سجال الامتحانات… تحصين التربية أم تدميرها؟
تُطرح أسئلة كثيرة حول دوافع التشكيك بنزاهة الامتحانات الرسمية والحملات التي لم تستثنِ أحداً حول الاستحقاق. آخر المواقف المشككة جاءت على لسان البطريرك بشارة الراعي الذي وصف الامتحانات بالمهزلة، مشيراً إلى محاولات إقصاء شريحة أساسيّة عن إدارة العمليّة التربويّة كان لها تأثيرها الكبير في تمايز القطاع التربويّ الذي جعل العديد من أهالي البلدان المجاورة يختارون مدرسة لبنان وجامعته لتربية أولادهم، وهو الذي كان أشاد بالإنجاز في ظل الظروف الراهنة، قبل اسابيع قليلة، مؤكدا أهمية المحافظة على الشهادة الرسمية اللبنانية للانتقال إلى مرحلة التعليم العالي.
لا يمكن فصل المواقف حول الامتحانات الرسمية والكلام المتواتر على وسائل التواصل والروايات والشائعات حول شبهات وشوائب، إلى حديث حول الطعن بالنتائج، لا يمكن فصلها عن السجال الذي سبق إجراء الاستحقاق، والضغوط السياسية والطائفية التي كان يحمل بعضها غايات تهدف إلى إلغائها ومنح إفادات لكل المرشحين. الذريعة كانت الوضع الأمني المتعلق بالجنوب جراء الاعتداءات الإسرائيلية. لكن عندما أجريت الامتحانات التي انطلقت من برنامج موحد مع مواد اختيارية محددة وأسئلة وتضمنت تسهيلات في باريم التصحيح، خرج الجميع مهنئين بإنجاز التربية، لتتغير المواقف بعد أيام على صدور النتائج التي جاءت نسبها متطابقة مع نسخة العام الماضي من الامتحانات.
الواقع أنه لا يمكن التحكم بالامتحانات وإجراءها بطريقة مثالية وبلا شوائب، فكيف في ظروف استثنائية مثل حالة الحرب التي انعكست على القطاع التربوي مع نزوح التلامذة من المناطق الحدودية، فإذا انتقد البعض ما جرى في الامتحانات وهو واقع يحدث في كل استحقاق، فإن الخطأ تصوير هذا الانجاز كله بالفساد والمهزلة، ثم اطلاق اتهامات بعد أسابيع عن مؤامرات تسريب الأسئلة لبعض المواد، والطلب بإعادة تصحيح المسابقات أو حتى الغاء النتائج بحجج واهية تؤدي في الواقع إلى مزيد من التفكك وانهيار القطاع.
إجراء الامتحانات لم يكن مثالياً، لكنه في الحد الادنى أنقذ ماء الوجه من خطر سوق التربية إلى الهلاك، والمقصود أن منح الإفادات للمرشحين بصفته الطريق الأسهل كان يمكن أن يدمّر التربية خصوصاً لتلامذة المدارس الخاصة، فإذا تخللت الامتحانات شوائب وكانت هناك تسريبات، لا بد عندئذ من المحاسبة، لكن ذلك لا يعني التشكيك بإنجاز الاستحقاق، علماً أن المعلومات تفيد بأن مقر وضع الأسئلة محصن بأجهزة تشويش ولا يمكن بالتالي تسريب الأسئلة وهو أمر يبقى في كل الأحوال خاضعاً للتحقيق والتدقيق والمحاسبة وهو في عهدة التفتيش التربوي.
لا شك بأن تحصين نتائج الامتحانات تشكل أولوية للتحضير للسنة الدراسية الجديدة، خصوصاً وأن لبنان يعيش حالة من الفوضى بسبب الأوضاع السياسية والأمنية، ولذا ينبغي إخراج السجال حول الامتحانات من دائرة التشكيك والاتهامات والتركيز على معالجة الثغرات والتدقيق بما إذا كانت هناك تسريبات تستدعي محاسبة البعض إما على التقصير أو على التورط بمخالفات، لكن ذلك لا يلغي أن الإمتحانات أجريت وحظيت التربية بالاشادة والتهنئة على إنجازها، فإذا كان التشكيك اليوم ينطلق من خلفيات سياسية أو طائفية ويرتبط بملفات معلقة، فذلك أقصر الطرق لتدمير التربية وتشريع التدخل بشؤونها والعودة إلى تكريس حصانة المحميات السياسية والطائفية في داخلها.
الكلام ليس دفاعاً عن الامتحانات، إنما حان الوقت للخروج من الحسابات الضيقة والمصالح التي لا تخدم التعليم في لبنان، وتصويب النقاش حول الاصلاح والتطوير ورفع التدخلات في شؤون التربية، فإذا اعتبر البعض أن الامتحانات مهزلة وشابها الكثير من المخالفات عليه أن يقدم المستندات التي تثبت ذلك، أما إذا كان الهدف ينطلق من حسابات لها مفعول رجعي وترتبط بملفات سياسية وطائفية، فالسلام على التربية…