وجهة نظر: «الأشغال» تضع استدامة قطاع مقاولي الباطن على المحك

في موقف يعكس تجاهل الجهات الحكومية الحرص على حقوق شركات الباطن، كما ألزمها القانون والقواعد المنظمة لهذه المهنة، تسود حالة من الاستياء العام والتشاؤم فئة مقاولي الباطن المعتمدين لدى وزارات الدولة، فكل مقاول باطن أو مجموعة منهم لديهم حكاية مأساوية وأسباب بالقصص والروايات مدعمة بمستندات ووثائق تتمحور جلها حول ضياع حقوقهم في المشاريع التي تشرف عليها الوزارات أو المؤسسات أو الشركات الحكومية. ولماذا هذا مهم وحيوي جداً؟ لسببين: في الحقيقة، الأول يتعلق بنسبة وقيمة هذه الأعمال من الاقتصاد الحر الخاص، والتي تعتقد أنها وحدها تتجاوز 75 في المئة من قيمة عقود المشاريع، وبالتالي حجم التأثير الهائل المفترض على القطاع الخاص، والثاني لتنوع مجالات الأنشطة المندرجة تحتها. ومن هنا أتت خطورة وعمق تأثير ما يحدث حالياً في هذا القطاع، سواء سلباً أو إيجاباً، ونستطيع أن ندّعي أن أحد أسباب التأخير في المشاريع لعدة أشهر أو حتى لسنوات والأضرار الجسيمة المتحصلة نتيجة مباشرة لعدم تقدير الجدوى المجتمعية والاقتصادية لأعمال هذه الفئة، ومقدار الضرر المتحصل لعدم حصولهم على حقوقهم. والخلاصة المقلقة أن مقاولي الباطن لا يثقون بأن الجهات الحكومية بأنواعها ضامنة فعلاً لحقوقهم، كما تنص القواعد القانونية نتيجة لتراكمات عقود من الإحباط. وسنخص وزارة الأشغال العامة بالتركيز في هذه المقالة لأهميتها الكبرى من حيث اعتماد الدولة عليها بجزء كبير من مشاريع التشييد والإعمار، آملنا في ذلك تصويب المسار وتنبيه المسؤولين إلى حجم الضرر، وفي الحقيقة من خلال تجارب واقعية فإنه يمكننا الجزم بأن التالي حاصل لا محالة بطريقة أو بأخرى في أغلب المشاريع الحكومية التي تشرف عليها وزارة الأشغال، وسنتناولها من خلال أسئلة واستفسارات مقاولي الباطن، التي لا يجدون لها جواباً أو تفسيراً، مدى التزام الوزارة بالقواعد الناظمة لهذا النشاط، وبالتالي حصول مقاولي الباطن على حقوقهم، وانعكاس ذلك وتأثيره على التزام المشروع بالجدول الزمني وتسليمه في المواعيد المقررة، ولأهمية استدامة وسلامة هذا القطاع التي أصبحت على المحك. وإذا ما ألقى الباحث المنصف نظرة فاحصة حول البادئ على فعل التجاوز على القواعد الضابطة، وما أول ما يبدأ به من تجاوز تجد الإجابة المتكررة، الإخلال بقاعدة الدفعات الشهرية، فهذه القاعدة رغم عدم أهميتها، كما تبدو للناظر غير المتخصص، لكنها بالغة الأهمية، فهي التي تقوم بتغطية نفقات المشروع، وسداد كلفة الأجور والمواد وغيرها، وهي من تضغط على جموع مقاولي الباطن للبدء بمسيرة التنازل، وهي التي تبدأ بإفقار بعض مقاولي الباطن الضعفاء، لأنها قد تستمر لأشهر عدة، نعم!!!! تنقطع الدفعات لأشهر، وفي بعض الحالات لسنوات لا لذنب ارتكبه مقاول الباطن المعتمد. ثم تتوالى المفاجآت غير السارة والتجاوزات كالآتي وسنسردها بالتفصيل: – تكون الوزارة أشد حرصا على طلب مخالصات شهرية من المتعهد الرئيسي تفيد بتسلم مقاولي الباطن مستحقاتهم طوال فترة المشروع، ثم فجأة وبلا سابق إنذار، وبعد أن يطمئن مقاول الباطن لحسن سير الدفعات تتوقف عن طلب المخالصات للدفعات الثلاث الأخيرة، وهو أمر له انعكاسات كارثية على حسن سير المشروع وعلى المقاولين أنفسهم، وعندما تسألهم لماذا توقفتم عن طلب المخالصات تقابل بالصمت والتجاهل، والسؤال ما الداعي لذلك؟ وما الذي جعلها تمتنع فجأة عن طلب المخالصة؟؟!! لا جواب. – تسأل الوزارة لماذا التوقف عن طلب المخالصات؟ فيأتي الجواب كالصاعقة أو يأتيك جواب باهت أن الدفعة صفر أو بالسالب!!! ونحن نسأل كيف تكون الدفعة «صفر» ومقاول الباطن لم يتسلم كامل حقوقه؟!! أين المبالغ؟ هل هي بحوزة الوزارة أم صرفت خطأ إلى المتعهد الرئيسي أم صرفت للمتعهد الرئيسي مقابل تعهد؟! ولماذا لا يتم تفعيل هذا التعهد؟ لا جواب. – مجموعة أخرى من المقاولين تسأل الوزارة لماذا صرفت للمقاول الرئيسي كامل دفعته بدون مخالصة بعد كل ذلك الانتظار؟، علما بأن هناك نزاعا قضائيا بينه وبين مقاول الباطن والوزارة طرف فيه على الرغم من توصيات «الفتوى والتشريع» بالامتناع عن الصرف في حالة وجود قضية. لا تجد من يرد على أسئلتك وتكتب الكتب الفردية أو الجماعية ولا أحد يرد. – ما ذنب مقاول الباطن الذي أنهى كل أعماله واستحق كامل الدفعة دون أي تأخير، بشهادة الحكم الصادر لصالحه، يراجع الوزارة ليطالب بالدفعة المتأخرة طبقاً للحكم فيرد عليه الرد المعلب بأن الحكم لم يلزم الوزارة في شيء، صحيح لم يلزم الوزارة (الوزارة تدافع عن نفسها وكأن مقاول الباطن خصم لها)، لكنه طالبها بالإفصاح عما عسى أن يكون في حوزتها من مبالغ أو كفالات تخص المتعهد الرئيسي، فترد ليس لديه مستحقات، وهذا الرد قمة التناقض، ويناقض أبسط مبادئ المنطق، أين تبخرت المبالغ التي حكمت بها المحكمة لصالح مقاول الباطن!! – تقوم الوزارة بتسليم المتعهد الرئيسي كل مستحقات مقاولي الباطن المعتمدين مقابل تعهد موقع من قبله للوزارة بالسداد لمقاولي الباطن، وهذا التعهد لا ينفذ ولا تقوم الوزارة بدورها بمطالبة المتعهد الرئيسي بتنفيذ تعهده. – أحكام قضائية واجبة النفاذ لمقاولي الباطن المعتمدين في نفس المشروع، وتتعذر أطراف من الوزارة عن تنفيذه أو إجبار المتعهد الرئيسي بقوة القانون على تنفيذه!! وهذا بلا شك مناف لأبسط مبادئ القانون والعدالة. – يخرج تصريح صحفي بتسلم المشروع من قبل لجنة الاستلام، وكمقاولي باطن من حقنا أن نتساءل، ما مصير مستحقاتنا المثبتة بأحكام قضائية نافذة؟ كيف تعتبر الجهات الرسمية تسلمها كاملا للمشروع وهناك بنود عدة من العقد الأساسي تختص الحقوق لم تنجز ولم تؤد لأصحابها؟! مما لا شك فيه أن هذا النهج التي تتبعه وزارة الأشغال في إدارة المشاريع، وسياسة الأبواب المغلقة، والتي هي مضادة لنهج الدولة والنطق السامي يعرض شريحة كبيرة من مقاولي الباطن والصناعيين لخطر الإفلاس. وتتكرر الأسئلة ويتكرر معها التجاهل وعدم الرد، والمتضرر الأكبر هو الدور الذي يؤديه مقاولو الباطن في دفع عجلة التنمية وحركة الاقتصاد في الدولة.

جريدة الجريدة:الكويت 

Leave A Reply

Your email address will not be published.