لماذا الحديث عن تطويع 8 آلاف عسكري ولماذا تعجز الدولة عن تنفيذ المطلب؟

 

قبيل ساعات من الإحياء الرمزي لعيد الجيش الذي نظّمته قيادة الجيش في اليرزة، روّجت أوساط سياسية وإعلامية معلومات مفادها أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيكشف في كلمته المقررة في الاحتفال عن قرار متّخذ بفتح دورة لتطويع ثمانية آلاف عسكري متدرّب في وحدات الجيش المختلفة.

لكن المفاجأة أن الرئيس ميقاتي تناول في كلمته الكثير من المواقف المتصلة بقضايا الساعة، لكنه تحاشى الإتيان على ذكر قرار التطويع المتخذ، ما أطلق التساؤلات عن الموانع والمحاذير التي حالت دون إفصاح ميقاتي عن قرار هو في الوقت الراهن يرقى إلى أن يكون في مقام الحدث، إن أخذ طريقه نحو التنفيذ، كما فتح باب التأويلات حيال أبعاد قرار التطويع نفسه، واستطراداً إزاء الخلفيات التي أملت إرجاء الإعلان عنه.

المعنيون المباشرون بالموضوع يبلّغون كل متّصل بهم أن قرار التطويع محسوم ومتفق عليه داخل الحكومة وعلى مستوى قيادة الجيش ووزارة الدفاع، وكل جهة من هذه الجهات تنطلق من حساباتها. فلم يعد خافياً أن ميقاتي عازم على توظيف هذه الخطوة لخدمة النهج السياسي الذي دأب على اتباعه منذ انطلاق المواجهات الميدانية على طول الحدود اللبنانية الجنوبية.

فميقاتي تمسّك منذ البداية بشعار جوهره أنه على أتمّ الاستعداد لإعادة الأمور إلى سابق العهد الذي كانت عليه عشية الثامن من تشرين الأول الماضي في الجنوب، لحظة توقف إسرائيل هجماتها اليومية على الأراضي اللبنانية، خصوصاً لجهة الالتزام بمندرجات القرار الدولي الرقم 1701 والقاضية بسحب المظاهر المسلّحة ومن ثم تثبيت الحدود بعد إزالة النقاط الخلافية، توطئةً لانتشار الجيش اللبناني مع قوة “اليونيفيل” ليتولّيا معاً المسؤولية الأمنية المطلقة عن الوضع في بقعة عمليات “اليونيفيل” وصولاً إلى حدود مجرى نهر الليطاني.

ولم يعد خافياً في هذا السياق أن الرئيس ميقاتي جعل هذا الطرح الشغل الشاغل للدولة ومحور كل اللقاءات التي عقدها مع الموفدين الدوليين الذين تقاطروا بالجملة إلى بيروت، أو أولئك الذين أُتيح له الالتقاء بهم في المحافل الدولية في الخارج. وانطلق في رحلة إقناع الداخل والخارج أنه يهيّئ المسرح الجنوبي لترتيبات “اليوم التالي” بعد وقف النار في غزة أولاً حيث سيليه حتماً وقف المواجهات المندلعة على الحدود الجنوبية.

على العموم، حاول ميقاتي إدارة لعبة تناقضات الموقف الداخلي المحتقن، عندما أطلق توليفة سياسية – نظرية نالت استحسان قسم من الداخل لا سيما “جمهور المقاومة”، فيما تكفّل هو لاحقاً باستيعاب استياء قوى المعارضة ونقمتها بوسائل شتّى، منها مثلاً اجتماعه مع وفد من نوّابها أتوا إليه حاملين اعتراضهم على تفرّد الحزب بأخذ قرار الحرب ما زجّ لبنان في أتون مواجهة غير متكافئة وغير محمودة العواقب. وهكذا لكي يعطي ميقاتي قيمة مضافة وعملانية لإعلاناته المتكررة عن الاستعداد لتنفيذ عاجل للقرار 1701، سرت فكرة التطويع وقرب الشروع بتطويع المزيد من العناصر في المؤسسة العسكرية.

رقم ثمانية آلاف عنصر المحكي عن إمكان تطويعهم، لم يأت من فراغ، فهو حسب ما أبلغ خبير بقضايا المؤسسة العسكرية في لبنان “النهار”، أتى متمّماً لما أُشيع سابقاً عن أن المطلوب لتنفيذ دقيق ومجد للقرار 1701 أن يعدّ لبنان قوة عسكرية من نحو 14 ألف عنصر تتولّى مهمة مؤازرة القوة الدولية “اليونيفيل” في انتشارها في بقعة عملياتها المحددة بموجب هذا القرار لضمان تنفيذه. ولأن الجيش في عام البدء بتطبيق هذا القرار لم يستطع تأمين أكثر من 6 آلاف عنصر أخذوا مواقعهم في طول الجغرافيا الجنوبية، ارتفع منسوب الحديث عن تطويع ثمانية آلاف عنصر جديد، وكان منتظراً أن يعلن ميقاتي هذا التوجّه في كلمته أمام احتفال الأول من آب.

لكن لأن التنفيذ العملاني لهذا التوجه أمر دونه صعوبات وعقبات جمّة، سحب هذا الإعلان من كلمة ميقاتي ثم سحب من التداول الإعلامي.

ويقول رئيس لجنة الدفاع والأمن النيابية جهاد الصمد لـ”النهار” إن التطويع في الجيش لم يتوقف في كل المراحل والظروف، إذ ثمة مرونة إدارية ومالية وتسهيلات وغضّ نظر يسمح لقيادة الجيش بفتح باب التطويع ساعة تجد حاجة إلى ذلك، ومن دون أن تكون هناك حاجة إلى العودة إلى مجلس الوزراء، إذ يمكن لقيادة الجيش أن تبلغ الأمر لوزير الدفاع الذي بدوره يحيط مجلس الوزراء علماً.

وردّاً على سؤال قال الصمد: “ما نعلمه أنه ليس هناك سقف أمام قيادة الجيش يحدّد العدد الممكن تطويعه. ففي عام 2017، تم تطويع نحو 6 آلاف فتاة بينهم 5 آلاف مسيحية وتم الأمر بمبادرة من قيادة الجيش”.

ومع ذلك، فإن الخبير بشؤون المؤسسة العسكرية يرى أن ثمة صعوبات كبرى تحول حالياً دون فتح باب التطويع لهذا العديد الضخم (8 آلاف عنصر).

العقبة الأولى عدم توفر الأموال اللازمة لإتمام هذه الخطوة في الموازنة العامة للدولة وتأمين نفقات إلحاقهم، إذ إن الأمر بحاجة إلى اعتمادات إضافية في الموازنة العامة وهو أمر لا يمكن تأمينه في ظل العجز الواضح في مالية الدولية.

أضاف: عندما تجرّأ بعض المعنيين في الدولة وتحدث عن إمكان تطويع هذا العدد كان يعتمد ضمناً على وعود بمساعدات مالية من دول بعينها، لكن تبيّن لاحقاً أن الأمر ليس بهذه السهولة.

أما العقبة الثانية فتتجسّد بالعجز الظاهر عن تأمين نصاب طائفي مقبول لعملية التطويع المنشودة.

والمعلوم، يضيف المصدر نفسه، أن قائد الجيش العماد جوزف عون سبق أن أبلغ المراجع المسيحية الروحية والزمنية بوجود هذه الثغرة وهذا الخلل مناشداً إياها الإقدام على إجراء ما من شأنه تعديل الخلل وتدارك الوضع. فضلاً عن ذلك، يضيف المصدر عينه، سبق لقيادة الجيش أن خاضت تجربة في هذا الإطار، إذ أعلنت رغبتها في فتح دورة لتطويع نحو 800 عنصر لكنها جمّدت هذه الدورة أو ألغتها واكتفت بعدد محدود جداً بسبب عدم تأمين التوازن المطلوب.

وانطلاقاً من كل هذه الوقائع، فإن الخبير نفسه يستبعد أن يكون لدى الدولة القدرة على فتح باب التطويع لثمانية آلاف عنصر.

Leave A Reply

Your email address will not be published.