تعطيل النصاب يهدِّد استمرارية جمعية المصارف؟
تتصاعد حدّة الخلافات الواقعة بين أعضاء جمعية المصارف، إلى أن بلغت حدود التهديد باستمرارية جميعة المصارف ككيان موحّد، باعتبار أن الشرخ الحاصل اليوم بات متشعّباً، ولا يقتصر على مواجهة صغار المصارف مع كبارها، إنما يتجاوزها إلى خلافات جوهرية تتعلّق بإدارة الأزمة، إلى جانب عراقيل طائفية تهدّد استمرار جمعية المصارف ووحدتها.
هذا الشرخ القائم لم تشهده جمعية المصارف مواجهة منذ سنوات طويلة كتلك التي تشهدها في الأيام الأخيرة، إذ لطالما كانت الجمعية كياناً جامعاً لكافة المصارف، والحامي لمصالحها بوجه أي تدخل من خارجها، ولكن الخلافات دخلت جمعية المصارف من بابها العريض في هذه الأيام، وأحدثت شرخاً كبيراً بين فريقين تفصل المصالح بينهما. وليست الخلافات لأي سبب خارجي، إنما لتضارب المصالح بين كبار المصارف وصغارها كما هو متداول، وخير دليل على عمق هذه الخلافات الكبيرة هو تعطيل نصاب الجمعية العمومية لجمعية المصارف التي عقدت في مقر بنك الاعتماد اللبناني، وحسب النظام الداخلي للجمعية، يتحتّم حضور 75 في المئة من المصارف، وهو ما لم يتوفّر بعد تغيّب نحو 15 مصرفاً كانوا قد هدّدوا بتعطيل الجلسة ما لم يتم التجاوب مع مطلبهم بالمشاركة بعضوين في مجلس الإدارة.
لا شك أن حالات الخلاف طبيعية، وتحدث منطقياً خصوصاً في نظام ديمقراطي كما هو حاصل في لبنان عموماً،ولكن جمعية المصارف التي لطالما عرفت بأنها كيان موحد لا يستطيع خلخلته بهذه السهولة الممكنة، فلماذا وصل بها حال مجلس إدارتها إلى أن تبلغ الخلافات ضمنه إلى هنا،وهل هذا أمر طبيعي أم سابقة خطيرة؟
رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل يوضح في هذا السياق أن هناك بعض التوازنات داخل جميعة المصارف باعتبار أن هناك مصارف كبيرة ومصارف متوسطة الحجم، ناهيك عن المصارف الصغيرة وهناك رأي يقول بأنه لطالما ليس هناك أي شيء واضخ فيما يتعلق بعملية الإصلاح لأن هناك شغور رئاسي وحكومة تصرف الأعمال وليس هناك أفق لأي عملية تقدم واضح ليس على الصعيد إعادة هيكلة القطاع المصرفي فحسب،إنما أيضاً فيما يتعلق بالإصلاحات البنوية ككل.
ويشير غبريل لـ «اللواء» إلى أنه من الأفضل على ما يبدو أن يتم الإنتظار إلى حين أن يكون هناك قراراً جدياُ بالبدء بقطار الإصلاحات ،وتحديداً إلى ما بعد إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة ويكون هناك برنامج إصلاحي واضح وجدي يأخذ إستعادة الثقة في الإقتصاد اللبناني ككل بشكل أساسي في عين الإعتبار، عقب القيام بإعادة تفعيل المؤسسات.
ويكشف أن هناك بعض الأعضاء الآخرين في جمعية المصارف يسألون عن سبب التمديد للمجلس الحالي للجمعية باعتبار أنه سبق وتم التمديد له مرّتين، ومن هنا بدأت التجاذبات بين مؤيد ومعارض لهذا الخيار على الرغم من أن هناك توازنات داخل الجمعية يجب أخذها في عين الإعتبار، لذلك تم التأجيل ولكن الجمعية العمومية لم تُلغَ.
ويشدد على أنه من الأفضل أن يتم التركيز على الفراغ الرئاسي في البلد وعن سبب عدم إنتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من 20 شهراً، وعن سبب عدم تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات النيابية التي جرت عام 2022،ناهيك عن تأجيل المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبندز المؤجلة منذ آذار 2020،وإعادة هيكلة القطاع العام المؤجلة منذ عشرات السنوات أما فيما يتعلق بموضوع الجمعية العمومية لجمعية المصارف فسوف تعقد عاجلاً أم آجلاً.
ويعتبر أن التركيز على موضوع «جمعية المصارف» هو يأتي من باب «التسلية»،ولكن يجب أن يتم التركيز على الأمور الحيوية التي تهم المواطنين إن كان على صعيد الإقتصاد أو على صعيد مستقبل لبنان ككل،لأنه يجري تضخيم هذا الأمر أكثر مما يستحق على أرض الواقع،ففي نهاية الأمر تأجيل الجمعية العمومية لجمعية المصارف ليست بالمشكلة الكبيرة كما يتم تصويرها.
ويختم غبريل قائلاً: «أنه لطالما كان هناك داخل الجمعية آراء مختلفة، وهذا ليس بجديد إطلاقاً باعتبار أن المجلس الإدراي للجمعية مكون من 12 أو 15 مصرف، لذلك من الطبيعي أن يكون هناك آراء مختلفة داخل المجلس، وكل عضو داخل المجلس له الحرية المطلقة في أن يدلي برأيه، فنحن في نهاية المطاف لسنا ضمن نظام شمولي، وجمعية المصارف أيضاً نظامها ليس نظاماً شمولياً على الإطلاق،وكل ما في الأمر أن هناك آراء مختلفة ويتم إتخاذ القرار بالتصويت بأكثرية أعضاء مجلس الإدارة، والقطاع المصرفي هو الجهة الأكثر إصراراً وإستعجالاً على مطالبتها بالإصلاحات والبدء بالعملية بشكل فوري لأن التأجيل والمماطلة في الإصلاح هو إستمرار في خسارة القطاع المصرفي أيضاً لأن المصارف هي عاجزة عن القيام بتمويل الإقتصاد من دون القيام بعملية الإصلاحات المطلوبة، ولا تستطيع القيام بضخ سيولة في المصارف من جديد، لذلك المصارف هي الجهة الأكثر خسارة إزاء الوضع القائم والمستمر لذلك فإن تأجيل الإصلاحات هو ليس في صالح المصارف على عكس ما يتم تصويره لأنه يساهم في تأخير دور المصارف بتمويل الإقتصاد وتأخير الإرادات إلى المصارف باعتبار أن المصارف لا تستطيع القيام بالتسليف من دون أن يكون لديها إرادات».