اقتراح قانون الجنسية «لمن يستحقّ»… لا لمن «يدفع أكثر»
مرّت نحو مئة سنة على إصدار قانون الجنسية اللّبنانية، ولم يتحرّر لبنان بعد من هواجسه الديموغرافية والطائفية والعقلية الذكورية التمييزية لدى مقاربة ملف الجنسية. لا تزال «فوبيا» تجنيس اللاجئين الفلسطينيين ثم السوريين واختلال «الميزان الطائفي» تسيطر على المشرّع الذي يكيل بمكيالين، فيحرم المرأة اللبنانية من حقّها في منح زوجها الأجنبي وأولادهما الجنسية ليقطع الطريق أمام «تجنيس الفلسطيني والسوري»، ولا يكترث لانتقال الجنسية من رجل لبناني إلى زوجته الفلسطينية أو السورية. ولا تزال الجنسية اللبنانية «تُباع لمن يدفع أكثر»، كما تقول النائبة حليمة القعقور في مؤتمر صحافي بعنوان «الجنسية اللبنانية، لوين بعد المية؟» أطلقته جمعية «رواد الحقوق» الجمعة الماضي. كذلك «يسود الغموض وتكثر الاجتهادات والاستنسابية بين القضاة في قضايا الجنسية بسبب كثرة النصوص القانونية التي تتناول المسألة (أكثر من 30 نصاً قانونياً)، وتبعثرها واختلاف تفسيراتها، وغموضها، ما يتسبب في معاناة الأفراد والقضاة»، بحسب القاضي المنفرد الناظرة في قضايا الجنسية والأحوال الشخصية فاطمة ماجد.وُضِع الكثير من اقتراحات القوانين لسدّ الثغرات في القانون الحالي، بعضها يمكث في أدراج المجلس النيابي، وأخرى ظلّت أفكاراً معلّقة في الهواء. آخر المحاولات اقتراح قانون «الجنسية اللبنانية» الذي أطلقته جمعية «رواد الحقوق» في المؤتمر الصحافي وتبنّت القعقور «خوض معركة وضعه على أجندة مجلس النواب قبل الحديث عن وصوله إلى الهيئة العامة والتصويت عليه، ومواجهة محاولات تشويهه وإفراغه من مضمونه». واقتراح القانون، بحسب مسؤولة المناصرة في الجمعية برنا حبيب، «يضع شروطاً ومعايير وإجراءات تضمن حيازة كلّ مستحق الجنسية»، ما يعني منح الجنسية للفئات المحرومة منها والتشدّد في ضوابط منحها لحجبها عمّن لا يستحقها. وأبرز المستحقين المحرومين من الجنسية هم أفراد أُسر اللّبنانيات المتزوجات من أجنبي (الزوج والأولاد) الذين يعانون من انتهاكات صارخة لحقهم في التنقل والصحة والتعليم والعمل وغيرها. لذلك، ركّز المحاضرون على ما ينصّ عليه القانون المقترح من «الحق في نقل الجنسية للمولودين من أب أو أم لبنانييْن بشكل متساو من دون تمييز جندري».
وفي ما يخصّ اكتساب الجنسية عبر الزواج، يساوي القانون المقترح بين الرجل والمرأة، كذلك بين المرأة اللبنانية والمكتومة القيد بعدما نصّ القانون الحالي على حرمان المكتومة القيد من الجنسية بعد الزواج من لبناني وتسوية ملفها قضائياً. ومن جهة ثانية، يتشدد في ضوابط نقلها مثل اشتراط استمرار الزواج خمس سنوات بعد تسجيله في دوائر النفوس قبل منح الزوج/ة الحق في الجنسية، بدلاً من سنة واحدة بحسب ما جاء في القانون الحالي، وذلك «للتأكد من صحة الزيجات والحدّ من الزواج الأبيض الذي يعقده الزوجان عن مصلحة للاستفادة من الجنسية»، كما تعلّل حبيب.
وينسحب التشدّد في منح الجنسية أيضاً على وضع تعريفات ومعايير تفصيلية توضح من تنطبق عليهم صفة «مولود على الأراضي اللبنانية» للاستفادة من الجنسية بناءً على رابطة الأرض. بالإضافة إلى التوسّع في شروط التجنيس لتشمل «معرفة المتقدّمين للتجنّس بلبنان وثقافته ولغته وقوانينه، وإقامتهم فيه نظامياً لمدّة عشر سنوات تؤكد نيتهم الاستقرار فيه، على أن يكون لديهم مصدر دخل ثابت، وتأدية كلّ الضرائب والمستحقات للدولة، ونظافة سجلّهم العدلي وعدم تشكيلهم أي تهديد للأمن القومي أو السلم الأهلي». كلّ هذه الشروط غير موجودة في مرسوم التجنيس باستثناء شرط الإقامة لمدة عشر سنوات، ما يشرعن الاستنسابية في قبول التجنيس أو رفضه، و«صحيح أن هذه الاستنسابية ستستمرّ إذا أُقرّ القانون المقترح، لكن بطريقة مضبوطة أكثر عبر إنشاء لجنة مؤلّفة من قضاة وإداريين في الوزارات المعنية ومتخصّصين في التاريخ والقانون تراقب توفّر شروط التجنيس».
وفي إطار مناقشة استحقاق الجنسية اللبنانية، لفت المدير التنفيذي لـ«المفكّرة القانونية» المحامي نزار صاغية إلى «مسؤولية الدولة في استعادة مغتربيها الذين تهجّروا خلال الأزمات الكبرى التي مرّت بها البلاد، ولا سيما إبّان الحرب الأهلية والمجاعة، والـ 10 آلاف طفل الذين تبنّتهم عائلات أجنبية خلال هذه الأزمات، والذين لا نعرف عنهم شيئاً ولا ننظر إليهم سوى كأرقام قد ترجّح كفّة الميزان لطائفة دون أخرى».