مصانع الأحذية: المعاناة مستمرّة وتتفاقم
في ظلّ التهويل بقرب اندلاع الحرب الشاملة مع العدوّ الإسرائيلي، يعاني ما تبقّى من صناعيين في لبنان من الإرباك والخوف والتردّد. إذ يدور بين عدد من أصحاب المصانع سؤال، إجابته صعبة ومكلفة: هل نبقي مصانعنا مفتوحة بانتظار مرور العاصفة، أم نقفل؟ ومن هذه مصانع الأحذية التي عليها طلب خارجي، وبالتالي لديها فرصة للتصدير وإدخال الدولارات إلى السوق، إنّما صار الأمر رهناً بظروف الحرب التي تضاف شروطها فوق الأعباء التي نتجت من الأزمة، أو تلك التي أنتجها النموذج منذ مطلع التسعينيات.يعبّر صناعيو الأحذية في لبنان عن قلقهم من شراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج مثل الكرتون والجلود والبلاستيك والخيطان، رغم تكدّسها لدى المورّدين. إذ لا يجرؤ هؤلاء على تحمّل مخاطر قرار كهذا في ظل الظروف الآنية، لأن «وقوع الحرب وتعرّضها لخطر التلف بسبب الأعمال الحربية سيحمّلهم خسائر لن تعوّض»، إذ إن «90% من المواد الأولية التي نستخدمها مستوردة». ويستدّل هؤلاء على هذا الأمر من الخسائر التي أصابت معمل «Luffy Leather» لتصنيع الحقائب الجلدية الذي تعرّض للقصف الأسبوع الماضي في العباسية.
المخاطر لا تتوقف هنا، ففي حال إقدام أحدهم على شراء المواد الأولية المستوردة وتحويلها إلى منتجات قابلة للبيع والتصدير، فإن القلق قائم من انقطاع خطوط التصدير نحو الخارج وكساد الإنتاج، ولا سيّما أنّ تصريف ما يُنتج اليوم يأتي في سياق التحضير لـ«موسم شهر رمضان المقبل» في الأسواق الخليجية حصراً. لذا «نحن نتريّث في إطلاق عجلة الإنتاج حتى تتّضح صورة الوضع في لبنان والمنطقة» يقول وضاح الشامي، أحد أصحاب مصانع إنتاج الأحذية في الضاحية الجنوبية. فالإنتاج من دون تصدير، يعني استهلاك رؤوس الأموال، «ومن لا يصدّر إنتاجه أقفل معمله منذ مدّة بعيدة» بحسب الشامي. وحول طرق التصدير المتاحة وأكلافها، أشار إلى أن «ارتفاع تكلفة التصدير عبر الطرقات البحرية، وطرقات التصدير البرية شبه مقفلة ومكلفة للغاية، إذ تبلغ تكلفة شحن مستوعب الأحذية الواحد من فئة 20 قدماً من لبنان إلى الخليج 35 ألف دولار، علماً أنّها كانت 5 آلاف دولار قبل عام 2019، ما خفّف من تنافسية المنتجات اللبنانية في الأسوق العربية، ولا سيّما الخليجية منها».
اختصر أصحاب معامل الأحذية أشهر العمل بـ 8 بدلاً من 12 شهراً
أيضاً يشكو الشامي من تدهور وضع الصناعيين على مستوى التمويل أيضاً. قبل عام 2019، كانت الصناعة تموّل إما عبر الشيكات المؤجلة من التجار، أو القروض المصرفية، أما اليوم «فمن لديه أموال كاش يعمل، ومن لا يملك كتلة نقدية يبقى في المنزل. إذ لا مصارف تدعم بالقروض، ولا رأسمال مع الصناعيين». كما أشار الشامي إلى «حصار» على مستوى التحويلات من الخارج، فمستحقات الصناعيين تنقل في أغلبها من قبل الصرافين بعمولة تصل إلى 3%»، وهذا ما أكّده صاحب مصنع آخر، رفض الكشف عن اسمه: «دفعت 4500 دولار العام الماضي لنقل 150 ألف دولار من السعودية بسبب وقف التحويلات بينها وبين لبنان».
وبالتالي، اختصر أصحاب معامل الأحذية في لبنان أشهر العمل بـ 8 بدلاً من 12 شهراً. «الزبون من دول الخليج يطلب البضاعة مرّة واحدة سنوياً»، بحسب الشامي، و«الأكلاف التشغيلية باهظة. فعلى سبيل المثال، يدفع الشامي 5 آلاف دولار شهرياً بدل مازوت لتشغيل المولدات خلال ساعات العمل، لذا يفضّل الإقفال 4 أشهر سنوياً لـ«الراحة، وجمع الأموال من السوق، والتحضير للموسم المقبل».