وكالة السلامة البحرية الأوروبية EMSA، بوضع إستراتيجية خاصة بالإدارة البحرية وأهدافها وتدابيرها المستخدمة، على أن توضع الإستراتيجية موضع التنفيذ بالتنسيق والتكامل مع باقي الوزارات والهيئات ذات الصلة.
تقوم هذه الاستراتيجيّة على:
● تعزيز الأمن والسلامة البحرية والمحافظة عليهما
● تحديث التشريعات ومواكبة القوانين البحرية الدولية
● تعزيز مراقبة الحدود البحرية وضبطها
● تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجال البحري
● تحقيق التنمية المستدامة في المجال البحري
● تنظيم الشاطئ اللبناني ووضع مخطط للمجال البحري
● رفع المستوى الصحي في المجال البحري
● تنشيط السياحة البحرية

من بين كل هذه الأهداف، اختار الاتحاد الأوروبي فقط مكافحة الإتجار بالبشر، وخصوصاً منع دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر البحر. في حين نقلت تقارير إخبارية إيطالية، ومسؤولون في الأمم المتحدة، في الرابع من أيلول أنّ سبعة أشخاص تم إنقاذهم فيما بقي 21 في عداد المفقودين في البحر بعد غرق قارب مهاجرين، معظمهم سوريون، قبالة ساحل جزيرة لامبيدوزا في إيطاليا. قبلها بشهر، في الرابع من آب الماضي، أعلن حرس السواحل في إيطاليا مصرع مهاجرين بعد إنقاذهما مع أكثر من 30 آخرين في البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل الشرقي لجزيرة صقلية. ونقلت «فرانس برس» أن حرس الحدود تلقّى نداء استغاثة في وقت متأخر السبت من قارب يبحر على بُعد حوالى 17 ميلاً جنوب شرق سيراكيوز وعلى متنه مهاجرون من سوريا ومصر وبنغلادش. وأوضح بيان لحرس الحدود أن عمليات البحث والإنقاذ بدأت بإرسال زورق وطائرة إلى المنطقة، لكن «انتهى الأمر بركاب السفينة في الماء مع اقتراب زورق الدورية». وفي 19 حزيران 2024، أعلن خفر السواحل الإيطالي انتشال ست جثث بعد غرق قارب يقل مهاجرين قبالة السواحل الجنوبية، وفقدان أكثر من 60 شخصاً كانوا على متنه بينهم عدد من الأطفال، وتم إنقاذ 12 شخصاً بعدما غرق القارب على بُعد حوالى 120 ميلاً بحرياً قبالة سواحل كالابريا. وذكرت وكالة «أنسا» الإخبارية الإيطالية أن بين القتلى شابة عراقية تبلغ من العمر 25 عاماً، ما يعني أن هؤلاء المهاجرين ليسوا من لبنان أو عبره وأن الأمر يستدعي إستراتيجية متوسطية مشتركة بين الدول العربية تتضافر مع الجهود اللبنانية، على أن تشمل منع الاعتداءات الإسرائيلية ومجابهتها.

جهود القوى الأمنية على قدر الإمكانات
على الصعيد المحلي، لم تقصّر القوى الأمنية اللبنانية وعلى رأسها الجيش في هذه المهمات بحسب البيانات التي تصدر عنه رسمياً. وتخوض مختلف القوى الأمنية عمليات كرّ وفرّ مع عصابات تهريب المهاجرين، إلا أن الإمكانات محدودة بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والضائقة التي تعاني منها القوى الأمنية.
هل تهدف الإستراتيجية وهبة الـ 7 ملايين يورو المرتبطة بها إلى ضبط الهجرة غير الشرعية عبر البحر فقط أم حماية حقيقية للحدود البحرية؟
وأعلنت قيادة الجيش في 18 آب 2024 أن دوريتين من مديرية المخابرات أوقفتا 204 سوريين أثناء محاولتهم السفر عبر البحر بطريقة غير شرعية، وتم دهم منزل (م. أ.) في بلدة ببنين (الشمال) حيث أوقف 54 سورياً، كما أوقف 150 سورياً عند شاطئ منطقة العريضة و5 لبنانيين و26 سورياً وفلسطينيَّين اثنين كانوا على متن مركبَين مقابل شاطئ منطقة القليعات (الشمال) أثناء محاولتهم السفر عبر البحر بطريقة غير شرعية. وفي 6/10/2023، أحبطت دورية من القوات البحرية في الجيش عملية تهريب أشخاص عبر البحر بطريقة غير شرعية مقابل شاطئ طرابلس، وتمكّنت من إنقاذ 124 مهاجراً غير شرعي من الجنسية السورية (بينهم 8 نساء و24 طفلاً)، كانوا على متن أحد الزوارق. وقبلها بسنة، في 30 تشرين الثاني 2022، صدر عن قيادة الجيش بيان أعلنت فيه توقيف 34 مهاجراً من الجنسيتين العراقية والسورية، كانوا ينوون الانتقال بحراً بطريقة غير شرعية إلى إحدى الدول الأوروبية، كما أوقفت 3 سوريين لتَورطهم في العملية.

هل الإستراتيجية والهبة تهدفان إلى ضبط الهجرة غير الشرعيّة؟
ربط الاتحاد الأوروبي المساعدات المتعلّقة بموضوع الإدارة المتكاملة للحدود، والتي تبلغ قيمتها 7 ملايين يورو، بالموافقة على الإستراتيجية البحرية المتكاملة للبنان ومسوّدة الدراسة التقييمية للإطار القانوني الوضعي للمجال البحري اللبناني التي أنجزتها لجنة مراقبة وضبط الحدود في الجيش بالتعاون مع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ICMPD الذي قام بتطوير الدراسة ضمن مشروع تعزيز قدرات الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان.
تجدر الإشارة إلى أنه في إطار مشروع الإدارة المتكاملة للحدود الممول من الاتحاد الأوروبي، سبق أن قدّم المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ICMPD في بيروت عام 2020 هبة للمديرية العامة للجمارك، هي عبارة عن 50 جهاز إرسال واستقبال لا سلكي، وعدد من الهبات التي تتمحور حول البحث والإنقاذ البحري بين عامَي 2018 ومطلع 2024 بقيمة 2.6 مليون يورو، ما يعني أن المساعدات والهبات التي قدمها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة في بيروت انحصرت بدعم مهمات القوى الأمنية في إطار مكافحة تهريب الأشخاص من دون أي دعم لتحقيق الأهداف الأخرى للإستراتيجية الوطنية. فهل الإستراتيجية والهبة المرتبطة بها البالغة 7 ملايين يورو تهدف إلى ضبط الهجرة غير الشرعية عبر البحر فقط أم ان الأمر يتعدى ذلك لنصل إلى حماية حقيقية للحدود البحرية ولكي تشمل هذه الحماية منع الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود البحرية اللبنانية؟

Leave A Reply

Your email address will not be published.