من منع الرئيس عون وفريقه من تنفيذ الإصلاحات؟
حين يقرر الجميع فتح أوراق الماضي والمحاسبة علنا، في سبيل تدمير الآخر لا كشف الحقيقة، يظهر جانب من هذه الحقائق وتدخل الملفات الحساسة باب المزايدات.
هذا ما يحصل بالتحديد داخل “التيار الوطني الحر”. إذ يبدو أن المعارك باتت تطفو إلى الواجهة، وانتقل البعض إلى الخطة “ب” من “الحروب الداخلية” و”تدمير الصورة”.
وما كان لافتا هو زج الرئيس ميشال عون مجددا في “حلبة الصراع”، إذ برز نشر مقال قبل أيام، نسب إلى الرئيس عون، يتهم فيه رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبرهيم كنعان “بالتواطؤ مع المصارف”، ثم ما لبث أن سحب المقال، قبل أن تنشر مقالات أخرى تنسب الى مصادر في “التيار”، وتورد “تقصير كنعان في إقرار قانون الكابيتال كونترول”، وتحميل لجنة المال مسؤولية مناقشة اقتراحات القوانين الإصلاحية وإقرارها.
هكذا، يبدو أن معارك “التيار” ستصبح علنية، من باب تصفية الحسابات، انطلاقا من استخدام عدد من الملفات الدسمة التي تلامس هموم المواطن، أو بالأحرى أمواله.
والسؤال الأكثر من بديهي: “هذه الحرب يمكن أن تكون جائزة إذا كان الفريقان متواجهين، إلا أن الرئيس عون وأركان “التيار”، كانوا جميعهم في سدّة مسؤولية واحدة، من أعلى الهرم في رئاسة الجمهورية، وصولا إلى أصغر موظف في بعض الإدارات العامة. فمن قصرّ تجاه من؟ وإذا كان بالفعل ثمة تقصير أو تواطؤ، فلمَ صمت الرئيس عون، وهو الذي رفع شعار “التغيير والإصلاح”، و”العهد القوي”، عن هذه التجاوزات من فريق عمله بالذات، هو الذي أراد أن ينجح في إصلاحه؟ ألم يكن من الأسهل البدء بفريقه الداخلي إذا كان ثمة تقصير؟ أو أقله أن يبعد من كان “متواطئا”، بنظره؟
فالسلطة كانت بيده، والحجة كانت أكثر من موجودة. ثم، أليس هو من “رعى” إصدار كتاب “الإبراء المستحيل” وباركه، قبل أن يسارع إلى نسفه في الكثير من القرارات، وأولها برعاية “التفاهم الوطني” للوصول إلى الرئاسة، وآخرها بالتصويت لمرشح رئاسي ينتمي إلى فريق سياسي كان محور كتاب “الإبراء” وتفاصيله؟!
في المحصّلة، يبدو أن معارك “التيار” طفت على السطح.
مصادر “التيار” تؤكد أن “الحزب لن يقبل بتشويه صورته أو فبركة أخبار تنال من تاريخه والقيم التي نشأ عليه”. وتلفت الى أنه “عندما يستوجب الأمر الرد أو الإطلالة الإعلامية، حفاظا على هذا التاريخ، فلن نتوانى عن ذلك”.
إنما المفارقة الكبرى أن النواب الثلاثة، تحديدا الذين باتوا خارج “التيار”، هم الصامتون، ولا ينشرون أي وقائع أو مستندات، فيما “اللعب على وتر فتح بعض الملفات لم يأت من جانبهم”.
واللافت أكثر أن الرئيس عون هو نفسه من وقّع، مثلا، قانون السرية المصرفية الذي أقرته الهيئة العامة لمجلس النواب انطلاقا مما أقرته لجنة المال والموازنة من تعديل للقانون، بعدما فرغت منه اللجنة وفق ملاحظات رئيس الجمهورية نفسه، وكان قد رده في صيغته الأولى. وإذا كان ثمة فشل أو عجز، فلمَ السكوت عن التجاوزات طوال هذه الأعوام، فيما كان البلد يغلي ويثور، وبالتالي كان في لحظة سياسية مؤاتية للإصلاحات، تحت الضغط الشعبي؟ فمن منع الرئيس عون وفريقه الوزاري من تنفيذ الإصلاح؟ ولمَ لم يحاسب يومها من كان متواطئا؟ ألم تكن هذه الخطوة لتعزز رصيد العهد لو تمت؟
ثم، ألم تعتبر حكومة الرئيس حسان دياب “حكومة العهد الأولى”؟ إذا، من منعها من إقرار سلّة القوانين الإصلاحية وإحالتها على مجلس النواب؟ وهل تختصر الهيئة العامة للمجلس بلجنة نيابية واحدة؟
كنعان: فبركات مصادر
أما على خط كنعان، فبعد الصمت، حرص بالأمس على تفنيد الحقائق، بالوقائع والتواريخ والمستندات المنشورة، منعا لتزوير خلفيات قانون “الكابيتال كونترول” الذي اتهم بعرقلته.
يقول: “من تقاعس عن إقرار “الكابيتال كونترول” في بداية الأزمة هي حكومة حسان دياب، ما دفع بنا وبعدد من الزملاء إلى تقديم “الكابيتال كونترول” بصيغة اقتراح قانون معجّل مكرر في 20 أيار 2020، وبعد رفض الهيئة العامة إقراره وإحالته مجدداً على اللجان النيابية، أقرّت لجنة المال الاقتراح بالصيغة المعدلة وفقاً لملاحظات صندوق النقد في 21 حزيران 2021″.
ويشرح أن “إقرار المفعول الرجعي لرفع السرية المصرفية بالعودة إلى العام 1988، جاء بناء على طلبي وكما عدلته اللجنة الفرعية برئاستي، مع توسيع الجهات التي يحق لها طلب رفع السرية والتي شملت لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان ومؤسسة ضمان الودائع، بالإضافة إلى القضاء والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة التحقيق الخاصة والإدارة الضريبية”.
ويؤكد أن “خطة حكومة الرئيس دياب لم تحل أصلاً على مجلس النواب ليجهضها، بل غرقت في المقاربات المختلفة والمتناقضة بين أركان الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي، والمؤلف من الحكومة ومصرف لبنان، علماً أن نتيجة خطة حكومة دياب، كما خطة حكومة نجيب ميقاتي وكما ثبت اليوم للجميع، هي شطب أموال المودعين عملياً من خلال اعتبارها خسائر يتحملها المودع لا التزامات على مصرف لبنان والمصارف، فضلاً عن تضخيم بعض الأرقام، ومنها على سبيل المثال اعتبار تسليفات المصارف للقطاع الخاص خسائر، كشطب سندات الخزينة التي بذمة الدولة، دينا لمؤسسات القطاعين العام والخاص كالجيش والضمان الاجتماعي والمستشفيات وغير ذلك. وهو ما أوصت بتعديله لجنة المال ولجنة تقصي الحقائق المنبثقة منها في إطار ممارسة دورها الرقابي على أداء الحكومة، حرصاً على المودعين وحقوقهم وجنى عمرهم”.
ويورد كنعان بعض التقارير التي تثبت كلامه، ومنها تقرير لجنة المال والموازنة حول موازنة 2017، وفيه يسأل عن “حصة الدولة من أرباح مصرف لبنان، وعن التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمطالبة به، ومن يقوم بذلك؟ وعن مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان الذي ألغي دوره، وحتى تعيينه، ودور مدير المالية العام كعضو دائم في المجلس المركزي لمصرف لبنان”.
ويختم: “لجنة المال اكتشفت منذ 2013 التعثر المالي في حسابات الدولة وإداراتها ومؤسساتها العامة، وقد شكّل كتاب الإبراء المستحيل يومها مضبطة اتهام، بل إدانة للحكومات المتعاقبة بأكثر من ١٧٧ مليار دولار من الإنفاق من دون حسابات مالية مدققة. هذه بعض الوقائع لمن خانته الذاكرة أو تناسى رقابة وتدقيقاً برلمانياً ومحاضر وإثباتات، وهي حقائق لا تمحوها تسريبات ولا فبركات مصادر”.
في اختصار، ظهرت معارك “التيار” إلى الواجهة… وأول الغيث “الكابيتال كونترول”… والشعب اللبناني يستحق معرفة من عجز بالفعل عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. فلتفتح هذه الصفحة، لأن “التواطؤ” عندها لن يقف بالطبع عند حدود لجنة نيابية، إنما الخوف أن تتحوّل عبارة “ما خلّونا” عن مسارها، وتصوّب على من كان من “أصحاب البيت”!