متحف بشرّي يكشف عن لوحات جديدة لم تُعرض من قبل: جبران خليل جبران… رسّام «المشاهير»
«أنا اليوم في صراع مع الألوان، والعراك شديد، وعلى أحدنا أن ينتصر» قالها مرّة صاحب «النبي» في إحدى رسائله إلى حبيبته ماري هاسكل. بعد أكثر من تسعة عقود على وفاته، لا تزال تظهر لوحات رسمها، ولم تُعرض من قبل، فمن مخازن متحف جبران في بشري (شمال لبنان)، كُشف النقاب أخيراً عن 23 لوحة بقيت مجهولة للجمهور، لتُعرض للمرة الأولى طوال فصل الصيف الحالي
في إحدى رسائله لماري هاسكل، يقول جبران خليل جبران (1883 ـــ 1931): «أنا اليوم في مصارعة مع الألوان، والعراك شديد، وعلى أحدنا أن ينتصر». عراك لم ينته بوفاة جبران، كأنّ صاحب «النبيّ»، أراد لنزاعه مع الفن أن يستمر طويلاً، معتمداً على عامل المفاجأة. بعد أكثر من تسعة عقود على وفاته، لا تزال تظهر لوحات رسمها، لم يسبق أن عرضت من قبل. من مخازن متحف جبران في بشري (شمال لبنان)، حيث تحوم روحه المتحدة مع محيطها، أُخرجت 23 لوحة رسمها جبران، وبقيت مجهولة للجمهور ومصانة بعناية، لتُعرض للمرة الأولى طوال فصل الصيف الحالي، مع أربع لوحات أخرى سبق أن عرضت من قبل، في معرض حمل اسم «جبران خليل جبران ونيويورك»، لكون اللوحات رسمت في الاستديو الذي عاش فيه جبران في المدينة الأميركية. مبادرة تندرج في إطار التجدد المستمر للمتحف ومساعيه المتواصلة إلى إبراز عالم جبران وكل جديد تظهره الأبحاث، وأيضاً للكشف عن إبداعه كرسّام، وخصوصاً أنّ ذلك الجانب لا يزال مجهولاً لكثيرين بحكم طغيان جانبه الأدبي. بدأ جبران رحلته فناناً، إلا أن الألوان لم ترغب في تسهيل دخول معترك الفن عليه، فكان أن أُتلفت جميع أعمال جبران من رسومات ولوحات أثناء حريق شبّ في أول معرض أقامه في «مبنى هاركورت» في بوسطن (في هذا المعرض تعرّف جبران إلى ماري هاسكل، فكان اللقاء الذي سيغيّر حياته). لوحات حظيت بحفاوة نقدية بالنسبة إلى محاولة أولى، إذ أتى على ذكرها أستاذ الفنون في «جامعة هارفرد» تشارلز إليوت نورتن في مقال نشره في جريدة «بوسطن بوست» في 27 آذار (مارس) 1904 بعنوان يبيّن مدى إعجابه بها: «فنان عربي شاب من بوسطن – رسومه الجميلة مثار دهشة».
لم يستسلم جبران، لا بل وجد في الحريق دافعاً ومحفّزاً. في رسالة إلى صديقته الشاعرة جوزفين بيبَدي، يقول بتفاؤل: «صحيح يا حبيبتي أنّ سنوات الحب ضاعت في الحريق، إنما لا تحزني، قد يكون وراء ذلك أمر جميل مجهول». جمال تدفّق بخصب، فحمل جبران ريشته واندفع في صراعه مع الألوان، إلى درجة أنّ «عدد اللوحات التي رسمها تخطت الـ 700 لوحة، غالبيتها موجودة في متحفه في لبنان، وعددها 440 لوحة. من أصل اللوحات الموجودة في المتحف، عرض حتى الآن 170 فقط، ولا تزال هناك 270 لوحة غير معروضة» وفقاً لما يقول لنا مدير «متحف جبران» جوزف جعجع.
وبالعودة إلى المعرض المقام حالياً، يوضح جعجع أنّ اللوحات عبارة عن «بورتريهات لمشاهير التقاهم جبران وقصدوه في الاستديو الخاص به في نيويورك، ومنهم من أثّر في جبران وفي فنه وكتاباته. ومن أبرز هذه الشخصيات، عالم النفس السويسري الشهير كارل غوستاف يونغ، والشاعر والفيلسوف الهندي طاغور، الحائز جائزة «نوبل للآداب» عام 1913، وعبد البهاء، ابن مؤسس البهائية، الذي يُعدّ المثلَ الأعلى للدين البهائي وراعي شؤونه وناشره، وقد كان في زيارة لنيويورك لتعريف الناس بتعاليم الدين البهائي. ومن اللوحات أيضاً بورتريهات للشاعرة الأميركية ليونورا شباير، التي تم تزيين غلاف كتابها الحائز «جائزة بوليتزر» برسم لجبران وبورتريه للكاتبة الأميركية شارلوت تيلير وغيرهما. وقد رسمت هذه اللوحات أثناء مدة إقامة جبران في نيويورك بين عامَي 1912 و 1931، علماً أن أكثرية هذه اللوحات رُسمت بين عامَي 1912 و 1918، وبعضها أرّخ جبران تاريخ رسمها بنفسه».
بقاء هذه اللوحات غير معروضة طوال هذا الزمن، يعود إلى «عدم المعرفة بأصحابها. إلا أن أبحاثنا المستمرة دوماً، وتنظيم معرضين العام الماضي في نيويورك، الأول في مبنى الأمم المتحدة والثاني في معرض «دروينغ سنتر» في منهاتن، في مناسبة الذكرى المئوية لصدور كتاب «النبي»، كلها عوامل تضافرت وساعدتنا على اكتشاف هوية الأشخاص موضع البورتريهات» وفقاً لما يقول جعجع الذي يشير إلى عدم المعرفة بهوية عدد من الأشخاص الذين رسمهم جبران، فـ «نصف البورتريهات نجهل أصحابها حتى اللحظة، وضيق المساحة والحاجة إلى غرف وصالات إضافية، رغم امتداد متحف جبران على ثلاث طبقات، من الأسباب التي لم تسمح حتى اللحظة بالكشف عن لوحات جبران التي لم تُعرض بعد» وعددها كما أسلفنا 270 لوحة.
بورتريهات لكارل غوستاف يونغ، والشاعر والفيلسوف الهندي طاغور وعبد البهاء، ابن مؤسس البهائية
وفيما توجد غالبية لوحات جبران في متحفه في لبنان، وتحديداً 440 لوحة، من أصل 700 وأكثر تقريباً، فإن باقي اللوحات موجودة في أشهر المتاحف حول العالم كما في «اللوفر» في فرنسا، ومتحف «متروبوليتان» في نيويورك الذي يعدّ من أضخم وأشهر متاحف العالم، ومتحف «فوغ» في «جامعة هارفارد»، ومتحف «فاين آرت» في بوسطن، و«متحف كارلوس سليم» في المكسيك الذي يضم 80 لوحة لجبران، إضافة إلى اللوحات التي يمتلكها أفراد ومقتنون أجانب وعرب ولبنانيون.
وحول إمكانية المطالبة أو استرداد بعض أعمال جبران ومقتنياته من الخارج، يشدد جعجع على صعوبة الموضوع من الناحية القانونيّة «لكون جبران أهدى عدداً من أعماله إلى المتاحف شخصياً». وفي مرحلة لاحقة بعد وفاته، هنالك أشخاص مقربون منه، بادروا بدورهم إلى التبرع ببعض أعماله أو بيعها، كما هي الحال مع اللوحات التي اشتراها كارلوس سليم «التي كانت بحوزة أحد المقربين من جبران وقد أبرز مستندات تثبت قانونية ملكيته لها». ويلفت جعجع إلى أنّ «هنالك عدداً من الأشخاص الذين يملكون لوحات لجبران يتواصلون معنا لشرائها، لكنّ إمكاناتنا الماديّة كمتحف لا تسمح لنا باقتناء قطع إضافية».
أما عن أشهر لوحات جبران، وما إذا كانت هناك أعمال بارزة أكثر من غيرها، يشرح جعجع أن «لوحات كتاب «النبيّ» الـ 12 مشهورة جداً، وتحديداً لوحة الغلاف التي تظهر وجه المصطفى واللوحة الأخيرة من الكتاب التي تبيّن اليد وفي منتصفها العين والعالم الذي يدور حول يد الله. وهنالك أيضاً لوحة وجه المسيح ولوحة عائلة جبران».
* متحف جبران: من الثلاثاء حتى الأحد من الساعة العاشرة حتى الساعة الخامسة ـــ بشرّي (شمال لبنان) ــــ الدخولية: 300 ألف ليرة لبنانية