بين التحدّيات والفرص: هل ينجح لبنان في إنشاء شبكة محميات بحرية فعّالة؟

 

عام 2012، أعدّت وزارة البيئة الاستراتيجية الوطنية للمحميات البحرية، وبعد 10 سنوات أعدّ التجمّع اللبناني للبيئة مشروعاً وحصل على دعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي لتطوير الاستراتيجية ونقلها من النظرية للتطبيق. وفي هذا الإطار مقابلة مع المهندس مالك غندور، رئيس التجمّع اللبناني للبيئة حول الحملة الوطنية لانشاء شبكة مناطق بحرية محمية في لبنان.

س: ما واقع المحميات البحرية في لبنان اليوم؟

على الرغم من أنّ لبنان يغطّي أقل من 1% من سطح المحيطات في العالم، إلّا أنّ النظم البيئية البحرية في لبنان تحشد ما يقارب الـ 6% من جميع الأنواع البحرية في العالم.

هذا التنوّع البيولوجي الرائع يؤكّد على الأهمية البيئية للمياه الساحلية في لبنان، إلّا أنّها تتعرّض إلى تهديد متزايد من قِبل عدد لا يحصى من التدخّلات البشرية، بما في ذلك التلوّث، ممارسات الصيد غير المستدامة، تدمير الموائل وتغيّر المناخ.

وعلى الرغم من وجود العديد من القوانين والمراسيم المتعلّقة بالنظم البيئية البحرية التي يعود تاريخها إلى عام 1920، فإنّ لبنان يواجه تحدّيات كبيرة في المحافظة على التنوّع البيولوجي البحري.

وتشمل هذه التحدّيات الافتقار إلى التنفيذ، سوء التخطيط، المصالح السياسية، والافتقار إلى الوعي العام بأهمية الموارد البحرية. هذا التدهور السريع للتنوّع البيولوجي البحري، الذي تفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية، يؤكّد على الحاجة الملحة لمعالجة هذه التحديات.

في هذا الإطار بادر لبنان إلى بذل الجهود لإنشاء مناطق بحرية محمية كإستراتيجية للحفاظ على البيئة. ووضعت وزارة البيئة استراتيجية للمحميات البحرية عام 2012، واقترحت الحفاظ على 21 موقعاً، بما في ذلك 4 مواقع في مياه البحر العميقة.

ومن بين هذه المواقع الـ 21 المقترحة، أنشأت 3 محميات بحرية فقط. تؤدّي هذه المناطق البحرية دورها كنطاقات حماية محورية، إذ تعمل على حماية النظم البيئية البحرية المتنوّعة والموائل الضرورية للاستدامة البيئية للبلاد. لذلك، لا بُدّ من بذل المزيد من الجهود لزيادة عدد المحميات البحرية بسرعة.

س: ماذا نعني بشبكة محميات بحرية؟

شبكة المناطق البحرية المحمية هي إطار عمل استراتيجي للحفاظ على البيئة مُصمَّم لتعزيز الإدارة المستدامة للموارد البحرية عبرمواقع مترابطة. وعلى عكس المناطق البحرية المحمية المستقلة، التي تعمل بشكل مستقل، تشمُل شبكات المناطق البحرية المحمية سلسلة من المناطق المخصّصة والمرتبطة استراتيجياً لتعزيز نتائج الحفاظ على البيئة بنطاق أوسع. ويتطلّب تصميم شبكة ناجحة للمناطق البحرية المحمية اتباع منهج شامل يدمج الشبكات البيئية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية.

س: ما هي المطالب، ولماذا هي مهمة، مع العلم أنّ البلاد تواجه مشاكل اقتصادية عميقة؟

تطالب “الحملة الوطنية لإنشاء شبكة مناطق بحرية محمية في لبنان” بإنشاء شبكة فعالة تغطي ما لا يقلّ عن 30٪ من المنطقة الاقتصادية الخاصة في لبنان بحلول عام 2030. وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية العميقة التي تواجه البلاد، فإنّ هذه المبادرة حاسمة لعدة أسباب. أولاً، إنّها تعالج التهديدات التي تواجه التنوّع البيولوجي والموارد البحرية، التي تُعَدّ ضرورية جداً لسبل عيش أكثر من 100 ألف مواطن لبناني. إذ يضمّ مجتمع الصيد ما لا يقل عن 100,000 فرد، بالإضافة إلى السياحة البحرية وصناعة المأكولات البحرية واستخراج الملح وما إلى ذلك. إنّ إنشاء شبكة مناطق بحرية محمية ضروري للإدارة المستدامة للموارد البحرية، ممّا يعود بالنفع على المجتمعات الساحلية المحلية على المدى الطويل. إنّ إعطاء الأولوية لشبكة المناطق البحرية المحمية أمر ضروري ليس فقط لحماية التنوّع البيولوجي، لكن أيضاً لتعزيز المرونة الاجتماعية والاقتصادية في مواجهة التحدّيات الاقتصادية.

س: كيف ستُحمى شبكة المناطق البحرية المحمية، مع العلم أنّ الحكومة لديها القليل من الموارد والأولويات الأخرى؟ كيف نضمن الإذعان؟

لطالما شكّل تطبيق القانون في لبنان تحدّياً. وهذا لا يعني أنّه لا ينبغي لنا إنشاء مناطق بحرية محمية. لدينا بالفعل العديد من المناطق المحمية على الأرض، وكلّها تواجه تحدّيات. ومع ذلك، من دون هذه المناطق المحمية فإنّ الوضع سيكون أسوأ بكثير. لذلك نحتاج إلى العمل بجدية أكبر على تطبيق القانون، ولا يمكننا القيام بذلك من دون وجود شيء نحميه. بالتالي، نحتاج أولاً إلى إنشاء شبكة المناطق البحرية المحمية، ثم العمل معاً على حمايتها، مع استيعاب جميع التحدّيات التي نواجهها، بما في ذلك الموارد القليلة التي تمتلكها الحكومة. ومع ذلك، فإنّ حماية المناطق البحرية في البحر أسهل بكثير من حماية المناطق البرية. لا يمكن سوى لعدد قليل جداً من الجهات والأفراد الوصول إلى البحر، ويتم ذلك بشكل أساسي من خلال القوارب والسفن، ممّا يجعل مراقبة المناطق البحرية المحمية أسهل بكثير. يمكن القيام بذلك من خلال الرادارات أو الأقمار الصناعية أو المراقبة البرية. لقد تحدّثنا مع البحرية اللبنانية ووزارة الزراعة ووزارة البيئة، وهناك استعداد هائل من جميع الجهات للتعاون في هذه القضية.

س: ما هي أبرز التهديدات التي تواجه الحياة البحرية في لبنان؟ وهل ستوقف شبكة المناطق البحرية المحمية كل هذه التهديدات؟

يواجه البحر في لبنان تهديدات متعدّدة، بما في ذلك الصيد الجائر، الصيد غير المشروع، التلوّث، تدمير الموائل، الأصناف المجتاحة، تغيّر المناخ، استخراج الرمال، وما إلى ذلك. إنّ إنشاء شبكة من مناطق بحرية محمية تغطي 30% من المناطق البحرية في لبنان من شأنه أن يعالج بشكل مباشر بعض هذه المشاكل، لكنّه لن يحلها جميعاً. ومع ذلك، فإنّ شبكة المناطق البحرية المحمية من شأنها أن تزيد من قدرة تحمل النظم الإيكولوجية البحرية لهذه التهديدات. وستخلق حاجزاً ضدّ هذه التهديدات وتمنح فرصة لاستعادة الموارد البحرية. إنّ شبكة المناطق البحرية المحمية ليست كل الحل، بل هي حَلّ رئيسي وعاجل. بالإضافة إلى هذه الشبكة، نحتاج إلى وقف مصادر التلوّث، فرض الصيد المستدام، ومعالجة تغيّر المناخ عالمياً.

س: هل هناك أي قصص نجاح من المناطق البحرية المحمية في لبنان؟ هل أدّت أي محمية بحرية حالية إلى تحسين الحياة البحرية؟

هناك حالياً 3 مناطق بحرية محمية قائمة في لبنان، وهي محمية جزر النخيل الطبيعية، ومحمية ساحل صور الطبيعية، ومحمية ساحل العباسية الطبيعية. وقد تم تحقيق تقدّم كبير في حماية هذه المناطق البحرية المحمية، خصوصاً في جزر النخيل وصور. وتلقت هذه المناطق البحرية المحمية مؤخّراً الموارد اللازمة لزيادة عدد موظفيها وتنفيذ آليات الدعم. مع ذلك، تواجه هذه المناطق البحرية المحمية العديد من التحدّيات، التي تحاول حلّها. وعلى الرغم من إجراء البحوث العلمية والمشاريع العلمية وحملات التوعية خلال العام وزيارة السياح للمحميات البحرية بانتظام، إلّا أنّه لا يزال هناك الكثير ممّا يتعيّن القيام به. حالياً، تلقت محمية جزر النخيل الطبيعية تمويلاً ليس فقط لفرض الحماية، لكن أيضاً لمراقبة الحياة البحرية في المحمية وحولها على مدى السنوات الخمس المقبلة، التي ستكون المرة الأولى التي نحصل فيها على دليل حول فعالية المناطق البحرية المحمية في لبنان.

س: ما هو الدور الذي تلعبه المجتمعات المحلية لضمان نجاح المناطق البحرية المحمية؟ ماذا ينبغي عليهم أن يفعلوا؟

إنّ المجتمعات المحلية تلعب دوراً بالغ الأهمية في جعل المناطق البحرية المحمية فعّالة. والواقع أنّه بات من المفهوم الآن أنّ المناطق البحرية المحمية لن تنجح من دون دعم المجتمعات المحلية ومشاركتها. ولا يقتصر الأمر على دول مثل لبنان فقط، إذ لا يوجد سوى القليل من تطبيق القانون. وحتى في البلدان المتقدّمة، أصبح إشراك المجتمعات المحلية أمراً مِحوَرياً في حَوكمة المناطق البحرية المحمية وإدارتها. فعندما تشعر المجتمعات المحلية بملكيّتها للمنطقة البحرية المحمية المحلية، فإنّها ستلعب دوراً بنّاءً في حماية وتحسين المنطقة البحرية المحمية. ونحن ندعم بقوة مشاركة المجتمع المحلي في حَوكمة المناطق البحرية المحمية وإدارتها. وينبغي أن يكون المجتمع المحلي جزءاً من اللجنة الحاكمة وأن يكون له دور محدّد في تطبيق القانون، من بين العديد من الطرق الأخرى للمشاركة. وينبغي لكل منطقة بحرية محمية أن يكون لديها خطة لإشراك المجتمع المحلي تشكّل مِحوَراً لدور المنطقة البحرية المحمية.

س: ما هو الإطار القانوني لإنشاء شبكة من المناطق البحرية المحمية في لبنان؟ من ينشئها وكيف؟

وزارة البيئة مكلفة بإنشاء جميع أنواع المناطق المحمية في لبنان، بما في ذلك المناطق البحرية المحمية. في عام 2019، صدر قانون المناطق المحمية، وهو يوفّر إطاراً عاماً حول كيفية إنشاء المناطق المحمية وإدارتها. لا يقدّم هذا القانون معلومات محدّدة بخصوص بالمناطق المحمية البحرية، وقد تم تصميمه بشكل أساسي بناءً على الخبرة في المناطق المحمية البرية. لم يكن هذا مقصوداً، لكنّه حصل بسبب الخبرة المحدودة في حماية البحار. تجري الحملة حالياً مراجعة قانونية لمعالجة هذه الفجوة، وتقديم توصيات حول كيفية تحسين الإطار القانوني لإنشاء مناطق بحرية محمية محددة، خصوصاً المناطق المحمية البعيدة عن الشاطئ، وكذلك حَوكمة وإدارة شبكة واحدة متصلة بين المناطق البحرية المحمية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.